خلال خطابه في المؤتمر الوطني الجمهوري لعام 2024، قدم دونالد ترامب رؤيته لسياسة الهجرة في حال عودته للرئاسة. أعاد الرئيس السابق التأكيد على نهج متشدد، مستحضرًا الإجراءات التي كانت مثار جدل خلال ولايته الأولى. وفي ظل سعي الحزب الجمهوري لاسترداد البيت الأبيض، باتت منصة ترامب الخاصة بالهجرة ركيزة أساسية لاستراتيجية حملته.
أحد المكونات الأساسية في خطة دونالد ترامب للهجرة هو استكمال بناء الجدار الحدودي، الذي يزعم أنه سيخفض بشكل كبير من عمليات العبور غير القانونية والجرائم المرتبطة بها. فخلال خطابه، وصف ترامب الوضع على الحدود الجنوبية بأنه "غزو هائل"، مربطًا إياه بمشاكل اجتماعية متعددة مثل الفقر والمرض وتجارة المخدرات. ومع ذلك، أظهرت التحقيقات أن معدلات الجريمة قد انخفضت عمومًا خلال السنوات الأخيرة، ما يشكك في الادعاءات التي قدمها ترامب حول تأثير الهجرة على الأمن العام.
ويقترح البرنامج الجمهوري في عهد ترامب أكبر عملية ترحيل في التاريخ الأمريكي، مع التركيز على إزالة المهاجرين غير الشرعيين، وخاصة أولئك الذين لديهم خلفيات إجرامية. ويشمل ذلك إعادة السياسات التي كانت سارية خلال إدارته، مثل حظر السفر والعقوبات الأكثر صرامة على الدخول غير القانوني. كما أيد وكرر جيه دي فانس، المرشح المحتمل لمنصب نائب الرئيس مع ترامب، هذه النقطة، داعياً إلى ترحيل الأفراد الذين خرقوا قوانين الهجرة.
تسعى خطة ترامب للهجرة أيضاً إلى الحد بشكل كبير من الهجرة القانونية، من خلال تقليل وصول المهاجرين المحتملين على أساس الأيديولوجية والثروة والصحة وبلد المنشأ. وتتضمن الخطة زيادة الفحص الأيديولوجي لرفض الأشخاص المشتبه في اعتناقهم آراء شيوعية أو ماركسية، فضلا عن توسيع مفهوم "حظر المسلمين" لمنع دخول المزيد من الأفراد من بلدان محددة.
وفي تحول ملحوظ، تعهد ترامب بمنع دخول اللاجئين من غزة، وتنفيذ "فحص أيديولوجي" لجميع المهاجرين، وذكر أن أي شخص يتعاطف مع حماس أو الجماعات الإسلامية، سيتم استبعاده من دخول الولايات المتحدة. ويذكرنا هذا الخطاب بسياساته السابقة التي أثارت انتقادات واسعة النطاق لكونها تمييزية وكراهية للأجانب، كما يمثل تركيز ترامب على استبعاد الأفراد بناء على معتقداتهم الأيديولوجية توسعاً كبيراً في موقفه المتشدد والعنصري بشأن الهجرة.
بالإضافة إلى ذلك، يهدف ترامب إلى إنهاء حق الحصول على الجنسية عند الولادة لأطفال المهاجرين غير المسجلين، مما يجعل من الصعب عليهم الحصول على وضع قانوني. كما يعتزم إحياء سياسة "البقاء في المكسيك"، التي تتطلب من طالبي اللجوء الانتظار في المكسيك خلال أثناء معالجة طلباتهم، واستعادة استخدام الباب 42 لطرد المهاجرين لأسباب تتعلق بالصحة العامة.
