بعد 10 أشهر من الحرب على غزة.. لا صوت يعلو فوق المذبحة

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/30 الساعة 09:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/30 الساعة 09:06 بتوقيت غرينتش
قصف إسرائيلي متواصل على قطاع غزة/رويترز

10 أشهر مرت على العدوان الوحشي الذي اجتاح قطاع غزة، حيث شهدت تلك الأيام والليالي أبشع جرائم الإبادة الجماعية، والتجويع القسري، والتهجير القاسي، وسط دعم أمريكي وغربي غير محدود، وصمت عالمي مخزٍ، وتخاذل عربي مخجل، عاجز عن وقف همجية وجُرم الاحتلال المسلح بأسلحة الفتك الشامل، الذي تمادى في عدوانه مرتكبًا آلاف المجازر، تاركًا خلفه آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين تحت أنقاض أحياء كاملة لم يبقَ منها سوى صور الخراب ومشاهد الدمار ورائحة دماء الأبرياء.

10 أشهر من القصف المتواصل لبقعة جغرافية صغيرة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، تعمد فيها الاحتلال تدمير البنية التحتية والمستشفيات والمؤسسات الصحية والتعليمية والإدارية، وحتى المساجد والكنائس، مستهدفًا الصحفيين ووسائل الإعلام وكل مقومات الحياة بوحشية متسارعة تنم عن فاشية الاحتلال بتحريض من قادته وحاخاماته، بهدف دفع أصحاب الأرض للخروج منها ونفيهم للأبد.

في غزة لا صوت يعلو فوق صوت المذبحة، فالجرائم الإسرائيلية تحدث أمام أعين العالم ولا يحرك ساكنًا لإيقافها، مكتفيًا ببيانات التحذير والقلق واستنكار جرائم الإبادة المتعمدة ضد الشعب الفلسطيني، وخاصة النساء والأطفال الذين يشكلون نحو 70% من إجمالي الضحايا، ما يدل على الاستهداف الممنهج لهذه الفئات لتعطيل الأساس المادي للمجتمع الفلسطيني. وقد ذكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن تقديراته تظهر أن نحو 10% من سكان قطاع غزة قتلوا أو أصيبوا أو فقدوا خلال 10 أشهر من جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال منذ السابع من أكتوبر الماضي.

وتشير إحصاءات المرصد الأولية إلى أن نحو 50 ألف فلسطيني قتلوا أو فقدت آثارهم تحت أنقاض المباني، أو جثثهم ما تزال في الطرقات أو في مناطق حدودية مدمرة بالكامل، مما يصعب انتشالهم. كما أصيب أكثر من 100 ألف آخرين بجروح، وغالبية هؤلاء الضحايا هم من المدنيين الأطفال والنساء. أما حوالي 3000 فلسطيني فقد فُقدت آثارهم بعد أن اعتُقلوا من قطاع غزة من قبل الاحتلال، ولم يُعرف مصيرهم بعد.

و لمقاربة حجم الكارثة، يمكن النظر إلى تقديرات المرصد الأورومتوسطي التي تستند إلى المعلومات والإحصائيات التي جمعتها فرقه الميدانية من عينات من أحياء المدن والمخيمات، بالإضافة إلى ما تلقته من الجهات والمؤسسات المعنية، بما فيها عدد من المستشفيات والطواقم الطبية، تظهر وجود ما لا يقل عن 51 ألف حالة وفاة ناتجة عن الحصار الإسرائيلي المفروض على جميع قطاع غزة، والحرمان من الرعاية الطبية، وانهيار القطاع الصحي بالاستهداف والحصار، والضعف الشديد بخدمات الإسعاف، إلى جانب النقص الحاد في الأدوية الأساسية لاسيما لمرضى السرطان والأمراض المزمنة، ومنع السفر للعلاج في الخارج، إلى جانب تفشي الأوبئة والأمراض المعدية، فضلًا عن تداعيات انتشار المجاعة وسوء التغذية في مختلف مناطق قطاع غزة، علمًا أن معدل الوفاة الطبيعية قبل بدء حملة الإبادة الجماعية كان يقدر بنحو 3.5 لكل ألف نسمة وارتفع إلى معدل 22 لكل ألف نسمة خلال حملة الإبادة.

ونبّه إلى أنه يتوفر حاليًا أقل من 1.500 سرير في المستشفيات العاملة والمستشفيات الميدانية في شتّى أرجاء قطاع غزة لتلبية احتياجات ما يزيد عن مليوني شخص، بالمقارنة مع 3,500 سرير قبل السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، في وقت تتفاقم فيه نقص الأسرّة بسبب شحّ الإمدادات والمعدات الطبية، والتدمير المستمر والمنهجي والواسع النطاق للمستشفيات والمرافق الصحية من قبل جيش الإحتلال، وزيادة عدد الجرحى والمرضى بشكل كبير، الأمر الذي يؤدى إلى ضعف القدرة الاستيعابية والاستجابة الطبية الفعالة، مما يتسبب في مضاعفات صحية خطيرة لدى الجرحى والمرضى، وحالات وفاة كان من الممكن تجنبها، لا سيما في صفوف كبار السن.

بينما تستمر الأمراض المعدية في الانتشار السريع بسبب نقص المياه النظيفة والاكتظاظ وانهيار البنية التحتية للصرف الصحي وتراكم النفايات وشح مواد التنظيف والتعقيم والنزوح القسري المتكرر.

ووفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، تم تسجيل 990,000 حالة من التهابات الجهاز التنفسي الحادة، و574,000 حالة من الإسهال المائي الحاد، و107,000 حالة من مرض اليرقان، و12,000 حالة من الإسهال الدموي حتى 7 تموز/يوليو، ومن المرجح أن يكون العدد الحقيقي للإصابات أعلى من ذلك بكثير. وتشير الأمم المتحدة إلى أن الطفح الجلدي والالتهابات الجلدية، لا سيما بين الأطفال، آخذة في الارتفاع، بالتزامن مع انخفاض معدلات التطعيم الروتيني وزيادة خطر الإصابة بالأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، بما في ذلك فيروس شلل الأطفال، الذي ثبت وجوده مؤخرًا في مياه الصرف الصحي في قطاع غزة.

خلال أكثر من 10 أشهر منذ بدء العدوان، يعيش سكان قطاع غزة تحت وطأة الموت، فالسماء مبلدة بالقصف المستمر وإطلاق النار وقذائف الدبابات، والشوارع زاخرة بالدمار الممنهج فلم يعد لغزة شكلها، فالاحتلال يتبع نفس وتيرة الإبادة من اليوم الأول، يدمر بشكل واسع النطاق للمنازل والمنشآت المدنية والبنية التحتية الحيوية، والاستهداف المتكرر لمراكز الإيواء وخيام النازحين. ويستمر الاحتلال في تصعيد جريمة الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين، ساعياً فنائهم بكل الوسائل التي بحوزته والتي يستوردها خصيصاً لهم من الغرب، سواء بالقتل المباشر أو التجويع والحرمان من الرعاية الطبية والمساعدات الإنسانية، والطرد من المنازل، والتعذيب، وفرض ظروف معيشية قاسية تؤدي في النهاية إلى تدميرهم كلياً.

في غزة، تتجلى عبثية عالمنا بوضوح. فما يرتكب في غزة من جرائم يأتي تحت شعار "الحرب من أجل الحضارة"، إذ يدعي الاحتلال بأنه يمثل نموذج التحضر الاستعماري، لذا يبطش بالفلسطينيين تحت مظلة دعم غربي. لكن الحقيقة التي يدركها الجميع، أن ما يحدث في غزة ليس سوى تجسيد للوجه القبيح للعنف والاستبداد الذي يتخفى وراء أقنعة الحضارة الزائفة، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في ظلال الموت السريع منه والبطئ، فمن لم تدركه صواريخ الاحتلال، فالظروف المزرية وغير الآدمية، والأمراض الجسدية والنفسية ستفتك به، في خيام لا تتحمل الحرارة ولا حتى الرياح. بلا أي مصادر للحياة ولا أمل في المستقبل، يُدمر شعب بأكمله باسم الحضارة، في عبثية تامة واستخفاف بأبسط حقوق الإنسان.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ظاهر صالح
كاتب وصحفي فلسطيني
كاتب وصحفي فلسطيني
تحميل المزيد