في أعقاب إسقاط حكم الشيخة حسينة الذي استمر خمس عشرة سنة في بنغلاديش، والذي شهد سياسات قمعية شملت انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان بحسب التقارير الحقوقية—منها الاعتقالات الجماعية والقتل خارج إطار القانون للمعارضين السياسيين—تعيش البلاد الآن مرحلة من التحولات الجذرية في المشهد السياسي. الأحزاب المعارضة، وفي مقدمتها حزب بنغلاديش الوطني (BNP) والجماعة الإسلامية، تتأهب لتعزيز مواقعها استعدادًا للانتخابات المنتظرة.
مع هروب الشيخة حسينة إلى خارج البلاد وانهيار حكومتها، يدخل حزب بنغلاديش الوطني، بقيادة الأمين العام ميرزا فخر الإسلام عالمغير، مرحلة حاسمة من إعادة التنظيم والتوحيد. ينشغل الحزب حاليًا بتعزيز قاعدته الشعبية وإعادة بناء الهياكل التنظيمية، بالإضافة إلى التعامل مع التحديات القانونية التي تواجه قياداته ونشطائه، بهدف تهيئة بيئة سياسية مستقرة للانتخابات المقبلة.
في تصريح للإعلام المحلي، أكد ميرزا فخر الإسلام على التزام الحزب بتسوية الأوضاع الداخلية ومواجهة القضايا القانونية لأعضائه، مشيرًا إلى التركيز على خلق بيئة مواتية للنجاح الانتخابي. كما تشمل جهود الحزب تسهيل عودة طارق رحمن، رئيس الحزب المؤقت، الذي يقيم في الخارج نتيجة للتحديات القانونية التي يواجهها.
بالإضافة لذلك، قام حزب بنغلاديش الوطني بتحول استراتيجي في موقفه، فبدلاً من المطالبة بإجراء انتخابات فورية دعا لمنح الحكومة المؤقتة الوقت الكافي لتنفيذ إصلاحات جوهرية، شاملة إعادة هيكلة لجنة الانتخابات وتحديث الإدارة وقوات الشرطة، بالإضافة إلى مكافحة الفساد وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
من ناحية أخرى، اتخذت الجماعة الإسلامية، التي تعد قوة سياسية رئيسية أخرى، مسارًا مغايرًا. على الرغم من حظرها السياسي، ركزت الجماعة على تعزيز جهودها الإنسانية وتقوية علاقاتها العامة. تشمل هذه الجهود تقديم المساعدات المالية للضحايا وزيارة معابد الأقليات الدينية والمشاركة في حوارات مع فصائل سياسية متعددة لتعزيز موقعها.
إذ تسعى الجماعة لرفع الحظر المفروض عليها من خلال الأوامر التنفيذية للحكومة المؤقتة، مفضلة هذا الطريق على المسارات القانونية الطويلة. وبحسب رئيس الجماعة، شفيق الرحمن، فإن الجماعة ترفض الاعتراف بشرعية إجراءات الحكومة السابقة وتطالب بإلغاء الأوامر المتعلقة بها.
وبذلك، انضمت الجماعة الإسلامية إلى حزب بنغلاديش الوطني في المطالبة بإصلاحات واسعة النطاق تشمل القضاء والاقتصاد وأجهزة تنفيذ القانون، مع التأكيد على ضرورة تحقيق العدالة في قضايا العنف السياسي التي شهدها عهد الحكومة السابقة.
في خضم التطورات الجارية بعد الثورة، تواجه الحكومة المؤقتة ضغوطاً متزايدة لتقديم خارطة طريق واضحة ومحددة للإصلاحات المنشودة. وقد أشار سيف الحق، الزعيم البارز في منتدى الديمقراطية والأمين العام لحزب العمال الثوري، على أهمية أن تُظهر الحكومة خططها بشكل واضح لبناء الثقة بين الأحزاب السياسية والجمهور.
في أفق الانتخابات المرتقبة، يتطلع كل من حزب بنغلاديش الوطني والجماعة الإسلامية إلى أن تعالج الحكومة المؤقتة مخاوفهما بفعالية، وأن تضمن إجراء انتخابات نزيهة وشفافة. هذه الفترة تمثل نقطة تحول في إعادة تشكيل المشهد السياسي في بنغلاديش، حيث تسعى الأحزاب المعارضة لتكييف استراتيجياتها مع الوضع الجديد والتأثير بفاعلية على أجندة الإصلاح التي تقودها الحكومة المؤقتة. لذلك، يبدو أن الأشهر القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأحداث، مع استعداد هذه الأحزاب لخوض غمار الانتخابات القادمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.