الإسلاميون: الماضي، الحاضر والمستقبل

إننا واقعيًّا ما زلنا أسرى للماضي بكل أبعاده مهما ادعينا غير ذلك، لا نقبل بديلاً عنه إلا مكرهين وبامتعاض، فلغتنا وقواعدها ومفرداتها ما زالت حبيسة قفص بمفتاح ضائع، وبحور الشعر جفت من طول الأمد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/15 الساعة 03:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/15 الساعة 03:12 بتوقيت غرينتش

السؤال الذي قد يتبادر للذهن عند الحديث عن التغيير أوبناء مستقبل مشرق، هو: من أين نبدأ؟

والجواب الذي ربما لا يختلف عليه أحد في عالمنا الإسلامي بمختلف توجهاته؛ هوأنه لا بدَّ لنا من العودة لـ"الماضي"! حتى تكون البداية صحيحة، ويأتي التغيير أُكله

ومع أن السؤال بحد ذاته قد يمثل بداية صحيحة -ربما- إلا أن الإجابة عنه بهذا الشكل تعد معضلة بحد ذاتها، وقد يكون السبب في مثل هكذا جواب؛ هو أن الجواب بحد ذاته تلقيني بامتياز، وأنه لم يصدر عن تفكير حر أوعقل فاعل أوعين تبصر الحقائق.

وبالرغم من أن هذا الجواب هو الأكثر قبولاً لدى الحركات الإسلامية؛ إلا أنه من النادر أن يُجاب عليه بشكل مختلف! ومع ذلك تجد أن هذا النادر الذي يرى أن الانطلاقة لا بد وأن تكون من الواقع المعيش، يقوم عند بدأ العمل باستدعاء الأفكار القديمة -كما هي- والتي مضى أصحابها! واستجلاب المفاهيم التي سادت في عصر قديم؛ على أنها المرتكز لبدء العمل؛ وأنه لم يستطع الانعتاق من الماضي بكل تجلياته وتضاريسه وحتى عناوينه وكلماته!

لقد أرسل الله رسله إلى أقوام مختلفين، وفي عصور مختلفة، ووفق ظروف متباينة، وأمراض مجتمعية متنوعة، ومع ذلك لم يكن طريق العلاج دائماً نفسه، ولم تكن البداية في التقويم تنطلق من مناهج القوم الأقدمين، أو شرعة البائدين السابقين، بل جعل الله لكل قوم شرعة ومنهاجاً مختلفاً عن الآخرين، وفق واقعهم ومعطيات أحوالهم (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) وحتى طريقة نهايتهم بدت مختلفة، خاضعة لحاضر ظرفهم الجغرافي والمناخي.

إننا واقعيًّا ما زلنا أسرى للماضي بكل أبعاده مهما ادعينا غير ذلك، لا نقبل بديلاً عنه إلا مكرهين وبامتعاض، فلغتنا وقواعدها ومفرداتها ما زالت حبيسة قفص بمفتاح ضائع، وبحور الشعر جفت من طول الأمد.

ورغم التقدم المهول في عالم الصحة والطب، فلا يزال طب الأقدمين أو ما يدعى أنه طب نبوي! ما زال ملاذاً للكثيرين، وما زالت الدعوة إلى العودة إلى ما يحلو للبعض تسميته بـ"أمهات الكتب" -وهي الكتب الصفراء القديمة- دعوة قائمة على أنها هي السبيل لإخراجنا من قاع المستنقع الذي نحن فيه!
وما زلنا نحتكم إلى أقوال السابقين وإلى اجتهاداتهم وقراراتهم وإلى فقههم وحِكَمهم وحتى إلى قضائهم، وما زالت خطاباتنا وخُطبنا ومواعظنا ودروس علومنا الشرعية تذخر بعبق الماضي وتقادمه، متجاهلة الحاضر فضلاً عن المستقبل، وما زلنا نتمثل طريقة السالفين في أكلهم وشربهم ولباسهم وهيأتهم ونومهم ويقظتهم وننكر على كل من يخالف ذلك كونه استجاب لمتغيرات واقعه وظروفه!

حتى أصبح الحاضر بحد ذاته تهمة لمن يستدعيه لمعايشته!

لقد أصبح حاضرنا -نتيجة لهذا الفكر- مرتعاً للماضي بكل أبعاده، وأصبحنا نعيش لحظتنا في حالة من الانفصام، انفصام لا يخطئه كل مبصر، يتجلى في شكل أقوال منبتة، وأفعال متخبطة، وتصرفات ناقصة وأفكار قبل أن تولد ميتة، حبال غليظة من الماضي تشدنا، وخيوط واهنة للحاضر تستدعينا، وعالَم ينظر إلى واقعنا فاغراً فاه من طريقة تفكيرنا وآلية اتخاذ قراراتنا، في عصر يتسم بقفزات نوعية تجاه المستقبل في كل لحظة، عالَمٌ يتقدم غير عابئ بماضٍ قد يكون مشتبها بيننا وبينه إلى حد كبير.

إن من أكبر الأخطاء التي نرتكبها من خلال نظرتنا إلى تاريخنا الماضي بكل أحداثه وقصصه وفصوله، هو أن نجعل منه مرتكزاً نبني عليه حاضراً أو مستقبلاً، لا سيما وأن كتابة التاريخ بحد ذاتها لم تكن دقيقة، ومثلت في معظم حالاتها رأي السياسة أو المتغلب، أو نظرة فردية أحادية مجتزأة، عدا عن كونها دونت في عصور لاحقة ومتأخرة كثيراً عن الأحداث، فصارت إلى رسم صور مشوهة أحياناً أو غير مكتملة؛ لا تحاكي حقيقة ما جرى، أكثر من كونها صورة واقعية يعتمد عليها.

لقد أصبح لزاماً أن نعطي لكل وقت حقه، فحاضرنا لا بد أن يكون مصدر قراراتنا وتصرفاتنا وأقوالنا، ولا بد من أن نبدأ تصحيح مسيرتنا انطلاقاً من واقعنا الذي نعيشه، ومن أبعاده التي لا بد أن نفتح تجاهها أعيننا وأسماعنا وأفهامنا لتداركها أولاً، لكي نصل إلى مستقبل مشرق، دون أن ننتقص من جهد وأقوال وأفكار السابقين أو نرميهم بالجهل وقلة الفهم، بل إن نأخذ خلاصات أعمالهم ومآلاتهم لنصيغ منها عِبَراً -لا أكثر- وأكرر؛ عبراً لا أكثر، تساعدنا في عدم تكرار أخطائهم

(لقد كان في قصصهم "عبرة" لأولي الألباب..)

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد