تفكيك الخلايا الإرهابية النائمة والنشطة تخصص للأمن المغربي بامتياز، لكن فقط عندما يريد!
أما عندما "لا يريد" فالقصة مختلفة تماماً، والقصة أن "الإرهاب" الذي يتم غض الطرف عنه أكبر بكثير من ذلك الذي تُسلط عليه الأضواء، وهو إرهاب يمكن مصادفته كل صباح على قارعة الطريق أو داخل الحرم الجامعي، أو في مدرجات الملاعب وجنباتها في أعقاب مباريات كرة القدم، وفي غيرها من الفضاءات العامة، على مرأى ومسمع من الجميع.
في الجامعة المغربية، يوجد تنظيم إرهابي مسلح، يحمل اسم "البرنامج المرحلي"، يحمل السيوف والسواطير أينما حل وارتحل، وينفذ أعضاؤه إرهابهم في العلن، وبوجوه مكشوفة، ودون خوف من العقاب.
العملية الإرهابية المقيتة التي استهدفت الفتاة "شيماء"، في جامعة مكناس، تحكي بشاعة هذا التنظيم المتطرف، وتقدم مثالاً صارخاً على داعشية من نوع آخر، داعشية لا تحتاج إلى لَيّ عنق نص ديني لتبرير إجرامها، بل إن كل ما تحتاج إليه هو غطاء سياسي وحقوقي، يحمي إرهابها وداعشيتها.
عندما يُحلَق شعر وحاجبا فتاة بريئة، وتفلت من قطع يدها في آخر لحظة، وتجلد صفعاً، بعد أن تجر من شعرها وسط ساحة الكلية، على مرأى ومسمع من الطلبة والأساتذة والإداريين، ثم يطاف بها إلى خارج الكلية؛ للإمعان في إذلالها، فإن وقع ذلك على أمن المواطن وسلامة الوطن ليس أقل أهمية من تهديدات الخلايا الإرهابية الكامنة.
أما "البرنامج المرحلي" فإرهابه معلوم، والطرف السياسي الذي يحميه ويتبناه ويموله معلوم أيضاً، ألم ينفذوا من قبل إعداماً في حق الطالب عبدالرحيم الحسناوي بعشرات الطعنات في مختلف أنحاء جسده، وهم الذين يصولون ويجولون في عدد من الجامعات المغربية بتشكيلاتهم المسلحة، دون أن يحرك الأمن ساكناً؟!
وأما ما يثير الانتباه أكثر فهو تلك الداعشية الكامنة، التي تختبئ فيمن يفترض أنهم أناس أسوياء عقلاء، وتظهر إلى العلن بين الفينة والأخرى في أبشع ما تكون صورة السادية.
ألم يكن الطلبة الذين وقفوا يتفرجون على تنفيذ حكم "الحلق" في حق شيماء "داعشيين" وقتها؟! وهم يرون إرهاباً يمارس على فتاة بريئة دون أن يحرك أحدهم ساكناً، أو يرتفع لهم صوت بالاحتجاج والرفض، ودون أن يضربوا على أيدي الظلمة.
ماذا عن "داعشيةِ" الذين يجلسون في مكاتبهم بالجامعة، دون أن يستدعوا الأمن ليوقف محاكمة خارج إطار القانون، تقيمها جماعة مارقة عن الدولة، ودون أن يهبوا لنجدة فتاة ينفذ عليها إجرام سادي، وهم أنفسهم من يعمدون في كثير من الأحيان إلى دعوة الأمن لفض اعتصامات الطلبة بالقوة.
وأين جمعيات حقوق الإنسان، وحقوق المرأة تحديداً، من إنقاذ فتاة بريئة من صلال السيوف وشفرات الحلاقة؟ أليس صمتهم "داعشية" مقيتة، تظهر عندما يختفي قاموس حقوق الإنسان والحريات وكل "الإسهال الكلامي" الذي يظهر أمام الكاميرات، في حالات أقرب إلى لعب الأطفال إذا ما قورنت بواقعة مكناس؟!
الداعشية تكمن في نفوس كثير ممن يرتدون ربطات العنق، أو "التنورات القصيرة"، ويزعمون الدفاع عن الحداثة وحقوق الإنسان والحريات، وهي مفاهيم لا تعنيهم قطعاً إلا في سياق صراع أيديولوجي طائفي، إنها داعشية حقوق الإنسان الطائفي!
لا يتعلق الأمر بالجامعة وحدها، ففي ملاعب الكرة وحولها نشاهد بأعيننا كل أسبوع تقريباً، كيف يتحول تلاميذ وعمال وعاطلون إلى وحوش داعشية، تفسد في الأرض وتمارس قطع الطرقات، وتقتل بدم بارد، بمجرد أن تضغط على زر داعشيتها المستترة.
وعلى قارعة الطريق يمكن أن تظهر "داعشية" شعب يتفرج على امرأة تتلقى صفعات ممن يفترض أنه زوجها أو قريبها، دون أن يحرك ذلك فيه غيرة أو إنسانية، فيكتفي بتحريك هاتفه الذكي لتصوير المشهد ونشره على "اليوتيوب".
حينما تشاهد كل تلك الداعشية الكامنة في بلد يفخر بأنه لا يزال عصياً على التنظيم المتطرف، تفهم كيف يمكن لإنسان أن يقف في ساحة عامة في مدن سيطرة تنظيم الدولة؛ ليتفرج على قطع رقبة أو يد إنسان، أو رجمه بالحجارة، أو رميه من أعلى بناية، ثم يذهب بعدها ليكمل يومه، ويتناول عشاءه، وينام ليلاً.
فلنحذر داعشيتنا الكامنة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.