كيف تُمحى البراءة بأسلحة الحضارة في غزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/08/18 الساعة 09:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/08/18 الساعة 09:33 بتوقيت غرينتش
أغلب ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة من الأطفال والنساء/ الأناضول

يمثل استهداف الاحتلال المتواصل للأطفال والنساء الفلسطينيين، سواء بالقتل أو الاعتقال، سلوكًا مستمرًا لا يثير الدهشة، إذ يندرج ضمن إطار فكر الاحتلال الذي يرتكب بشكل متكرر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. فمنذ النكبة في عام 1948، اتبعت قوات الاحتلال الإسرائيلي استراتيجيات اقتلاعية و احلالية صريحة في فلسطين سعيًا لنزع الوجود الفلسطيني من الوجود.

هذا السعي ما زال مستمرًا حتى اليوم، فهو متجذر في فكر كيان الاحتلال بذاته، فهو قائم على فكرة الإبادة والتطهير العرقي للفلسطينيين، ولم يعد أحد في العالم لا يرى ذلك بوضوح خلال العدوان على قطاع غزة، حيث يواصل جنود الاحتلال ممارساتهم الوحشية، من قتل للأطفال والنساء والشيوخ، دون الالتزام حتى بأدنى المعايير الأخلاقية أو الإنسانية للحروب، حيث تطغى رغبة الاحتلال الاستعمارية الهمجية والبربرية على كل شيء. فنجد الاحتلال حتى لا يحاول أن يخفي جرائمه، بل يبدع جنوده في التباهي بها، بينما يذهب قادتهم لتسويق مذابحهم على أنها دفاع عن الحضارة.

إن هذا الاحتلال متشبع بالحقد الدفين والاستعلاء، و نرى بوضوح كيف هذا الاحتلال يتعالى عن كل شئ وكل منتج أخلاقي عن إنساني، إذ يستخدم أساطير دينية ليسفك دماء الأبرياء، ولا يتوانى عن اتهام كل من يحاول أن يتصدى لجرائمه، فهو على استعداد لتهديد العالم أجمع إن لم يقتنع بكذبه وسردياته الإجرامية، فبينما يسوق الاحتلال نفسه للعالم أنه الدولة الأكثر تحضراً في الشرق الأوسط، نجد الحقيقة أن قائم على تطرف ديني من نوع شديد الوحشية، إذ نجد من رجال الدين لدى الاحتلال يبيح سفك دماء الأطفال والنساء الفلسطينيين لكي لا يتبعوا نهج آبائهم في الدفاع عن أرضهم وحقوقهم، لذلك، لا غرابة فيما تفعله قوات الاحتلال في غزة من بشاعات بحق الأبرياء، إذ تسعى القضاء على جيل كامل من أجل أن يدفن الحق للأبد.

خلال السنوات التي يُشن فيها الاحتلال هجماته على قطاع غزة، ترتفع بشكل ملحوظ أعداد الشهداء من الأطفال والنساء، ما يعكس الإيديولوجية الإجرامية التي تقف وراء آلة الحرب الهمجية. لكن الجديد في الأمر، في غزة أن تلك الإيدلوجية المتوحشة  أطلقت العنان لنفسها بعد السابع من أكتوبر، فقد بدأ الاحتلال يركز على استهداف المنازل الآمنة، التي غالباً ما تؤوي نساءً وأطفالاً، مستخدماً الصواريخ والقنابل في قصفها بهدف القضاء على أكبر عدد ممكن منهم. وهذا يوضح أن الاحتلال في حربه الحالية لا يهتم إلا بالإبادة، فهو لا يسعى لاستعادة أسرى، بل يتعامل الاحتلال مع الحرب وفقًا لأيديولوجيته الفاشية. فمع تتبع عدد الشهداء من الأطفال والنساء، سنجد أن الاحتلال يسعى لتحقيق أحد أهدافه الديمغرافية، بالتفوق العددي على الفلسطينيين، فالمستعمر دائمًا يرى أن تزايد أعداد أصحاب الأرض يشكل تهديدًا حقيقيًا لوجوده.

