"بيت المرايا": مصطلح بدأ يتردد بشكل متزايد في شوارع بنغلاديش، خصوصًا عقب الاحتجاجات الأخيرة التي عمت البلاد وأطاحت بحكومة رابطة عوامي بقيادة الشيخة حسينة. إذ كان هذا المصطلح يكتنفه ظلال من الخوف والكراهية، حيث استُخدم للإشارة إلى أماكن الاعتقال السرية التي تديرها المديرية العامة لاستخبارات القوات (DGFI)، الجهاز الاستخباراتي التابع لوزارة الدفاع في بنغلاديش.
ترجع جذور هذا المصطلح إلى عهد سجن سري يُعرف بـ"أيناغار" أو "بيت المرايا"، الذي تأسس خلال فترة حكم الشيخة حسينة. كان الغرض من هذا السجن احتجاز الأفراد الذين ترى حكومة الشيخة حسينة أنهم مشتبه بهم بتورطهم في مؤامرات ضد حكومتها، ويُعد جزءًا من شبكة واسعة من السجون السرية التي يُزعم أنها تحت إشراف المديرية العامة للاستخبارات القوات.
إذ تقول التقارير أنه كان يتم اعتقال الأشخاص الذين تزعم الحكومة أنهم معارضون لها أو الذين يتم تصنيفهم كـ"متطرفين" أو "إرهابيين" في هذه السجون السرية وذلك وفقا للحكومة وليس لمعايير دولية، حيث تعرضوا للتعذيب وأحيانًا للاختفاء القسري. ووفقًا للتقارير، كان السجن يضم حوالي 30 غرفة، وكان يُحتجز فيه الأشخاص لسنوات دون محاكمة أو عدالة.
ففي تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش في أغسطس/آب 2021، أشارت إلى أنه "على الرغم من الأدلة الموثوقة والمتسقة على أن قوات الأمن في بنغلاديش ترتكب بشكل روتيني عمليات اختفاء قسري، فإن رابطة عوامي الحاكمة تجاهلت دعوات الحكومات المانحة والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني لمعالجة ثقافة الإفلات من العقاب.
و وفقاً لتقارير منظمة "أودهيكار" لحقوق الإنسان، التي تتخذ من بنغلاديش مقراً لها، فقد تم تسجيل ما لا يقل عن 605 حالات اختفاء قسري بين عامي 2009 و2021. أفادت المنظمة أن من بين المختفين، عُثر على 81 شخصاً مقتولين، بينما لا يزال 154 شخصاً في عداد المفقودين. كما كشفت الحوادث الأخيرة عن وجود "بيت المرآة"، مما أعاد للأذهان قضايا الأشخاص الذين اختفوا لسنوات.
التقارير الاستقصائية التي نشرتها "Netra News" السويدية لاقت اهتمامًا واسعًا؛ حيث قدمت ادعاءات بأن المختفين قد تم احتجازهم وتعذيبهم في سجن سري يُعرف باسم "أيناغار". تضمنت هذه التقارير شهادات من محتجزين سابقين وصفوا الظروف القاسية داخل "بيت المرايا"، وتم نشر صور يُزعم أنها التقطت من داخل السجن بواسطة ضباط عسكريين سابقين.
وقد جهت منظمات دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" انتقادات حادة للحكومة البنغلاديشية بشأن الاختفاءات القسرية والتعذيب في "بيت المرآة"، مطالبة بإجراء تحقيقات مستقلة في هذه الجرائم. تزامن تقرير "Netra News" مع زيارة ميشيل باشيليت، رئيسة قسم حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لدكا، حيث دعت إلى تحقيق محايد في هذه الاختفاءات.
بعد سقوط حكومة الشيخة حسينة وفرارها خارج البلاد في 5 أغسطس/آب 2024، ازداد الحديث عن "بيت المرايا" بشكل كبير. إذ بدأت أسر المفقودين، الذين يُعتقد أنهم كانوا محتجزين هناك، في البحث عن أحبائهم على أمل عودتهم، لكن مصير العديد من هؤلاء المفقودين لا يزال مجهولاً.
"بيت المرايا" كان رمزاً للرعب والقمع الذي مارسته حكومة الشيخة حسينة ضد معارضيها، مما يعكس الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية تحت غطاء السرية، والتي ربما تظل تفاصيلها مجهولة حتى مع مرور الزمن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.