“من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة”.. نماذج علمائية ملهمة “أسامة بن زيد”

عربي بوست
تم النشر: 2024/08/27 الساعة 12:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/08/27 الساعة 12:49 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية/ shutterstock

"من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة" [محمد رسول الله ﷺ]

إنه الصحابي الجليل أسامة بن زيد (رضي الله عنه)، وهو ابن مسلمين كريمين من أوائل السابقين إلى الإسلام، فأبوه زيد بن حارثة، وأمه السيدة أم أيمن حاضنة رسول الله ﷺ ومربيته.

كان شديد السواد، خفيف الروح، شجاعًا، رباه النبي ﷺ وأحبه حبًّا كثيرًا، كما كان يحب أباه فسمي الحِبّ بن الحبّ، وكان النبي ﷺ يأخذه هو والحسن ويقول: (اللهم أحبهما فإني أُحِبُّهما) [أحمد والبخاري].

وكان أسامة شديد التواضع، حاد الذكاء، يبذل أقصى ما عنده في سبيل دينه وعقيدته.

وخرج أسامة (رضي الله عنه) مع النبي ﷺ عام الفتح إلى مكة راكبًا خلفه على بغلته، ودخل النبي ﷺ الكعبة ليصلي فيها ركعتين، ومعه أسامة وبلال (رضي الله عنهما)، ووقع أسامة على الأرض فجرحت جبهته؛ فقام النبي ﷺ مسرعًا ليمسح الدم الذي يسيل منها حتى وقف النزيف.

وذات يوم تلقى أسامة (رضي الله عنه) من رسول الله ﷺ درسًا لا ينساه أبدًا، يقول أسامة (رضي الله عنه): بعثنا رسول الله ﷺ إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمح حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي ﷺ فقال: يا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟ قلت: كان متعوذًاً، فما زال يكررها الرسول ﷺ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. ثم قال أسامة للرسول ﷺ: إني أعُطى الله عهدًا، ألا أقتل رجلاً يقول: لا إله إلا الله أبدًا، فقال النبي ﷺ: (بعدى يا أسامة؟) قال: بعدك. [أخرجه البخاري (7/398)]

وقد حمل أسامة (رضي الله عنه) كل صفات ومواهب القائد الشجاع، مما زاد من إعجاب النبي ﷺ به، فجعله قائدًا لجيش المسلمين لغزو الروم، وجعله الرسول ﷺ أميرًا على جيش فيه كبار الصحابة، كأبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، فاستكثر بعض المسلمين على أسامة (رضي الله عنه) كل هذا، وتكلموا في ذلك، ولما علم النبي ﷺ صعد المنبر وحمد الله ثم أثنى عليه وقال: (إن تطعنوا في إمارته -أي إمارة أسامة-؛ فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله، إن كان لخليقًا للإمارة لجديرًا بها، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ -يقصد زيد بن حارثة -، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده) [متفق عليه].

ويموت النبي ﷺ قبل أن يتحرك جيش أسامة (رضي الله عنه) إلى غايته التي حددها الرسول ﷺ وهي قتال الروم، وقبل أن يموت النبي ﷺ أوصى أصحابه أن يسارعوا بتحريك جيش أسامة (رضي الله عنه) فقال لهم: (أنفذوا بعث أسامة، أنفذوا بعث أسامة) [ابن حجر في الفتح]. 

ولما تولى أبو بكر الخلافة (رضي الله عنه) بعد رسول الله ﷺ، أصر على إنجاز وصية الرسول ﷺ، فيقول له عمر (رضي الله عنه): إن الأنصار ترى أن يتولى قيادة الجيش من هو أكبر سنًّا من أسامة، فيغضب أبو بكر (رضي الله عنه) ويقول: ثكلتك أمك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله ﷺ وتأمرني أن أنزعه، والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تخطفني؛ لأنفذت بعث أسامة.

ويخرج القائد أسامة (رضي الله عنه) من المدينة بجيشه، ويخرج معه أبو بكر (رضي الله عنه) مودعًا، وبينما أسامة راكب على فرسه، إذا بأبي بكر يسير على قدميه، فيستحي أسامة من هذا الموقف، ويقول لأبي بكر: يا خليفة رسول الله ﷺ، والله لتركبن أو لأنزلن. فيقول أبو بكر: والله لا نزلت، والله لا ركبتُ، وما عليَّ أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة، ثم يستأذن أبو بكر من أسامة أن يبقى معه عمر في المدينة ليعينه على أمور الحكم فيعطي أعظم قدوة في استئذان القائد مهما كان صغيراً.

وانطلق جيش أسامة (رضي الله عنه) إلى البلقاء، ليهاجم القرى التي حددها له رسول الله ﷺ وخليفته أبو بكر (رضي الله عنه)، فينتصر عليهم ويأسر منهم الكثير، ويجمع الغنائم، ويعود إلى المدينة منتصرًا، ويعود الجيش بلا ضحايا فيقول المسلمون يومئذ: ما رأينا جيشًا أسلم من جيش أسامة.

وكان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما يقسم أموال بيت المال على المسلمين، يجعل نصيب أسامة (رضي الله عنه) منها ثلاثة آلاف وخمسمائة، في حين يعطي ابنه عبد الله ثلاثة آلاف، فيقول ابن عمر لأبيه: لقد فضلت عليَّ أسامة، وقد شهدت مع رسول الله ﷺ ما لم يشهد، فيرد عليه عمر (رضي الله عنه) قائلاً: إن أسامة كان أحب إلى رسول الله ﷺ منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله ﷺ من أبيك. [الترمذي وابن سعد].

وعندما نشبت الفتنة بين علي ومعاوية (رضي الله عنهما) وقف أسامة محايدًا مع حبه الشديد لعلي، وبعث له رسالة قال فيها: يا أبا الحسن إنك والله لو أخذت بمشفر الأسد (فمه) لأخذت بمشفره الآخر معك حتى نهلك جميعًا أو نحيا جميعًا، فأما هذا الأمر الذي أنت فيه فوالله لا أدخل فيه أبدًا، ولزم أسامة (رضي الله عنه) داره فترة النزاع حتى لا يقتل مسلمًا.

وكان (رضي الله عنه) كثير العبادة، محافظًا على صوم يوم الاثنين والخميس مع كبر سنه وضعف جسمه؛ تأسيًا برسول الله ﷺ، وتوفي أسامة (رضي الله عنه) في خلافة معاوية بن أبي سفيان سنة (54هـ)، ودفن بالبقيع.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الصلابي
داعية ومؤرخ إسلامي
داعية ومؤرخ إسلامي متخصص في قضايا الفكر السياسي والتاريخ الإسلامي
تحميل المزيد