قبل أربعة أشهر أطلقت ميليشيا الحوثي صاروخاً باليستياً من صنعاء كانت تنوي به استهداف مواقع للجيش الوطني أو أنها كانت تريد إطلاقه نحو الحدود السعودية المحاذية لليمن، لكن أهالي صنعاء تفاجأوا بانفجار الصاروخ في سماء المدينة مخلفاً ذعراً وهلعاً بين المواطنين؛ حيث تناثرت الشظايا على عدد من الأحياء السكنية المكتظة بالسكان، وعلى وجه الخصوص حيّ السّنيْنة غرب صنعاء.
حينها كتبت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان المحلية تقريراً مستعجلاً على غير العادة يتحدث عن أن طائرات التحالف العربي قصفت صنعاء بقنابل عنقودية، دون أن تقوم بالنزول الميداني أو تقصّي الحقائق واكتفت بالاستناد على بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي من أعضاء الميليشيا، وتغافلت متعمدة حقيقة أن الشظايا المتناثرة هي لبقايا صاروخ حوثي باليستي تالف انفجر في سماء صنعاء أمام مسمع ومرأى المواطنين، ولعلاقة وثيقة مع من يدير هذه المنظمة ومنظمات دولية كـ"هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية، استلقفت المنظمتان الدوليتان التقرير المضلل الذي أصدرته منظمة مواطنة في ذات اليوم، واتهمت صراحة التحالف العربي بقصف صنعاء بقنابل عنقودية، لتبدو هذه الكذبة كحقيقة مسلّمة، والسبب أن المنظمات الدولية تعتمد كلّياً في تقاريرها على منظمات محلية على صلة تامة بميليشيا الحوثي؛ ليجري بطريقة سيئة طمس الحقائق في اليمن، وتبييض جرائم الميليشيا المتكررة بحق اليمنيين، والتقليل من فضاعتها وجسامتها بإرادة دولية وبتواطؤ أممي بات معروفاً للقاصي والداني.
في يوم الجمعة 3 من يونيو/حزيران الجاري أمطرت ميليشيا الحوثي وصالح مدينة تعز التي تضم مليوناً ونصف المليون نسمة بقذائف الكاتيوشا ومدافع الهاوزر والدبابات، مستهدفة أسواقاً شعبية مزدحمة بالمواطنين الذي هرعوا لشراء حاجيات ومستلزمات رمضان في المدنية المحاصرة من قِبل الانقلابيين، حولت قذائف الميليشيا الأسواق الشعبية في المدينة القديمة "الباب الكبير" وشارع 26 سبتمبر إلى ساحة مملوءة بالدماء والأشلاء، في جريمة مروعة ضد الإنسانية، خلّف ذلك الاعتداء الوحشي على أسواق تعز إلى 14 قتيلاً و92 جريحاً، وفي اليوم التالي استمرت وتيرة القصف، وواصلت الميليشيا الانقلابية إرسال حمم الموت الملتهبة بالحقد والضغينة على المدينة المحاصرة وقتل 11 مواطناً مدنياً، بينهم أطفال ونساء وجرح 40 آخرون.
لقد جاءت تلك المجازر المروعة بعد يوم من حديث الخارجية الأميركية عن أنها لا تعتبر ميليشيا الحوثي جماعة إرهابية، وهو ما اعتبره ناشطون وسياسيون ضوءاً أخضر للجماعة الانقلابية التي تدين بالولاء المطلق لطهران لارتكاب المزيد من الجرائم وقتلت 2000 مواطن في تعز لوحدها منذ عام من انقلابها على الدولة، بالإضافة إلى دليل دامغ لازدواجية أميركا مع الميليشيات التي تدعمها إيران في الوطن العربي، ابتداء من سوريا والعراق واليمن، والصمت الواضح لجرائمها راية رضا أميركية بالإمعان في العبث والفوضى وحفلات القتل التي تقودها ضد الأبرياء.
