جلس كيليان مبابي، نجم كرة القدم الفرنسي، في أول مؤتمر صحفي له مع ريال مدريد بثقة متناهية، ابتسامته جاهزة عندما يريد استدعائها، لغة جسده تظهر طاقة إيجابية وارتياح كبيرين، ثقته تقوده بعيدًا عن كل المطبات، يتحدث بلغة إسبانية واضحة، ويلقي بعض الدعابات وكأنه في جلسة مع رفاقٍ قدامى.
في تلك اللحظات، أشار مبابي إلى أنه كان يتعلم الإسبانية منذ طفولته تحضيرًا لانتقاله إلى ريال مدريد، ثم ضحك الحضور، لكن المشكلة أن تلك لم تكن دعابة كان قد حضرها مسبقًا، بل أكثر جملة حقيقية ذكرها مبابي في مؤتمره الصحفي، فمبابي لم يعد لهذا اليوم فحسب، بل كان يعد نفسه لمستقبل يكون فيه على مسرح الكرة العالمية.
عندما كان ولدًا صغيرًا، كان مبابي يُمارس كرة القدم، لكنه كان يستعد لأن يكون نجمًا وليس مجرد لاعبًا عاديًا. فأحيانًا كان يجلس في غرفته وحيدًا، تلك التي زيّن جدرانها بصور أبطاله، كي يُراجع مقاطع من مقابلات سابقة لكريستيانو رونالدو وتييري هنري وكأنه يعلم أنه سيكون في مكانهم يومًا ما، فبدأ يتعلم منهما كيفية التحدث أمام وسائل الإعلام.
ذلك الشغف بالاهتمام بصورته الإعلامية لاحظته والدته فايزة في 2014، عندما صنع صفحة غير حقيقيّة من مجلة التايم، واضعًا عليها صورته مع بعض الاقتباسات المزيفة: "ديدييه ديشامب: أفضل لاعب شاب بالعالم"، وحتى تصريح مزعوم لجوزيه مورينيو يقول فيه "مبابي هو المستقبل". عندما خاض مبابي موسمه الاحترافي الأول مع موناكو، ظهرت شركة تُسمى "KEWJF" في عالم كرة القدم، تلك التي سترأسها والدته فايزة كي تهتم به إعلاميًا وتجاريًا. في تلك اللحظة، تحول مبابي فعليًا من "لاعب كرة قدم إلى مشروع نجم عالمي" يُدار بعناية فائقة.
صناعة النجوم لا تكون داخل أرض الملعب فقط، وقد أدرك والدا النجم الإنجليزي جود بيلينجهام ذلك مبكرًا، فأعدا ابنهما ليكون جيدًا أمام الكاميرات، زُرعت مبادئ معينة في داخله وتم تعليمه ماذا يجب أن يفعل وألا يفعل، حتى وصل إلى درجة من المثالية في تصرفاته.
لكن بيلينجهام رجل عاطفي، منافس ومنتصر بطبعه، مما يعرضه ذلك في أحيان كثيرة إلى الخروج عن النص، حتى لو كان ما فعله بنيّة سليمة أو أمرًا عاديًا، لكنه اختار المثالية، وعليه، سيكون مجبورًا أن يكون حبيسًا لها ما إذا أراد رفع أسهمه الإعلامية، تلك التي تقربه من الجوائز الفردية.
على النقيض من ذلك، يظهر النجم الإسباني رودريغو هيرنانديز كاستانتي المعروف برودري كي يُخبرنا في كل مرة أنه لا يهتم بالجوائز الفردية، وأنه لن يتم تقديره بسبب مركزه، وبسبب أمور تسويقية وتجارية وإعلانية. في الحقيقة الرجل لا يبالغ، كلام رودري صحيح، ولكن ربما تلك حيلة ذكية منه لاستدراج الأضواء نحوه بطريقة غير مباشرة، ولا تتطلب الكثير من المجهودات.
وعندما نأتي النجم النرويجي آرلينغ هالاند، في بداياته مع بوروسيا دورتموند، كان هالاند يُعرف بإجاباته القصيرة المقتضبة على أسئلة الصحفيين، فغالبًا ما كان رده بكلمة واحدة، والتي قد تُفسر كبرود أو عدم اهتمام. ولكن مع مرور الوقت، أظهر هالاند تطوراً ملحوظاً في تعامله مع الإعلام.
إذ أدرك هالاند أن لا بأس بالقليل من الجهود في سبيل تحسين صورته الإعلامية. فبدأ بدراسة البروتوكولات الإعلامية وعمل على تحسين لغته الإنجليزية، مما أتاح له التواصل بشكل أكثر فعالية وجاذبية. كما تبنى استراتيجية أكثر نشاطاً في إدارة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
في الأيام القليلة الماضية، وفي خضم الانتقادات الموجهة لمنتخب الأرجنتين عقب الفيديو العنصري الذي ظهر فيه اللاعب إنزو فرنانديز، اختار ليونيل ميسي، الأسطورة الأرجنتينية، أن يُظهر صورة مغايرة. نشر ميسي صورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي له ولابنه يتناولان الطعام في مدينة ميامي، وإن ذهبنا بعيداً عن طبيعة ميسي الهادئة أو الغريبة في بعض الأوقات، ربما كانت تلك حركة تكتيكية ذكية جدًا لإبعاد نفسه عن الالتباسات التي قد تشوه سمعته، فهي حيلة ليست صعبة من لاعب بنى لنفسه أسطورة وإمبراطورية في كرة القدم خالية من الشبهات، لأنه أحيانًا الموهبة والمسيرة العظيمة والإنجازات وحدها لا تكفي كي يتم تصنيفك الأفضل في التاريخ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.