ويركز جزء كبير من خطاب ترامب على انتقاد سياسات الهجرة التي انتهجها الرئيس بايدن، مدعيا أنها أدت إلى زيادة حالات العبور غير القانوني وانخفاض ملحوظ في الأمن القومي. ويتماشى هذا الخطاب مع استراتيجية الحزب الجمهوري الأوسع لتصوير الديمقراطيين على أنهم غير فعالين في قضايا كثيرة منها الهجرة، بهدف التأثير على الناخبين المترددين قبل الانتخابات.
فقد اتهم ترامب إدارة بايدن بأنها "متساهلة" بشأن الهجرة وتعهد باتخاذ موقف أكثر صرامة إذا تم انتخابه، كما انتقد قرار الرئيس بإنهاء حظر السفر وإعادة العمل ببرنامج العمل المؤجل للقادمين في مرحلة الطفولة (DACA)، الذي يوفر حماية مؤقتة من الترحيل لبعض المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة كأطفال.
خلال المؤتمر، حاول ترامب وغيره من المتحدثين ربط الهجرة بارتفاع معدلات الجريمة، على الرغم من الأدلة التي تشير إلى أن المهاجرين أقل عرضة لارتكاب الجرائم من المواطنين المولودين في الولايات المتحدة. وتهدف هذه البروباغندا إلى أن يتردد صداها لدى الناخبين المهتمين بالسلامة والأمن، حتى في الوقت الذي تشير فيه الدراسات إلى أن مثل هذه الادعاءات لا أساس لها إلى حد كبير.
وتشمل مقترحات ترامب الترحيل العدواني للأجانب المقيمين الذين لديهم تعاطف مع الذين يطلق عليهم ترامب "الجهاديين"، وإرسال وكلاء الهجرة إلى "التظاهرات" المؤيدة للجهاديين لتحديد المخالفين. وأوضح أنه تحت إدارته، لن تسمح الولايات المتحدة بعد الآن لمن تحددهم نظرة ترامب العنصرية بأنهم "خطيرين، وحاقدين، ومتعصبين، ومهووسين" بالحصول على الإقامة. ولا يستهدف هذا الخطاب المهاجرين غير المسجلين فحسب، بل يثير أيضًا المخاوف بشأن الآثار الأوسع نطاقًا على الحريات المدنية، ومعاملة المجتمعات المسلمة في الولايات المتحدة.
إن هذا النهج العنصري في سياسات الهجرة التي ينتهجها ترامب إذا تم تنفيذه، فقد يكون لها عواقب وخيمة على مجتمعات المهاجرين في الولايات المتحدة. إذ يمكن أن تؤدي جهود الترحيل المقترحة وإجراءات الإنفاذ الأكثر صرامة، إلى فصل العائلات وزيادة الخوف والقلق بين المهاجرين غير الشرعيين، والإحجام عن التعامل مع المؤسسات الحكومية خوفا من استهدافهم. علاوة على ذلك، فإن التركيز على نظام قائم على الجدارة، يمكن أن يجعل من الصعب على العمال ذوي المهارات المنخفضة وأفراد أسر المواطنين الأمريكيين الحصول على وضع قانوني، مما قد يؤدي إلى تفاقم نقص العمالة في بعض الصناعات، وتعطيل حياة الملايين من الأفراد الذين جعلوا الولايات المتحدة وطنهم.
مع اقتراب انتخابات عام 2024، من المرجح أن يظل النقاش حول سياسة الهجرة محورا رئيسياً للحملة، وسيتعين على الناخبين الموازنة بين الفوائد والعيوب المحتملة لنهج ترامب المتشدد وسياسات المرشحين الآخرين، مع مراعاة الآثار الأوسع نطاقاً على قيم البلاد واقتصادها ونسيجها الاجتماعي. ويعكس الاستبعاد المقترح لللاجئين من غزة وتوسيع نطاق حظر المسلمين، اتجاها مستمرا من معاداة المهاجرين، والإقصاء الذي يمكن أن يعيد تشكيل مشهد الهجرة في أمريكا لسنوات قادمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.