"الطغاة هم شرط الغزاة. وهم جسر الغزاة." كررت العبارتين في مسلسل " ملوك الطوائف الذي كتبت نصه، والآن يجري تداولمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإن كان بعض الناس ينسب أصلهم لابن خلدون، اختلاقاً من عند أنفسهم. ولعل تداولهما الآن يرجع إلى الظروف السياسية الراهنة. فالعبارة تلخص حال العرب والعقل السياسي الأحادي الذي ما زال يختلق الثنائيات المتقابلة ثم يصر أن يخيرنا بين طرفيها:
- بين الطغاة والغزاة.
- بين طغاة وطغاة آخرين.
- بين غزاة وغزاة آخرين.
- بين استبداد قائم وبديل متخيل قاتم.
- بين إرهاب الدولة وإرهاب الجماعات.
- بين شعار الانتصار للحق الفلسطيني، وإن رافقه قهر الشعوب العربية، وبين تيار التصهين والتطبيع.
والحقيقة أن التخيير بين هذه الثنائيات يُعبر عن أحادية التفكير والدوغمائية السياسية الأيديولوجية، ولا يفضي إلا لمزيد من الكوارث. فكل طرف من هذه الثنائيات يغذي الآخر وليس ضداً له إذ يغذي كل طرف من هذه الثنائيات الطرف الآخر بدلاً من أن يُقابله. فالطريق المزعوم إلى بيت المقدس، الذي يمر بالمجازر في مدن العرب وبلادهم، لا يمكن أن يقرّب إلى القدس، وإنما يزيدها بُعدًا. والأصل الديني والإنساني أن الناس تتكافأ دماؤهم؛ فلا دم أزكى من آخر، حتى نضحي ببعضها على مذبح الآخر! فهكذا ننتهي بهدرها جميعاً ونحرض المظلومين بعضهم على بعض.
والبوصلة السليمة لا تشير إلى حق دون حق. فالبوصلة التي تشير إلى فلسطين هي التي تشير إلى مطلق الحق ومجمل الحقوق، وتضع فلسطين في المركز منها، لا مستقلةً عنها، وإلا خسرناها جميعاً، فلا طهراً أبقينا ولا أرضاً قطعنا. وقديماً أكدنا على العمق العربي الإسلامي للقضية الفلسطينية بالضرورة العملية، ومن ثم العلاقة الشرطية بين مطلب التحرير الفلسطيني ومطلب النهوض والتحرر من التبعية في مجمل الوطن العربي. فالمشروع الصهيوني الذي أنشأ الكيان الإسرائيلي هو جزء من المشروع الاستعماري الذي يعطل النهوض العربي ويدعم نظم الاستبداد والتبعية.
لا يجتمع الشيطان والملاك في ثوب واحد، ولا القاتل الذي يستبيح دماء الشعوب مع الثائر. والقاعدة القرآنية العامة أن من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً. فلا تبقى له بعد ذلك مأثرة تجعلنا نقول: ندينه بهذه، ونعظمه ونقدسه بتلك! ربما صح ذلك فيما هو دون هدر الدماء، من الذنوب والخطايا. ولكنها لا تصح مع "قتل الناس جميعا". أما أن نضع نصف المستبد المجرم في الجنة ونصفه الآخر في النار، فتلك لَعَمْرُ الله قاصمة الظهر، ولا تصح في عقل ولا نقل.
تذكروا، لقد كان الطغاة دائمًا شرطًا للغزاة، ولا يخلفون وراءهم إلا الدمار والحرائق والمزيد من الاحتلالات. فاعتبروا يا أولي الأبصار!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.