شكلت لحظة اغتيال هنية في فجر الواحد والثلاثين من يوليو الماضي بمثابة هزة عنيفة ولحظة فارقة في شكل ومستقبل المنطقة، وخصوصًا بأن الاغتيال يأتي بعد ١٢ ساعة فقط من اغتيال فؤاد شكر، المساعد الأقرب للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. بعد غارة نفذتها مسيرة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية، في العاصمة اللبنانية بيروت، وأعلن الجيش الإسرائيلي، مسؤوليته عنها.
لذا فقد كانت العملية بمثابة صب المزيد من النار على الزيت، بل ويمكن اعتبار اغتيال هنية بمثابة الاستعراض القوي لإسرائيل ومدى قدرتها على الوصول إلى أي مكان في المنطقة، حتى وإن كانت شديدة التحصين، مثل مكان استقبال الضيوف في إيران.
بل وتفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بمدى قدرة الجيش الإسرائيلي وكفاءة استخباراته وقدرة الجيش على الوصول لأي شخصية مهما كانت فقد قال يوم الاثنين الخامس من أغسطس الحالي في إحدى المؤتمرات الصحفية: "يدنا طويلة تصل لليمن وبيروت.. وقادرة على الوصول لأي مكان".
إذن في رأيي فإن اغتيال هنية لم يكن اغتيالًا بغرض إضعاف حركة حماس وإنما كان هدفه استعراض العضلات وإحراج إيران وإذلالها، ليس فقط لأن هنية كان ضيف إيران الذي جاء بمناسبة تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، بل لأن الاغتيال كان نتاجًا عن عملية اختراق استخباراتية في العمق الأمني الإيراني.
عملية الاغتيال هذه والعنجهية الإسرائيلية والتفاخر الإسرائيلي بالقدرات العسكرية إنما هي بمثابة ردع جديد تحاول إسرائيل فرضه وتهديد شديد اللهجة لجميع الأذرع الإيرانية وعلى رأسها حزب الله.
هذه الإهانة التي تعرضت لها إيران بسبب اغتيال هنية في عقر الدار الإيراني أثارت غضب القادة الإيرانيين فقد توعّد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بالقول: "واجبٌ علينا الرد لأن هنية ضيفنا"، فيما صرح رئيس هيئة الأركان الإيراني، محمد باقري أنّ طهران تدرس مع الفصائل الموالية لها طريقة الرد على إسرائيل، وأن "إسرائيل ستندم على ما فعلته".
بل ورفضت إيران الجهود الأمريكية والعربية لتخفيف ردها على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية بطهران، وفق تقرير ورد في صحيفة "وول ستريت جورنال". وهذا الرفض إنما يشير بأن الرد الإيراني سيكون أكثر قوة مقارنة بردة فعل إيران بعد قصف قنصليتها في سوريا في أبريل الماضي.
وهذا يفتح الباب بشكل رئيسي على السؤال الأهم الذي يحاول الكثيرون الإجابة عليه وهو: هل سيكون اغتيال هنية سببًا في بدء حرب إقليمية كبرى في المنطقة؟
في رأيي الشخصي أن الذي يقوم بقصف واغتيال شخصيتين كبيرتين واحدة في حزب الله وواحدة في قلب طهران، لا يبحث عن أي حل ولا يفكر في إنهاء الأزمة. وبطبيعة الحال وبعد ١٠ شهور من المعارك الضارية والمذبحة التي يقتل بسببها عشرات المدنيين يوميًا من أهل غزة، لا يتوقّع بأن حماس ستقوم بتقديم تنازلات أو الاستسلام بسبب مقتل هنية. بشكل آخر فإن العملية لا تهدف إلى إجبار حماس على الاستسلام وإنهاء الحرب.
إلا أن قرار بدء حرب إقليمية في المنطقة لا يتعلق بإسرائيل فقط وعلى الرغم من كل التصعيد الذي تقوم به، ولكن أيضًا متعلق بإيران بدرجة رئيسية ثم حزب الله بدرجة أخرى. ولو أخذنا بعين الاعتبار التنسيق العالي بين حزب الله وإيران، فلا يُتوقع بأن حزب الله سيبدأ حرب إقليمية إلا بموافقة ضمنية أو علنية من إيران.
لذا فإن السؤال الأكثر دقة هو: هل سيكون الرد الإيراني سببًا في بداية حرب إقليمية في المنطقة؟ ولمعرفة طبيعة الرد الإيراني يجب أخذ في الاعتبار نقطتين مهمتين: الأولى طبيعة النظام السياسي الإيراني وأفكاره ومدى قدرة إيران على الدخول في حرب إقليمية في الوقت الحالي.
فالرئيس الإيراني الجديد بزشكيان لم يتبن فكرة "تدمير إسرائيل" التي لا تحظى بشعبية لدى الإيرانيين فيما يخص أولويات السياسة الخارجية الإيرانية.
فقد انتخب مسعود بزشكيان من أجل "حماية إيران من الفوضى"، كما عبر عن دعمه للحوار مع الغرب" على أمل رفع العقوبات الأمريكية عن بلاده. وتفاقم هذه العقوبات أزمة اقتصادية عميقة في إيران زادت شدتها مع الارتفاع الكبير في نسب التضخم والبطالة.
ومع ذلك فإن في رأيي فإن القرار في دولة إيران يقوده المرشد الإيراني خامنئي أكثر من الرئيس نفسه، ومن ناحية أخرى فإن الظروف تغيرت، ولا شك بأن حتى أكثر رئيس قد يرغب في مصالحة الغرب ستكون له ردة فعل اتجاه عملية الاغتيال الأخيرة لأنها بمثابة الإهانة الكبرى لإيران.
أما الأمر الآخر المؤثر في القرار الإيراني عند اتخاذ قرار بدء الحرب الإقليمية هو مدى قدرة إيران على الدخول في حرب إقليمية كبرى. وعند النظر إلى تاريخ الصراع الإسرائيلي الإيراني، واغتيال الكثير من القادة الإيرانيين سواء كانوا عسكريين أو علماء نوويين وغيرهم سنرى بأن إيران اكتفت بردود متواضعة حينًا وأقل من المنتظر حينًا آخر.
وفوز الإصلاحيين في الانتخابات الإيرانية الأخيرة إنما يُثبت بأن المزاج الشعبي الإيراني بعيد عن الدخول في معركة كبرى في الوقت الحالي، كما أن الأحوال الاقتصادية تعزز هذه الرؤية الشعبية للأوضاع.
أما من الناحية العسكرية فبينما أمريكا تهدد إيران بثمن باهظ وتحشد قواتها وأسطولها البحري نرى أن إيران تقف وحيدة بشكل شبه كامل. فعلى الرغم من اللقاءات الروسية الإيرانية إلا أن الدعم الروسي -مهما كان حجمه-، فلن يكون بمثابة الدعم الأمريكي لإسرائيل.
في رأيي الشخصي من الواضح بأن الرد الإيراني هذه المرة سيكون أكبر من المرة السابقة -هجمات أبريل الماضية-، ولكن لا أعتقد بأن هذه الهجمات ستكون سببًا في بداية حرب إقليمية. لأن إيران لو كانت تريد أن تدخل في حرب إقليمية كبرى لفعلت عندما كان جنرالاتها يتساقطون قتلى واحدًا بعد الآخر.
لذا لو عدنا للإجابة عن سؤال هل سيكون اغتيال هنية سببًا في بدء حرب إقليمية في المنطقة، فإن الإجابة ستكون لا. وعلى الرغم من كل هذا ففي الحروب يتغير كل شيء بسرعة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.