في بلدة مجدل شمس بالجولان المحتل، أدى سقوط صاروخ إلى مقتل أكثر من 12 شخصاً (معظمهم من الأطفال). زعمت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أن الصاروخ كان نتيجة هجمة مُسيرة من قبل حزب الله، بينما نفى حزب الله مسؤوليته عن الحادثة، مشيراً إلى أن إسرائيل تستخدم هذا الحادث كذريعة لشن هجمات على جنوب لبنان. بينما وفقاً لمقاطع فيديو لشهود عيان، يظهر أن الصاروخ الذي سقط كان خاطئاً من منظومة القبة الحديدية للاحتلال، وقد أخطأ في اعتراض هدفه ليسقط على سكان مدنيين. هذا الحادث أثار توتراً حاداً في المنطقة، على الرغم من دعوات الأمم المتحدة للطرفين بضبط النفس وتجنب توسيع نطاق الاشتباك.
وتُعرف "مجدل شمس" بأنها قرية سورية أغلبية سكانها من الطائفة الدرزية وفيها منتمون إلى المسيحية الأرثوذكسية. وتعد مجدل شمس كبرى قرى إقليم البلان في الجولان السوري، الذي تحتله إسرائيل منذ حرب النكسة عام 1967. حيث اشتهر أهلها بمقاومة جهود الاحتلال الذي حاول تطويعهم سياسياً وثقافياً وعسكرياً. وحاول الاحتلال طمس هوية أبناء قرى الجولان على مدار عقود بوسائل مختلفة مثل محاولة منحهم جوازات سفر، لكن معظمهم ما زالوا متمسكين بانتمائهم إلى سوريا.
يعتبر سكان مجدل شمس مواطنين سوريين من قبل السلطات السورية، بينما منحتهم دولة الاحتلال الإقامة الدائمة في عام 1981، وأصبح يحق لهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية. ومع ذلك، لم يتقدم سوى أقل من 20% من السكان للحصول على الجنسية الإسرائيلية حتى عام 2018، بحسب مصادر إسرائيلية.
وبالعودة للحادث، فقد صرح وليد جنبلاط، السياسي اللبناني ورئيس طائفة الدروز، قائلاً: "نحن بالمرصاد للعدو إلى جانب المقاومة والمقاومين الذين يواجهون إجرام الاحتلال. التاريخ مليء بالمجازر التي ارتكبها ويرتكبها ضد المدنيين." وأجد هذا التصريح بالغ الأهمية في قراءتي الشخصية للمشهد الراهن. وهنا أطرح السؤال الأهم، لماذا يتم استهداف الدروز بالذات؟ وهل فعلاً كانت ضربة من حزب الله أم ضربة من الاحتلال؟
لنتعرف على الدروز أولاً: هم الموحدون أو بني معروف طائفة دينية وأقلية قديمة تدين بمذهب التوحيد، ذي التعاليم الباطنية وينسبون إلى الإسماعيليّة، يقدسون النبي شعيب أحد أنبياء العرب، الذي يعدونه المؤسس الروحي والنبي الرئيسي في مذهب التوحيد، كما يؤمنون بتناسخ الأرواح والتقمص، وتقوم فلسفتهم على ابتكار لاهوت خاص عرف بالسرية والتفسير الباطني للكتب الدينية، ويسلطون الضوء على دور العقل والصدق ويؤمنون بالظهور والتجلي الإلهي، ينطقون الشهادتين، عقيدتهم مختلطة من (الغنوصية، الأفلاطونية المحدثة، الفيثاغورية، المسيحية، الزرادشتية، البوذية والهندوسية)، مجتمع منغلق على ذاته ولا يتزوج من غير طائفته، يتوزعون بين لبنان وسوريا وفلسطين، تتراوح أعدادهم بين الـ 800 ألف والمليوني نسمة، منهم 149 ألفًا يسكنون الجولان المحتل.
تتفاوت التقديرات الإسرائيلية حول تاريخ محدد لهذه المسألة، مرجحة أن الاحتلال استغل انغلاقهم وانعزالهم عن باقي العرب لتقربهم إليه وتضمهم لمجتمعها، حيث تعتبر الدرزية رابع جماعة إثنية داخل الاحتلال وتم منحهم الجنسية الإسرائيلية منذ عام 1948، وتطوع الدروز مع الشركس والبدو ليؤسسوا أول كتيبة عسكرية عربية في جيش الاحتلال باسم (حلف الدم)، وهو ما شرعنه ووضع قواعده الصهيوني بن غوريون، ليتم الاتفاق فيما بعد في عام 1956 مع زعيم طائفة الدروز قانونًا يلزم الطائفة بالالتحاق الإلزامي للجيش، وتشكلت أول كتيبة خاصة بهم (حيرف) أي السيف عام 1974، وقد اعترف نتنياهو بدورهم في حفظ أمن إسرائيل، كما أكد يعكوف شيمعوني وهو دبلوماسي إسرائيلي على أن تجنيد الدروز هو حربة نطعن بها القومية العربية ونؤثر بها على دروز سوريا ولبنان.
كانت نسبة مشاركة الدروز في جيش الاحتلال 85%، وهي حتى أكثر من نسبة اليهود المنخرطين، لتنخفض تلك النسبة كثيرا في الفترة الأخيرة إلى 54%، من الرافضين منهم حسب موقع هرتسيليا الإسرائيلي، وتشكيل حركات ترفض الاندماج مع الكيان وتعارض التجنيد، وتشير أرقام الجيش الإسرائيلي إلى أن نسبة الرافضين الدروز للخدمة العسكرية آخذة بالارتفاع، وهي معدلات أثارت المخاوف لدى جنرالاته؛ لأن التوقعات تشير إلى تواصل ارتفاعها في السنوات القادمة. وإن نسبة رفض الدروز للخدمة العسكرية بجيش الاحتلال تزيد مع اندلاع أحداث مفصلية مع الفلسطينيين، وطالب قادة الطائفة الدرزية بدعوة الشباب لرفض سياسة التجنيد الإلزامي، والعمل على وقفها، وكان من أبرزهم الشيخ نمر نمر من لجنة المبادرة الدرزية الذي أعلن "رفض الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي من منطلقات قومية ووطنية، وضميرية وأخلاقية وإنسانية معا"، والذي قال "نحن عرب أقحاح شاءت إسرائيل أم أبت". في إطار ذلك، تولد رد فعل غاضب من الاحتلال، واستخدمت سياسات معادية ضد الدروز لإعادة تجنيدهم، مثل الاعتقال المتقطع والطرد والملاحقة، وتلك السياسة لم تجد نفعا بالطبع.
في هذا السياق، تثير الضربة الأخيرة في مجدل شمس بالجولان المحتل تساؤلات حول الجهة المستفيدة من الضربة التي استهدفت الدروز، وما إذا كانت تأتي لإضعاف موقفهم الرافض لسياسات الاحتلال. في هذا السياق، يأتي سؤال مهم وربما يكون الجواب: هل حزب الله، المعروف بدعمه للعرب الرافضين للاندماج مع الاحتلال، يمكن أن يكون وراء هذه الهجمة؟! بالإضافة إلى ذلك، موقف وليد جنبلاط، الشخصية السياسية البارزة ورئيس طائفة الدروز في لبنان، يوضح الكثير إذ أعرب عن دعمه القوي لحزب الله والمقاومة بوجه عام.
في المقابل يصر الاحتلال على أن حزب الله هو المسؤول عن الهجوم، ويمكن للمتابع لمسار الحرب في غزة والتصعيد بين الحزب والاحتلال أن يفسر مساعي الاحتلال في رمي هذه التهمة على الحزب، في إطار اتباع استراتيجيات متعددة لمواجهة حزب الله والمقاومة، تشمل:
- تحييد القدرة العسكرية للمقاومة، بما في ذلك حزب الله.
- استهداف قيادات الصف الأول في المقاومة.
- تعطيل خطوط الإمداد اللوجستية، خصوصاً العسكرية.
- تنفيذ ضربات استباقية لتشويش خطط المقاومة.
- الحصول على الدعم العسكري والإعلامي من الكونغرس الأمريكي.
- استخدام الحرب السيبرانية ضد مواقع المقاومة.
- فرض حصار بحري والتوغل البري، خاصة في لبنان.
من يقرأ المشهد الحالي ربما يفهم مساعي الاحتلال وخطواته. أما بالنسبة لتداعيات الحادث، فيمكن توقع الأسوأ بالطبع نظرًا لخطورة ردود أفعال الاحتلال الهمجية والموتورة، والذي أصبح يعاني بشكل كبير تحت الضغط الشعبي والانقسامات الداخلية، لذلك، يحاول قادة الاحتلال المؤيدون لتوسيع الحرب وسياستهم العدوانية الحصول على الدعم والتأييد الداخلي، فهل سيحصلون عليه؟!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.