إنه الصحابي سعد بن عبادة الساعدي الخزرجي الأنصاري (رضي الله عنه)، ويكنى أبو ثابت، وقيل أبو قيس. من أكرم بيوت العرب وأعرقها نسبًا، وهو زعيم الخزرج قبل الإسلام. صحابي أسلم مبكراً، وشهد بيعة العقبة، وحضر بيعة العقبة الثانية مع سبعين رجلاً وامرأتين من الأنصار، وكان أحد النقباء الإثني عشر. وعاش إلى جوار الرسول ﷺ، واشتهر بالكرم والجود هو وابنه قيس بن سعد بن عبادة الساعدي.
ورغم أن سعدًا (رضي الله عنه) كان سيد قومه، لم تمنعه تلك السيادة من أن ينال قسطًا من تعذيب قريش، وذلك أنه بعد أن تمت بيعة العقبة الثانية، وأخذ الأنصار يستعدون للسفر والرجوع إلى المدينة، علمت قريش بمبايعتهم للنبي ﷺ واتفاقهم معه على الهجرة إلى المدينة ليناصروه ضد قوى قريش، فجن جنونهم، وطاردوا المسلمين، حتى أدركوا منهم سعد بن عبادة، فأخذه المشركون، وربطوا يديه إلى عنقه، وعادوا به إلى مكة حيث التفوا حوله يضربونه وينزلون به أشد العذاب.
يقول سعد (رضي الله عنه): فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع عليَّ نفر من قريش فيهم رجل وضئ أبيض شعشاع من الرجال (يقصد سهيل بن عمرو)، فقلت في نفسي: إن يكُ عند أحد من القوم خير، فعند هذا، فلما اقترب مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة، فقلت في نفسي: لا والله، ما عندهم بعد هذا من خير، فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى إلى رجل ممن كان معهم فقال: ويحك، أما بينك وبين أحد من قريش جوار؟ قلت: بلى، كنت أُجير لجبير بن مطعم تجارة، وأمنعهم ممن يريد ظلمهم ببلادي، وكنت أجير للحارث بن حرب بن أمية. فقال الرجل: فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما من جوار، ففعلت.
وخرج الرجل إليهما، فوجدهما في الكعبة، فأخبرهما أن رجلاً من الخزرج يضرب بالأبطح، وهو يهتف باسميهما أن بينه وبينهما جواراً، فسألاه عن اسمي، فقال: سعد بن عبادة، فقالا: صدق والله، وجاءا فخلصاني من أيديهم.
وعندما هاجر الرسول ﷺ وأصحابه إلى المدينة استقبلهم سعد خير استقبال، وسخر ماله لخدمتهم، وعرف سعد بالجود والكرم، وبلغت شهرته في ذلك الآفاق، وكان دائمًا يسأل الله المزيد من رزقه وخيره، فيقول: اللهم هب لي مجداً، لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم إنه لا يصلحني القليل، ولا أصلُح عليه.
وكان الرجل من الأنصار يستضيف واحدًا أو اثنين أو ثلاثة بينما هو يستضيف ثمانين، وكان مناديه يصعد أعلى داره وينادي: من كان يريد شحمًا ولحمًا فليأت. وقد دعا له النبي ﷺ فقال: (اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة). [سنن أبي داوود 5185]
وكان سعد يجيد الرمي، وكانت له فدائية وشجاعة فائقة، قال عنها ابن عباس (رضي الله عنهما): كان لرسول الله ﷺ في المواطن كلها رايتان؛ مع علي راية المهاجرين، ومع سعد بن عبادة (رضي الله عنه) راية الأنصار. [عبد الرزاق وأحمد].
ووقف سعد بن عبادة (رضي الله عنه) موقفًا شجاعًا في بدر، حينما طلب النبي ﷺ مشورة الأنصار، فقام سعد (رضي الله عنه) مشجعًا على القتال، فقال: يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. [أحمد ومسلم].
وفي غزوة الخندق تجمعت القبائل الكافرة ضد الإسلام وحاصرت المدينة، وعرضت قبيلة غطفان على النبي ﷺ أن ينسحبوا من جيش الأحزاب، ولا يقفوا مع الكفار، في مقابل أن يأخذوا ثلث ثمار المدينة، فشاور الرسول ﷺ كلاً من سعد بن عبادة وسعد بن معاذ (رضي الله عنه) في هذا الأمر، فقال سعد بن عبادة (رضي الله عنه): يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به، ولابد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ فقال رسول الله ﷺ: (إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة). فقال سعد بن معاذ (رضي الله عنه): والله يا رسول الله، ما طمعوا بذلك منا قط في الجاهلية، فكيف اليوم؟ وقد هدانا الله بك وأكرمنا وأعزنا، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله ﷺ: (فأنت وذاك). [ابن هشام].
وبعد وفاة النبي ﷺ اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، والتفوا حول سعد بن عبادة (رضي الله عنه) منادين بأن يكون خليفة رسول الله ﷺ من الأنصار، ولكن عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح (رضي الله عنهما) رأيا أن أبا بكر أحق بالخلافة بعد رسول الله ﷺ، فوافق المسلمون على رأيهما، وبايع سعد أبا بكر (رضي الله عنه) بالخلافة، وتوفي سعد في خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وذلك سنة 15ه، وقيل سنة 14ه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.