لم تمر سوى بضعة أيام فقط على اغتيال الزعيم الفلسطيني إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران على يد العدو الإسرائيلي، رحل الرجل تاركًا وراءه أمانة ثقيلة وعبئًا كبيرًا.
وكان لزامًا على قيادة حركة المقاومة الإسلامية بأجهزتها المختلفة أن تعمل على اختيار خليفة لها قادرًا على حمل هذه الأمانة.
هنية الذي قاد حركة حماس لسبع سنوات وقبلها في قطاع غزة وتولى قبل ذلك رئاسة الحكومة الفلسطينية المنتخبة الوحيدة ربما في تاريخ الشعب الفلسطيني.
وفي ظل الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والتي بالطبع لا تخفى على أحد في هذا العالم، اختارت الحركة يحيى السنوار رئيسًا جديدًا خلفًا للشهيد إسماعيل هنية. جاء هذا القرار ليؤكد على وحدة الحركة وتماسكها وأيضًا إدراكها للمخاطر التي تواجهها، ويؤكد أيضًا أن سياسة الاغتيالات التي يمارسها جيش العدو ضد المقاومة وقادتها لن تنجح في كسر شوكتها أو إضعافها، بل إن المقاومة تختار قائدًا لها يخوض المعركة بشكل مباشر في مواجهة الاحتلال وداعميه.
ما هي التحديات الجديدة أمام حركة حماس بعد قيادة السنوار؟
لا شك أن وجود السنوار في ساحة المعركة وعلى رأس القرار العسكري في الميدان والسياسي أيضًا له دلالات واضحة. فعلى صعيد خيارات حماس، فإن السنوار لمن لا يعرفه قد تدرج في مواقع الحركة القيادية مبكرًا منذ أن كان طالبًا في الجامعة، حيث كان عضوًا بالهيئة الإدارية لمجلس طلاب الجامعة ثم رئيسًا له.
من بعدها عمل عام 1985 وبإشراف من الشيخ المؤسس أحمد ياسين على تأسيس جهاز أمن للحركة (جهاز مجد) الذي عُرف بهذا الاسم آنذاك، حيث كان له دور كبير في مواجهة العملاء وكشفهم. بعد ذلك قضى السنوار في السجون الإسرائيلية 22 عامًا ليخرج بعدها ويعمل في صفوف حركة حماس وصولا لقيادته قطاع غزة.
تولى الرجل إذًا مناصب عدة داخل هذه الحركة، مناصب تنظيمية ذات طابع سياسي وعسكري أيضًا. فهو أثناء تواجده في موقعه بقطاع غزة كان يقوم بعمل تنظيمي له وجه سياسي وأيضًا وجه قتالي مقاوم.
تقلبه في هذه المواقع المختلفة أظن أنه جعله في نظر باقي قادة الحركة مؤهلاً لقيادتها في هذا الظرف العصيب. فالحركة تواجه العدو في معركة قاسية هي الأكبر في تاريخ الشعب الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية منذ الاحتلال عام 1948، وبرغم كل معاناة شعبها ورغم الإرهاب الذي يمارسه الاحتلال والمجازر اليومية التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني حتى وصل عدد الشهداء والجرحى إلى 200 ألف شهيد وجريح ومصاب منذ العدوان على القطاع.
إلا أن هذه الحركة لا تزال صامدة في الميدان وفي السياسة أيضًا من أجل تحرير الأرض والمقدسات وعودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه وإعادة إعمار القطاع.
ما الرسالة التي توجهها حماس باختيار رئيس مكتبها السياسي وفي نفس الوقت شخصية تقود الحرب عملياً في الميدان؟
أظن أن اختيار السنوار رسالة إلى من يعنيه الأمر تحمل ثلاث مضامين:
الأول: أن حركة المقاومة وهي تخوض هذه المعركة لا تزال تستحضر دورها الأساسي على الصعيد الوطني الفلسطيني، وأن هذه المعركة هي ليست مجرد قتال بل هي معركة في مسار التحرر من الاحتلال وإنهائه.
ثانيًا: أن الحركة رغم كل الظروف القاسية التي قد تحيط بها إلا أنها قادرة على اختيار قائد لها يستطيع أن يمارس دور القيادة مهما كان وضعه ومهما كانت الظروف التي تحيط به.
