ماذا يعني أن يختنق القارئ العربي باعتبارات ومصالح وسياسات القنوات العربية وتوجهاتها؟ كيف ستعيد الثقة التي لقيت حتفها على أبواب أجهزة المخابرات التي ترسم السياسات والحدود الإعلامية للقنوات العربية وصحفييها؟
يتخبط القارئ ما بين القنوات العربية لاستخلاص الحقيقة الكاملة التي لا يمكن الحصول عليها من مصدر عربي واحد، في حين أن واحدة من القنوات الغربية كافية ووافية للحصول على حقيقة لا غبار عليها.
الخوف من قول الحقيقة؟
قبل أن تحاول الغوص في الحقيقة وأحداثها عليك أن تتذكر دائماً مصير الصحفيين الذين غيَّبتهم أقلامهم، فمنذ بدء الاحتجاجات في العالم العربي دخل الإعلاميون العرب في مرحلة يصارعون فيها من أجل الحفاظ على حياتهم التي قد يدعونها ثمناً للكلمة.
ولا تفارقنا أحداث مقتل 58 صحفياً في الجزائر خلال الفترة من 1993 إلى 1999 ناهيك عن عدد الصحفيين الذين لقوا حتفهم في العراق خلال الفترة من 2003 إلى 2007 الذي وصل إلى 127 صحفياً والجرح السوري الذي لا يزال ينزف صحفياً تلو الآخر حتى وصلت آخر إحصائية إلى مقتل 122 صحفياً منذ بداية الحرب في مارس/آذار 2011.
الخوف على الحياة والتكنولوجيا البديلة أيضاً تركت أثراً واضحاً على مسيرة العمل الإعلامي، فقد لجأ عدد من الصحفيين والكُتاب إلى المدونات التي تظهر على شبكة الإنترنت كل يوم، والتي تقدر بنحو 17 ألف مدونة تنضم للشبكة العالمية يومياً في الوقت الذي أصبحت فيه المدونات تمثل إحدى الوسائل البديلة للتعبير عن الرأي ذات المصداقية الكبيرة، بعيداً عن أعين الرقابة التي تقلص دورها في مواجهة التكنولوجيا المتطورة، والتي أضعفت من سلطة الحكومات في الرقابة على الرأي، وباتت الملاذ الآمن للصحفيين.
ترسيخ الفكرة الغربية
منذ أن كنت صغيراً كنت أستيقظ في السادسة صباحاً على ذلك الصوت الأجش الذي علق في ذاكرتي، وتلك العبارة المميزة "هنا لندن، نقدم لكم موجز الأخبار"، منذ تلك الأيام وأنا لا شعورياً أبحث عن تلك العبارة على شاشة التلفاز أو عبر موجات المذياع عندما أريد أن أتابع الأخبار المهمة التي تهم بلدي بشكل خاص، والعالم أجمع بشكل عام.
وهذا حال الكثيرين ممن فقدوا المصداقية في الأخبار المحلية، بحيث تتجه أسماعهم وأبصارهم نحو الإعلام الغربي؛ لما يقدمه من تدقيق في المحتوى الخبري وبثه بدون انحياز، وبتجرد تام من أي سلطة سياسية أو تمويلية وأصبح الملتقى الوحيد للرأي والرأي الآخر.
عدم بناء الثقة مع المشاهد
الاعتذار.. تلك الكلمة الكبيرة جداً التي تدل على احترام الشخص المقابل لنا غير موجودة في أجهزة إعلامنا، وفي المقابل ترى أن هذا الاعتذار هو واحد من أساسيات العمل لدى الوسائل الإعلامية العريقة للحفاظ على جمهورها، فكثيرا ما نشاهد في إحدى الصحف الغربية مساحة كبيرة بعنوان عريض مخصصة للاعتذار لجمهورها عن موضوع خاطئ نشرته أو تحقيق صحفي كاذب تم كشفه، فتلك المساحة الصغيرة تبني ثقة عمياء مع الجمهور المتلقي، وحتى أكبر الفضائح العالمية للكثير من وسائل الإعلام الغربية لم تؤثر على مستوى مبيعاتها أو جمهورها؛ لأنها قامت ببناء جسر من الثقة يصعب هدمه بين ليلة وضحاها.
لا بد من تضارب المصالح
على الجهة المقابلة يرى المستشرقون الغربيون أن حال إعلامهم كحال إعلام العرب، له أيديولوجيته الخاصة التي تخدم مصالح الدول التي ينتمي إليها، والتي وقف أمام أهم قضاياها أصم وأعمى وكأنه لم يسمع بها، وعلى سبيل المثال لا الحصر الكثير من المؤامرات والفضائح التي يتم كشفها لاحقاً، ويتضح أن الكثير من الوسائل الإعلامية العريقة كانت على علم بها، وتم إخفاؤها في أدراج أصحاب القرار.. (الأمير ويليام).
إذاً هناك الكثير من أوجه الشبه في الاستراتيجية المتبعة بين الإعلام الغربي والإعلام العربي، فما هو السبب الذي جعلنا نثق في الإعلام الغربي أكثر من إعلامنا العربي؟
حتى الشماعة الدائمة التي يعلق عليها إعلامنا العربي فشله، وهي الضغوط الحكومية والرقابة الصارمة لم تعد موجودة إلى حد ما، بل على العكس فقد تحولت تلك الضغوط إلى دعم في الكثير من الأحيان.
وقد تكون هذه الأسباب التي ذكرتها كافية لإيصال الفكرة التي أقصدها، وكافية أيضاً حتى لا يتم فصلي من عملي.
وفي النهاية لا أقلل من قيمة الكثير من وسائل الإعلام العربية المحترمة، ولكن نتحدث عن مشكلة أساسية في مجتمعنا، فلم تعد سياسة دفن رؤوسنا في الرمال تجدي نفعاً في هذه العواصف الفكرية التي تضرب مجتمعاتنا العربية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.