سعد لمجرد بمعية الملك!

من منهما أولى أن تكون قضيته قضية رأي عام، هل الغلام المصدرة حريته وحرية أداء فنه بالوطن؟ أم من يقال إن قضيته مجرد تلفيق هكذا هي الحريات، فالثأر من الفنان أو الثأر له يكون حسب الانتماء، والأعلى مكانة هو معتلي منصات المهرجانات الصاخبة، وأدناها فنان اختار الهادف فحرم من اعتلاء المسارح والمنصات خوفاً من أن يؤثر!

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/02 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/02 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش

كلاهما مشهور ووطني وعالمي، كلاهما مغربي، كلاهما فنان رغم اختلاف نهجيهما، كلاهما متهم، لكن في الساعات الأولى من انتشار الخبر يتبين أن أحدهما يلقى الدعم الكثير، والآخر مبهمة قصته وسبب الاعتقال، أما الثاني فالقضية واضحة، "المعلم" متهم بمحاولة الاغتصاب و"الغلام" الآخر لا أحد يوضح سبب اعتقاله ولا أحد تبنى الدعم والمساندة.

من منهما أولى أن تكون قضيته قضية رأي عام، هل الغلام المصدرة حريته وحرية أداء فنه بالوطن؟ أم من يقال إن قضيته مجرد تلفيق هكذا هي الحريات، فالثأر من الفنان أو الثأر له يكون حسب الانتماء، والأعلى مكانة هو معتلي منصات المهرجانات الصاخبة، وأدناها فنان اختار الهادف فحرم من اعتلاء المسارح والمنصات خوفاً من أن يؤثر!

كلا الشابين مؤثر، لكن في نظر الجمهور والدولة ليسا بسيان، فالمظلوم والمستحق للظلم في أوطان العرب بمعايير، إن كنت ذا معجبين وتملك المال الوفير فلك من الدفاع الحق المشروط، فلباسك وتسريحة شعرك وكذا كلمات أغانيك ونسبة مشاهدتها سبب كافٍ ليتبناك الوطن ويدافع عنك دفاعاً مستميتاً، وإن كنت تمثل فئة أخرى من الشباب، وتعي ماذا تقدم وتستعرض، لكن ليس لك من الإنتاج ما يجعلك بطلاً وقدوة في نظر البعض من خواص الذوق، فلك أن تقبع في السجون أبد الدهر، ولا مستمع، ولا مدافع، إلا قلة قليلة من المتتبعين.

فلو ظل أمر الدفاع والتبرئة والظلم بين المعجبين لكان شيئاً عادياً، لكن أن تتدخل الدولة وتتبنى المواقف دون طلب من أحد وليس الزمن عنا ببعيد، فكثير من حاملي نفس الجنسية مظاليم بأراضٍ غريبة، طالما استغاثوا واستنجدوا، لكن ما من مجيب!

اختيار الدفاع ليس منحازاً بين الفنانين فقط، بل حتى مطالبة الحقوق تعاني انفصاماً شائكاً بين قمع وقهر، حتى إنها لم تسلم من مدفع الإعلام، فخروج الطبيب والأستاذ من أجل الإصلاح أو التغيير أو حتى من أجل مطلب بسيط، يجيش له الأمن ويذوق المتظاهر من عصي الأمني ما لذ وطاب، لكن هيت لك إن خرج طالبو التغيير من حقوقي الزمن الحاضر فحتى خروجهم للمطالبة بإطاحة الحياء والقيم بدعوى حقوق المرأة أو حقوق الأقليات، فالأمن هو المستضيف المكرم، وهو حامي المتظاهرين.

وأما دفاعاً عن الخدمات، سواء داخل المؤسسات أو خارجها فحسبك أن تكون منبوذاً، وكيف يكون لك ذلك؟ فاعتلاؤك لمراتب حب المسؤولين يكون حسب دركات طأطأة رأسك ولبسك لجلباب الخادم، من تلميذ أو طالب مقرب من الأستاذ، إلى موظف إدارة أو مساعد، فدفاع العليين عنك يعاني انفصاماً إن لم تنهج النهج المرغوب كان في صالحك أم لم يكن.

وأول الأخطاء المؤدي لمثل هذه المفارقات ترديد العرب لجملة: "خذوا الكراسي والمناصب واتركوا لي الوطن"، أي وطن هذا؟ وأي وطنية هذه أنت نفسك تصنع عجزك بها، فإن لم تكن في موضع قرار أو منصب فقلة القلائل عزمك أن يكون متولي المنصب ذا واجب واحترام لا ذا تسلط واحتكار.

وخلاصة المُعاش، نحن صانعو القرار، لكن ليس في مثل هذه الأوطان، وإن كنا نصنعها لكن بشكل عكسي، فلقد استبدلنا التفافة بالاهتمام بالتفاهات، واستبدلنا الفن الحقيقي بالترهات، كما استبدلنا تعريف الكرامة بالاقتصار على جعل الحقوق متمنيات، ولم نعد نجد ونكد لنيل التميز ولا حتى لنيل النجاح، ركزنا على المحتوي وتركنا المحتوى، أهملنا العماد واهتممنا بقمم بلهاء، بل حتى في تربية الأبناء أصبح الأصل أرقاماً ونتائج في تراخٍ تام عن الأخلاق والأساسيات.

لا عجب إن انفصم الدفاع، فالثمرة تؤتي ما استوعبت من سقيا وسماد، ونحن تحولنا من منتجين إلى مستهلكين، يطيب لنا الطيب من مخلفات غربية، نستهوي التقليد وننسى التربية، بل وحتى المفيد من النموذج المقلَّد لا يلقى اهتمام، إذن استحققنا الانفصام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد