في وفاة شهيد لقمة عيشه بالمغرب

هي وفاة ليست كباقي الوفيات، ولحظة لم يسبق ربما أن كان لها مثيل في شبيهاتها من اللحظات المؤلمة التي لا يقوى الإنسان على مشاهدتها، وهو في حضرة أحد أقاربه أو معارفه أو حتى غيرهم، وهو يحتضر وسط الأهل والأحباب لأجل تسليم الروح إلى صاحبها، فما بالك أن يشاهدها وهو يودع هذه الحياة الدنيا طحناً مع القمامات والنفايات، بداخل شاحنة التخلص منهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/09 الساعة 01:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/09 الساعة 01:03 بتوقيت غرينتش

هي وفاة ليست كباقي الوفيات، ولحظة لم يسبق ربما أن كان لها مثيل في شبيهاتها من اللحظات المؤلمة التي لا يقوى الإنسان على مشاهدتها، وهو في حضرة أحد أقاربه أو معارفه أو حتى غيرهم، وهو يحتضر وسط الأهل والأحباب لأجل تسليم الروح إلى صاحبها، فما بالك أن يشاهدها وهو يودع هذه الحياة الدنيا طحناً مع القمامات والنفايات، بداخل شاحنة التخلص منهم.

إنها اللحظة التي دمعت لها العيون، وبكيت لها القلوب، وتألمت لها الأنفس داخل أوساط المغاربة ممن شاهدوا ذلك الشريط الموثق لها، المصحوب بآهات الحاضرين بعين المكان.

إنه الراحل عنا ابن الوطن وشهيد لقمة عيشه وقوت يومه، محسن الفكري، شهيد المطالبة بحقه، الذي ليس بالسارق ولا بالمجرم الذي ألقى بنفسه للموت بعد مطاردة بوليسية، أو بعد محاولة فرار فاشلة، كما جرت العادة في الأفلام السينمائية، وإنما مجرد مواطن مغربي خرج للعمل بمجال التجارة في السمك بعدما استعصى عليه إيجاد مصدر، ومورد مالي كافٍ لعيشه وعيش عائلته، بميدان سياقة سيارة الأجرة الذي يعد الركود سمة له بمدن الريف المغربي محل إقامة الراحل محسن.

وفي ظل غياب سياسة ناجعة بالمغرب للحد من آفة قلة فرص التشغيل، وارتفاع نسب البطالة، كان لزاماً على الراحل عنا محسن ألا يظل مكتوف الأيدي، وهو ما دفعه إلى التفكير في العمل بمجال آخر، عن طريق امتهان التجارة في السمك، لربما دون علمه بقواعدها وبما له، مَن لا عليه فيها، وهو ما جعله وهو حامل لها في سيارته يصطدم بمواجهة مع رجال الأمن، الذين أبلغوه بحمله لأسماك يمنع صيدها، مما ترتب عليه إصدار الأمر بإتلافها بشاحنة خاصة بجمع النفايات، الأمر الذي حز في نفس محسن وأحس معه بالمهانة والضعف وحاول مطاردة سلعته داخل الشاحنة، فإذا به يلقى حتفه داخلها.

في حادث وفاة الراحل محسن تتبادر إلى ذهن كل مغربي من المغاربة المتعاطفين مع قضيته أسئلة كثيرة، وجد هؤلاء أنفسهم معها عاجزين عن إيجاد إجابات مقنعة لها.

هل المسطرة القانونية التي يجب اتباعها فور ضبط كل حامل لأسماك يمنع صيدها، هي المناداة فوراً على شاحنات النظافة لإتلاف تلك الأسماك؟

ألم يكن حرياً بالجهات التي كانت وراء ضبط الراحل محسن وأسماكه أن تأمر بأخذه إلى أقرب مخفر للشرطة، وأخذ سلعته كذلك إلى أقرب مستودع لها، ومباشرة التحقيقات بشأن القضية؟

ألم يكن من الواجب بعد ضبط الراحل محسن أن يتم مساءلة سلطات المراقبة المختصة بالميناء الذي أخرج منه الأسماك، ممنوعة الصيد من البحار والإخراج من الموانئ؟

أليس الراحل محسن "مكره لا بطل" على التجارة في أسماك لربما لا يعلم قانونية صيدها وبيعها من عدمه؟

أليس توقيف الراحل محسن هو توقيف ليس إلا لغاية تطبيق قاعدة قانونية على طرف ضعيف، في الوقت الذي من خصائصها العموم والتجريد الذي يجعل منها تسري على أشخاص آخرين غير الراحل محسن؟

كلها أسئلة وغيرها لا محالة لو تم تنزيلها وحاولنا الإجابة الصحيحة عنها، كنا لن نصطدم بحادث وفاة الراحل محسن الفكري المأساوي، كما لن تجعل الجهات التي كانت وراء وفاته في حاجة إلى اللجوء لمثل هذه الإجراءات، والأهم من كل هذا هو أنها كانت لن تدفع بالراحل عنا محسن للتفكير في محاولة إلقاء نفسه داخل الشاحنة، مطارداً ذمته ومصدر قوت عيشه، دون أدنى تفكير في فعله هذا وتبعاته.

فرحمك الله يا شهيد لقمة عيشه.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد