أعذارنا الكاذبة أمام غزة!

عربي بوست
تم النشر: 2024/08/03 الساعة 11:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/08/03 الساعة 11:09 بتوقيت غرينتش

الحرب عامةٌ والمعاناة خاصة

كاذبةٌ أعذارنا أمام ما يصنعهُ ذلك الشعب في وسط المعاناة، بل عليّ أن أنتقي المفردات بشكلٍ أدق، لذلك سأُغيّرُ الكلمات وأقول: في وسط الحرب، فالحرب أعمُّ وأشمل من المعاناة.

المعاناة تأتي لوصفِ ألمٍ واحد كالمرض مثلاً، ولكن الحرب أشمل، فيها العديد من المعاناة، هي أَشَدُّ ابتلاء على النفس البشرية، تجمعُ كلَّ المعاني التي تصب في عنوانٍ واحد: الألم.

كيف تكون الحرب لفظاً يُشيرُ إلى العموم، والله يقول: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ.

لا مستحيل في غزة

وعلى الرغم من هذا الأسى الكثيف إلا أن همة الشعب للوصول إلى النجاح بها شيءٌ من الربيع، فصوت الزنانة لم يمنع الكتّاب أن يُحَوِّلوا الأحداث إلى روايةٍ ليشهد عليها التاريخ إن أنكر البشر الحقيقة، فالأوراق بدت أكثرُ مصداقية من الإنسان حينما يطغى ويختم الله على قلبه، فيُصفق لمجرمي الحرب، حتى التصفيق بات وجهاً آخر للجريمة، وينجو منه من بضميره نطفة من النور.

والحُطام في غزة يتحول إلى رسومات تكشف مدى القهر في الصدور، فما حيلة المقهور إلا دعاء وقلم وريشة فنان، حتى الكتب التي شهدت سهر الليالي لم تذهب سدى، فكم غزيّ ناقش رسالة الماجستير أو الدكتوراه فوق ركام بيته، وهذه هوايات يكسبها الإِنسان من ربه، تأتيه على شكل نعم لتواسيه في وقت النقم.

وماذا عن الخيام التي تزينت بتراتيل الرحمن رغم رائحة الموت التي تلازمها، فالشمال الذي يتخبطه الجوع ما زال شبابه وفتيانه يسردون القرآن، فهو سبيلهم للعثور على حياة بعدما سُلِبَت كل أشكالها، هم يكبرون بروحهم لا بالطعام.

وكل يوم تتفاءل الأنامل بأن تكتب داخل مكتب هادئ، وأن ترسم البحر وهو نديٌ بهيٌ يسرد لزائريه كيف أخفى ملوحته إلا أن يعود أبناء غزة، كلُّ يوم يسبق حنين العلم أصحابه إلى الكتب إلا أن الحرب تعود إلى شراستها وحدتها وتزداد دماؤها وكأنها الملحمة الأولى في الأرض وبالكاد هي ليست الأخيرة.

هذه الحرب كشفت من هم الملهمون الحقيقيون، من يجب أن يكونوا في المقدمة في كل شيء. حقاً، أعذارنا كاذبة وتذمرنا لنصل إلى ما نريد هو شيءٌ ساذج أمام ما يصنعه ذلك الشعب المنسي الصامد، نحن نقف عند أولِ عثرة ونقول: تعبنا، وهم بعد كل عثرة يزدادون توهجاً، ويحولون الممكن إلى مستحيل، والمستحيل إلى أسطورة.

ولكن، من الناجي الحقيقي..! 

غزة ليست شعباً بل أمة حملت على عاتقها الكثير، ضحّوا لننجو ولكن من الناجي الحقيقي..!

هذا ما سَنعرفه يوم القيامة، وإن كان شأن الدماء أمراً عادياً، فما طبيعة الشرور التي ستقع في الأرض وتشهد عليها السماء في الحياة القادمة..!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ضحى المصري
كاتبة أردنية
تحميل المزيد