بينما المستشفيات في تعز تطلق نداء استغاثة من توالي الجرائم والقصف الممنهج على مدينة تعز من قِبل الميليشيا واستمرار القتل ونقل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ومواقع التواصل الاجتماعي لجرائم ميليشيا الحوثي وصالح على المدنيين في تعز، بدت تلك المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تغطّ في نوم عميق، وفي صمت مريب وتواطؤ لا يخفى على أحد، بل إن رئيس منظمة مواطنة عبدالرشيد الفقيه تحدث بكل صفاقة "بأن ما يجري في تعز مجرد نزاع مسلّح، ولا يمكن تحديد موقف محدد من الوقائع"، رغم أن المجرم معروف لدى الجميع، فإن تمييع الحقائق وتبييض وجه الميليشيا الملطخ بالدم بدت مهمة أكيدة تعمل من أجلها المنظمات الحقوقية المحلية المرتبطة بشبكات واسعة من المنظمات الدولية.
التضليل لا يقتصر على هذه المنظمات الحقوقية، بل تعدّى ذلك للمنظمات التابعة للأمم المتحدة؛ حيث أظهرت تقاريرها المتوالية أنها بعيدة عن الواقع وتمارس خداعاً رهيباً، بل إن مبعوثها الخاص يتلقى يومياً تقارير ميدانية من اللجان المحلية لمراقبة وقف إطلاق النار، تظهر مدى استهتار الميليشيا بالهدنة؛ حيث بلغ عدد اختراقاتها للهدنة 8000 اختراق، دون أن يسمي الطرف المعتدي في تناغم واضح مع الميليشيا.
في يوم الأحد 20 مارس/آذار الماضي أقدمت الميليشيا الحوثية على جريمة هزت الضمير الإنساني، حيث أودعت 14 مختطفاً من أبناء ووجهاء منطقتي "العبدين وغراز" بمحافظة صعدة الرافضين لها ولمشروعها الانقلابي، أودعتهم بمنزل في سوق الطلع بصعدة شمال اليمن، ثم قامت بتفخيخ المنزل بالديناميت، وفجرت المنزل بمن فيه، مما أدى إلى مقتلهم جميعاً، في تصفية وحشية لمختطفين أبرياء عزل، واستدعت الميليشيا أهالي المختطفين واشترطت عليهم دفن الجثث دون الكشف عن جثامينهم حتى لا يروا أجسادهم الممزقة التي فجرتها آلة الحقد والموت الميليشياوية التي يتخندق خلفها الحوثيون، وحال تلك المنظمات الحقوقية وقتها "لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم"، وتم تمرير هذه الجريمة دون عقاب أو حساب، لذا يرى اليمنيون أن تلك المنظمات الحقوقية ما هي إلا أداة قذرة لتزييف الحقائق، وطمس الجرائم، وتحسين صورة الميليشيا الحوثية التي ملأت اليمن جوراً وظلماً، وتقديمها للرأي العام الغربي والدولي على هيئة ملاك بريء.
لم تكترث المنظمات التي تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان بعذابات اليمنيين وآلامهم وهم يتجرعون صنوفاً من الانتهاكات الجسيمة والتعدي الصارخ على الحياة والقيم المدنية، وعمليات القتل المتواصلة، واختطاف الآلاف من نخبة المجتمع اليمني من سياسيين وناشطين وصحفيين وتربويين وأساتذة جامعات وطلاب جامعيين وإخفائهم قسرياً، بينما منظمة العفو الدولية في تقرير لها في الـ18 من مايو/أيار الماضي أكد أن "حالات الاعتقال والاختفاء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن"، بلغت 60 حالة اعتقال وإخفاء قسري" منذ يناير/كانون الثاني 2015 حتى مايو 2016م، في استخفاف صادم ومريع بالمنطق والواقع المعاش واستهتار متعمد بالأرقام المهولة التي تقبع في سجون الميليشيا والتي تقدر بـ"8458″ مختطفاً بينهم "2706 " مخفيين قسرياً، كيف يمكننا مقارنة تلك الأعداد المخيفة بتقارير منظمة العفو الدولية الذي استندت لمعلومات مضللة من منظمة مواطنة لحقوق الإنسان المحلية التي تدين بالولاء للميليشيا الانقلابية.
نحن أمام شبكة متكاملة تشارك القتلة في طمس الحقائق والدلائل والوقائع التي تثبت تورطهم في ارتكاب الجرائم، وهذه الشبكة "الحقوقية" تخوض معركة كذب وتدليس للرأي العام الدولي للتخفيف من جرائم الميليشيا، ومنح الانقلابيين فرصاً متعددة للإمعان في اقتراف الجريمة ومواصلة الاعتداء على الشعب اليمني، وإراقة دمه بدم بارد، ومباركة دولية سافرة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.