ثالثًا: وهو الأهم أن الحركة ستبقى تحافظ على برنامج المقاومة سبيلاً من أجل استعادة الحقوق وأن ظن البعض أن ما يفعله الاحتلال من جريمة إبادة جماعية في غزة، وما يفعله من جرائم قتل وإرهاب في الضفة الغربية يمكن أن يثني حماس عن برنامجها فهو واهم.
اختيار السنوار بالإجماع كما صرحت الحركة يؤكد أنها تدرك تمامًا طبيعة المعركة التي تخوض وطبيعة التحدي الذي يقع ولسان حالها يقول للجميع أننا وبرغم كل التحديات ماضون في طريقنا ومتمسكون بما عملنا عليه مع الشهيد القائد إسماعيل هنية ومن سبقه من القادة الشهداء.
كيف سينعكس اختيار السنوار على مسألة التفاوض؟
في السابق كان التفاوض يدار بقرارات القيادة والسنوار لم يكن بعيدًا عن كل عمليات التفاوض كما صرحت قيادات الحركة بذلك، بل كان حاضرًا في تفاصيلها كقائد للحركة في قطاع غزة، ولذلك ستستمر عملية التفاوض.
وأريد أن أقول أن المعضلة في التفاوض ليس التغيير الذي جرى في حركة حماس، ولكن المشكلة في الجانب الإسرائيلي ونتنياهو وأيضًا لدى الجانب الأمريكي الذي لم يكن صادقًا لا في وساطته ولا في شراكته في محاولة الدفع في وقف إطلاق النار.
إذًا تكمن المشكلة هناك، لذلك السؤال المطروح الآن ما الذي سيفعله هؤلاء بعد وقوع الاختيار داخل حماس على السنوار رئيسًا لها بما يعني استمرار مسار السياسة إلى جانب المقاومة.
ولذلك يدرك هؤلاء ومن خلال 22 عامًا قضاها القائد الجديد في السجون الإسرائيلية أن هذا الرجل يتمتع بقدر عال من الصلابة والثبات على مبادئه وبذات القدر من المرونة في إدارة الشؤون العامة وبما يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني.
ما الذي يضيفه انتخاب السنوار رئيسًا لحركة حماس؟
إن الرسالة الأولى التي تريد حماس إيصالها لإسرائيل، هي أنكم إذا كنتم تظنون بقتلكم القائد هنية ستكسرون إرادة الحركة فإن الذي سيتولى قيادتها اليوم هو الذي يحمل أمانة قتالكم ومواجهتكم على مدى أكثر من 307 يوم وحتى هذه اللحظة، ولا يزال صامدًا في الميدان بين جنوده وشعبه.
الأمر الآخر: على الجانب الإسرائيلي أن يُعيد النظر كثيرًا وهو يتحدث عن مسألة التفاوض، لأن الأساس الذي انطلق منه التفاوض هو منطق وقف العدوان على القطاع والذهاب بعد ذلك لتبادل الأسرى، فيما حاول الجانب الإسرائيلي دائمًا أن يستعيد أسراه بلا ثمن بل ويواصل قتل المدنيين الأبرياء في عملية إبادة جماعية أمام أعين العالم، فمن المبكر أصلاً الحديث عما ستؤول إليه عملية التفاوض في ظل تمسك الحركة بوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة وإنهاء الحصار ومن ثم يأتي دور التبادل، وهذا أيضًا نفس المسار الذي جاء عليه السنوار أو بالأحرى كان ضمن من صاغوه.
تعريجًا على ما سبق وردًا على من نادوا بالعودة إلى المفاوضات عقب اغتيال إسماعيل هنية، هم نفس الدول التي لم يدن بعضها اغتياله، وما كان مناداتهم بعودة المفاوضات إلا على قاعدة الخوف من اتساع رقعة الحرب، خاصة بعد إعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها سترد على اغتيال هنية لأنه انتهاك واضح لسيادة دولتها، أيضاً وفي نفس السياق إعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أنهم سيردون في الزمان والمكان المناسب على اغتيال قائدهم العسكري فؤاد شكر.
يبدو أن الأيام القادمة ستحمل الكثير من المفاجآت فيما يخص الشرق الأوسط، وكل ذلك بسبب عنجهية وإجرام الاحتلال الإسرائيلي وإمعانه في المجازر بحق الشعب الفلسطيني دون رادع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.