حصيلة شهداء غزة

كيف تُمحى البراءة بأسلحة الحضارة في غزة؟
أغلب ضحايا الحرب على غزة من الأطفال والنساء/ الأناضول

فبحسب تقرير صادر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، تُظهر الإحصاءات أن قوات الاحتلال قد قتلت 2100 طفل رضيع فلسطيني دون سن العامين، ضمن إجمالي يقارب 17 ألف طفل قد قُتلوا في قطاع غزة منذ بداية الجرائم الجماعية التي بدأت في 7 أكتوبر الماضي.

وقد ذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان له أن عدد الأطفال الفلسطينيين، سواء الأطفال الرُضع أو الأطفال عمومًا، الذين قتلهم جيش الاحتلال مُفزع وغير مسبوق في التاريخ الحديث للحروب، ويعبر عن نمط خطير وقائم على نزع الإنسانية عن الفلسطينيين في قطاع غزة باستهدافهم الأطفال على نحو متعمد ومنهجي وواسع النطاق دون توقف منذ أكثر من عشرة أشهر، و بأكثر الطرق وحشية وأشدها فظاعة.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أن العديد من الأطفال كانت تقطعت رؤوسهم وأعضاء أجسادهم بفعل القصف الهمجي شديد التدمير على تجمعات المدنيين، وبخاصة المنازل والمباني والأحياء السكنية ومراكز الإيواء وخيام النازحين قسرًا، بما يشكل انتهاكًا صارخًا لقواعد التمييز والتناسب والضرورة العسكرية واتخاذ الاحتياطات اللازمة.

ففي حادثة شديدة المأسوية من بين آلاف القصص التي تتنوع في بشاعتها ومأسويتها، في دير البلح، وسط قطاع غزة، الأسبوع الماضي، نجد توأم رضيع لم يرَ النور إلا لأربعة أيام فقط، "آسر و آيسل محمد أبو القمصان"، إذ غادرا الحياة سريعاً قبل أن يستخرج لهم حتى أوراق تثبت ميلادهم، قتلهم الاحتلال مع والدتهما "جمان" بعد قصف مروع استهدف شقتهم السكنية. 

فقد خرج الأب مسرعاً لاستخراج شهادة ميلاد لطفليه، ليعود ويجد الركام قد ابتلع الشقة، ومعه عائلته بأكملها. الجدة التي ربما كانت تحلم بأيام ترى فيها أحفادها يكبرون، لقيت حتفها أيضاً تحت الأنقاض، في مشهد يندى له جبين الإنسانية.

إن استشهاد الرضيعين "آسر" و"آيسل" ليس بجريمة جديدة، بل هي تكراراً مأساوياً لمشهد يومي مروع في غزة؛ فكل يوم تدون سجلات الموتى أسماء أطفال، الكثيرين منهم لم يدركو حتى بعد ما هو الموت والحياة، تزهق أرواحهم قبل أن تتفتح أعينهم على العالم. ففي غزة البراءة هدفاً للصواريخ والقنابل، من أجل أن تستمر الفاشية. 

في الحقيقة، لا يمتلك جيش الاحتلال الإسرائيلي أي أخلاق لكنه يمتلك تكنولوجيا عالية التطور تمكنه من تحديد الأهداف بدقة، ومع ذلك، يستمر في استهداف المنازل ومراكز الإيواء التي تأوي مدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، مستخدمًا في ذلك صواريخ وقنابل بقدرة تدميرية هائلة. مما يوضح للأعمى نية الإبادة، عن طريق إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في الأرواح والإصابات الشديدة، ما يعكس نمطًا متكررًا ومنهجيًا وواسع النطاق للاستهداف الإسرائيلي للمدنيين في قطاع غزة، وخاصة في المناطق المكتظة بالسكان.

إن الأعمال الإجرامية التي بدأت منذ سنوات وتوسعت بأبعاد جديدة منذ السابع من أكتوبر، تشكل سلسلة من جرائم الحرب، وهذا ينتهك كل معايير الحماية التي وضعتها اتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية روما التي تعتبر استهداف الأطفال جريمة حرب. رغم ذلك، يتجاهل الاحتلال بوضوح العالم كله ولا ينصاع لأي قانون دولي أو إنساني، ممارسًا إرهابًا منظمًا متسلحاً بأيديولوجية و أساطير دينية متطرفة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

تحميل المزيد