اغتيال إسماعيل هنية.. هل هي الحرب المفتوحة أم طريق الخلاص؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/08/01 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/08/01 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية / رويترز

في 12 ساعة، تقدم إسرائيل على ما لم تقم به من 10 أشهر من الحرب، بل منذ سنوات عديدة. في العاصمة بيروت، وفي مربع حزب الله الأمني والذي يعج بالسكان، في الوقت نفسه يتم اغتيال ما عرف بأنه الرجل رقم 2 في حزب الله في عملية دقيقة للغاية. وقبل الانتهاء من محاولة فك شيفرة هذا الاغتيال وتحليل أسبابه وأبعاده ومآلاته، إذا بالمحور يتعرض لضربة أكبر وأقسى وفي مكان أكثر أهمية ورمزية. اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في عمق طهران بعد أن كان يتجول بأريحية تامة ويقابل الصحافيين.

على صعيد حركة حماس: خبرت حركة حماس اغتيال قيادييها دون أن تتأثر استراتيجياً وهو ما يتوقع أن يتكرر اليوم، فتتابع الحركة مسارها دون تأثر كبير بهذا الاغتيال.

على الصعيد السياسي فإن اغتيال هنية في طهران يرمي الكرة في ملعب محور المقاومة أكثر مما هو في ملعب حركة حماس وحدها، فحماس منغمسة بشكل تام في الحرب وإمكانية التصعيد الإضافي بالنسبة لها ضئيلة إلا إذا استطاعت أن ترفع منسوب التصعيد الفلسطيني خارج غزة.

على الرغم من أن اغتيال هنية يفتح الباب للسؤال حول أثر ذلك على المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل، وهل تصعد حماس بإيقافها المفاوضات مع ما يشكله ذلك من ضغط عليها، إلا أن عملية الاغتيال في طهران تضع الاغتيال في وعاء أكبر وتجعل التفكير في الأمر مشاركة مع إيران كونها المعني الأول، وبالتالي تخفيف الحمل عن قيادة حماس في عملية اتخاذ القرارات المصيرية.

اغتيال إسماعيل هنية
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية / رويترز

على صعيد الغرب وإسرائيل: من الواضح أن الغرب بما يمثله من مسميات مختلفة كالولايات المتحدة وتوابعها، أو المجتمع الدولي وإسرائيل، فإن الأحداث الأخيرة تؤكد المؤكد بأنه لا يستطيع ثني إسرائيل عما تريده وكل ما يمكن أن يصل إليه هو تخفيف المستوى بعض الشيء، وهذا إن أخذنا بعين الاعتبار حسن الظن، وإلا فالأقرب هو المشاركة الاستخبارية والتمويهية في العمليتين الأخيرتين كما سواهما مع ضوء أخضر استحصل عليه نتنياهو في واشنطن.

إسرائيل تلعب لعبة حافة الهاوية، فهي تدرك من الوسطاء أن محور المقاومة لا يريد حربًا مفتوحة، لذلك يذهب هو أبعد مما تسمح به اللعبة على اعتبار أن الرد سيكون مضبوطًا منعًا لانفلات العقد.

فإسرائيل المتعطشة لضرب إيران وأذرعها تدرس الحرب المفتوحة بدقة، وإن أبدت بضرباتها اندفاعة تامة لها، ولكن ما تريده على أقل تقدير هو أخذ أكبر مكسب ممكن على أطول فترة ممكنة ما يخدمها بنظرها ويخدم رئيس حكومتها بشكل خاص على ألا تكون هي المبادرة في فتح جبهة شاملة؛ وبالتالي في حال حصل الأمر يمكن لها أن تقدم للولايات المتحدة حجة لتلقي الدعم السخي بأنها ليست من بدأت الحرب الشاملة، بل إيران، فتكون إسرائيل بذلك أكثر استعدادًا لحرب شاملة.

هذه الاغتيالات، وإن أظهرت عنجهية إسرائيلية، إلا أنها أكدت ضعفها في الميدان الرئيس، فهي عندما فشلت في غزة حاولت تحقيق انتصارات في مجتمعات مفتوحة عبر ضرب شخصيات سياسية وعسكرية تستعرض فيها قوتها، ولكن تؤكد فشل عمليتها الأهم؛ فهي حتى اليوم لم تستطع الوصول إلى السنوار، وأكدت كذلك على هدفها الأم وتحولت معها الاستراتيجية إلى ضرب المواطن الفلسطيني، لا حماس، كاستراتيجية تهجيرية أوسع مع فشلها في ضرب قيادة القسام في غزة وصمود الأخيرة بشكل فاق التوقعات وأحرج الإسرائيلي.

هذه الضربات ذات البعد الأمني تحاول إسرائيل تقديمها لمجتمعها لاستعادة الهيبة الأمنية في المقام الأول التي فقدتها في 7 أكتوبر.

يضعف المجتمع الدولي يوميًا ويؤكد للجميع تبعيته لإسرائيل، فيتراجع معه دوره الوسيط وتأثيره العالمي، ويضعف بالتالي قوته الناعمة ويراكم الأعداء عليه وعلى إسرائيل، وهو ما لا يعي بأنه قد يصل به وبإسرائيل إلى انفجارات لا يتوقعها أحد إن لم يتم إيقاف الحرب.

على الصعيد الإيراني: تلقت صورة إيران بالاغتيالين هزة قوية. فاغتيال هنية في طهران والرجل الثاني لحزب الله في عاصمة إيران الثانية، بيروت، ومربعها فيها يعتبر ضربة أمنية استخبارية يصعب تحملها.

إيران وأذرعها اليوم مجبرة على رد عالي السقف لتستعيد فيه ماء وجهها ومعادلات الردع، فمكانة إيران عالمية بقوتها العسكرية والأمان الذي توفره لأهلها، دون أن ننسى أن أي كلام عن تسليم إيران لهذه الشخصيات غريب كون الضربات تعتبر في وجه إيران أكثر مما هي للفصائل المعنية بشكل مباشر؛ فعنوان العمليات هو الفشل الأمني الإيراني، وهو مؤشر خطير على إيران وعلى صورتها كحامي لمحورها وأهله.

اليوم الكرة في ملعب إيران للرد وفي ملعب القوى الدولية، فإما تستطيع أن تنهي الحرب في هذه اللحظة، معتبرة أن بهذه الحالة يكون كل طرف قد حقق شيئًا مما يمكن أن يقدم لشارعه ويرضيه – فإسرائيل فشلت في غزة فحاولت التعويض في الخارج بعمليات نوعية ومحور المقاومة يكفيه ليعلن الانتصار انتهاء الحرب- وإلا فإن المسبحة ستفلت.

إيران ستأخذ بعين الاعتبار صورتها ومكانتها واستعادة شيء من الردع، ولكن أيضًا أهدافها بعيدة المدى بإيقاف الحرب والاستنزاف، لذلك فالحسابات غاية في الدقة والرد حتمي ولكن شكله ومستواه رهن المفاوضات والميدان، دون أن ننسى ضعف القوى الدولية في فرض أي شيء على إسرائيل، وبالتالي تقديم الوعود لإيران.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد فواز
كاتب وباحث سياسي
مهندس مدني، حاصل على ماجستير في العلاقات الدولية
تحميل المزيد