هل تثور الصحافة؟!

إن الحد الأدنى من الحريات الصحفية وبيانه الانتهاكات الممنهجة ضد كافة الصحفيين المصريين والأجانب والتضييقات المختلفة والرقابة الصحفية؛ أصبح غائباً وهوى سقف الحريات الصحفية، كما هوت الصحافة من قبل ولم يعد هناك بُد من ثورة؛ لكن هل هي ممكنة؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/18 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/18 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش

الإعلام، السلاح الأقوى في مخاطبة العقول؛ له دوماً الدور الأهم في التأثير على الجماهير، صناعة وعيها وتشكيل قناعاتها الفكرية. وعليه، كان الإعلام دوماً عماداً أساسياً من أعمدة الأنظمة السياسية، خاصة الديكتاتورية منها. وعلى سموها، تحولت الصحافة من وسيلة إعلان وحفظ الحقيقة وتوعية الجماهير إلى أبواق للأنظمة الديكتاتورية تخدم مصالحها وتحرك جماهيرها.

الصحافة المصرية المعاصرة مثالاً في سنواتها الخمس الأخيرة، وبالتحديد تلك التي تبث من الداخل المصري؛ قد فقدت مصداقيتها منذ زمن. فهي تتغير مع تغير لون السلطة المتواجدة، فحتى عزل مبارك كانت موالية له، وعقبه للثورة وحين ضعفت الثورة للجيش، وحين أتى مرسي والوه فترة ثم ظهر طرف أقوى فانحازوا له، ومنذ عزل محمد مرسي كان الإعلام بوقاً رسمياً للسلطة حتى أن إحدى أكبر المجازر المعاصرة بحق الإنسانية صُورت في ذلك الإعلام كأنها انتصار للدولة على الإرهاب، دون النظر إلى الضحايا الأبرياء أو الشرخ المجتمعي الذي يصعب أن يلتئم.


ولا يحكم الصحافة المصرية السلطة فقط، أو لنكون أكثر دقة، لا تحكمها السلطة السياسية فقط؛ بل تحكمها سلطة المال أيضاً. ففي مصر من ملك المال واستطاع أن يجد لنفسه طريقاً في سوق الإعلام استطاع أن يجد لنفسه مساحة في عقل المواطن وسلطة أكبر على العقل الجمعي.

وفي ظل واقع كهذا انعدمت فيه قيمة الصحافة الحقيقية، وانطلقت أدوات تغييب الوعي والعقول، وجب طرح السؤال؛ هل تثور الصحافة؟

تاريخ الصحافة المعاصرة في مصر:

منذ استحوذت حركة "الضباط الأحرار" على السلطة في مصر في عام 1952 والرقيب العسكري هو سيد الموقف، فلا خبر يخرج للنور دون أن يكون قد مر على الرقيب وحاز على موافقته، وكل المنتجات الأدبية من مقالات صحفية إلى المسرحيات والروايات والأفلام لم تكن لتصل إلى يد المواطن إلا بموافقة الرقيب العسكري. استفحل هذا البلاء عقب النكسة وعلى مراحل الحرب المختلفة لدواع "الأمن القومي" وعلى الطريق ومع عودة بعض مشاهد الاقتصاد الحر؛ أو ظهور رجال الأعمال من "أغنياء الحرب" بدأت صحافة رجال الأعمال في وضع أقدامها على الطريق إلى أن ظهرت جلية بنهايات التسعينيات وإلى الآن. ومع التدهور المستمر للتعليم والثقافة والابتكار في مصر؛ عششت هذه الصحافة المختلة وأسست ثقافتها ومجتمعها الخاص، وباتت هي الحاجز بين الحقيقة والمواطن عوضاً عن أن تكون هي منبرها.

المؤثرون في الصحافة المصرية:

ومما سبق يتجلى لنا الفاعلون الأساسيون في الصحافة المصرية. فنجد الدولة بمؤسساتها الصحفية "العريقة" سواء التلفزيونية أو المطبوعة يترأسها السادة لواءات الجيش والمخابرات المتقاعدون -وغير المتقاعدون- ويديرون محتواها بما يخدم مصالح الدولة العسكرية. بينما على الناحية الأخرى تجد صحافة رجال الأعمال، المستثمرون "الحيتان" الذين لا يمكنك مصارعتهم؛ يديرون قنواتهم، عالية الجودة، المدعومة بإعلانات "حيتان" السوق الاستهلاكية؛ لتخدم مصالح الدولة ما راعت الدولة مصالحهم، أو تبتز الدولة إذا ما "داست لهم على طرف".. عارضت مصالحهم.
وفي الظلال تكمن المبادرات الصغيرة بتوجهاتها المختلفة الإسلامية، الليبرالية، واليسارية، التي مهما توغلت في الجمهور، يبقى تأثيرها المحدود الذي في قمة نجاحاته، نجح في أن يخترق حاجز "الزن" الذي صنعه الفاعلون الآخرون حول آذان الشعب.

لماذا نحتاج ثورة ببلاط صاحبة الجلالة؟

ورغم أن الفصل بين السلطات هو الأصل لحماية المواطنين والحفاظ على شكل الدولة التي سخرت لتيسير أمورهم لا التي يسيّرون أمورها سخرة؛ إلا أنه مطلب مصري أزلي وتأكيد هزلي من حكومات مصر كافة والسلطة الرابعة كأي سلطة في مصر خضعت للنظام و"هوت" تحت لوائه. فماذا عن ثورة ببلاط صاحبة الجلالة؟
إن الحد الأدنى من الحريات الصحفية وبيانه الانتهاكات الممنهجة ضد كافة الصحفيين المصريين والأجانب والتضييقات المختلفة والرقابة الصحفية؛ أصبح غائباً وهوى سقف الحريات الصحفية، كما هوت الصحافة من قبل ولم يعد هناك بُد من ثورة؛ لكن هل هي ممكنة؟

هل هي ممكنة؟

بلى؛ في ظل هذه الظروف والتضييقات المستمرة، فإن هناك بيئة خصبة لثورة حقيقية في الصحافة المصرية قد تقوم على سواعد عموم الصحفيين الذين لم يعد أحدهم يأمن على نفسه لأن مهنته في بطاقة الهوية "صحفي".

من الإضراب عن العمل إلى حجب الصحف وطباعة الصفحات بيضاء؛ كلها وسائل لإعلان السخط والغضب على الأوضاع الحالية، والأهم إعلام المواطن أنه لا مأمن له من الدولة ولا عين له على الحقيقة ولا منفذ له خارج التضليل المتعمد. إذا أقام الصحفيون يوماً هذا الإعلان الصريح عن الثورة سينتظر الوطن منابرهم الصغيرة ومبادراتهم الجديدة لخلق إعلام موازٍ؛ سينتظرهم الجميع في ترقب للحقائق التي تعذر نشرها وحينها -حينها فقط- ستعود للصحافة قيمتها كسلطة رابعة.

في الختام وبعد أن أجبنا على تساؤلات إمكانية الثورة إيجاباً؛ بقي على رواد مهنتنا الإجابة: هل يقومون بالثورة؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد