في مجتمعنا الحالي، مجتمع الإنترنت والسرعة، لم يعد شيء أسهل من صناعة النجوم والمشاهير، ولو كانوا نجوماً من ورق، أو مشاهير التفاهة والجهل؛ ليتحول الشخص منهم لنجم لامع تتسابق الصحف لمحاورته والبرامج الإلكترونية لاستضافته، ويُصنع له جيش من المعجبين يتسمون باسمه ويدافعون عنه ويتصايحون مرددين اسمه.
كل ما في الأمر أن هذا النجم ذكراً كان أو أنثى، حمل في يده "طعريجة" أو غنى أغنية بصوت أكثر ما يقال عنه أنه متوسط، أو تلوَّت الحسناء بعيون مستعارة بجسد تضاريسه بارزة.. فقط.
وهنا يصبح بطلنا أو بطلتنا سهماً مغروساً في قلوب الأجيال الصاعدة تتغزل به المراهقات، ويضع الصبيان صوره على هواتفهم المحمولة.
داخل كل مجتمع هناك ما يسمى بالـ"idol" وهو كما يعرفه معجم أوكسفورد تعريفاً رئيسياً بكونه "صورة أو تجسيداً للإله يستخدم من أجل العبادة"، ثم تعريفاً ثانوياً بكونه "الشيء أو الشخص الذي يحظى بالحب والتقدير والتبجيل بشكل كبير جدا". الآيدول أو الصورة في مفهوم الكلمة باللغة اللاتينية هو ما يناسب عندنا في اللغة العربية المعبود، أو المحبوب، أو المثل الأعلى، هذا المصطلح الآن صار يطلق على الجميع، صاحب فن أو صاحب عفن، عالماً كان أم جاهلاً، متحضراً أم جاهلياً، أديباً أم قليل الأدب، ممثلاً سينمائياً ومسرحياً عريقاً أو مخبولاً يلوث "اليوتيوب" بحماقاته.
يكفي أن يظهر على شريط مصور أو في برامج للمواهب الضائعة، حتى يجد نفسه "idol" يُصفق له وتعشقه الجماهير حد العبادة، فمن تنهار مغمى عليها إن رأته، ومن يذرف الدموع له، ومَن تصرخ في نوبة صرع شاعرية، وكأنهم أمام ضريح يمارسون طقوس الزيارة والتضرع.
عندما يحل الفراغ بعقول الشباب، فازرع داخلها ما تشاء، سيئاً أو حسناً ستجني ما تريد وبسرعة قياسية تعادل سرعة الضوء أو أسرع، هذا ما يعانيه هذا الجيل الصاعد الذي لا يعرف اسم كاتب مغربي واحد، والذي لا يحفظ حتى نشيد بلده عن ظهر قلب، والذي لا يتقن لا لغته الأم ولا لغة المستعمر التي فيها قوت يومه، والذي لا يدري أين توجد تركيا الذي يعشق جمال ممثليها في الخريطة، هذا الجيل الذي يهتم لمؤخرة "الكرداشيانات" أكثر مما يهتم لدروسه، هذا الجيل الذي أصبحت فتاة في الرابعة عشرة من عمرها تنافس الثلاثينيات في خبرتهن حول الميكاب وأنواع النفخ المتوافرة في السوق وكيفية تكبير الصدر، وأي رياضة تنحت الخصر، وهي لا تحسن قراءة نص فرنسي قصير، حتى تظني أن إحداهن تفوقك سناً بسبب أكوام الماسكار على عينيها والحمرة على شفتيها، هذا الجيل الذي تتمنى فيه الطفلة بعمر الخامسة عشرة زوجاً يشبه "بوراك" التركي، وهي ما زالت لم تحل معادلة من الدرجة الثانية.
أجيالنا الصاعدة تعاني خللاً كبيراً يتجسد في غياب الأمثلة الجيدة، أو تغييبها، إعلامياً وعلى أرض الواقع، فتجد مغنياً شعبياً يلوي يديه وجسمه يكتسح المواقع والبرامج والمقابلات، وتجد ظهوراً محتشماً ومتواضعاً لكاتبة مغربية كليلى السليماني التي نالت أعرق الجوائز الأدبية الفرنسية "Prix Goncourt" عن رواية نالت احترام رواد الأدب في العالم، وهي الجائزة التي نالها بنجلون ومعلوف قبلها.. فأين هي ليلى في خيال فتياتنا وطموحاتهن؟ وأين هو أمين معلوف في وعي شبابنا وثقافتهم؟
أكبر الخسائر هي خسارة الطاقة البشرية، عندما تلوثها السخافة وتشوه مفاهيمها عن النماذج الكبرى والأمثلة المبدعة، فيتصور الشباب الضائع أن كل مشهور هو مثل كبير أو قدوة عظيمة في حد ذاته يستحق منه الحب والاقتداء، فكم من مشهور شهره جهله! وكم من نجم سطع بسبب قلة أدبه! وكم من مغمور لا يعرفه أحد يستحق أن نضعه نصب أعيننا نستمد منه الطموح والأمل!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.