في مشهد هزلي، استقبل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتصفيق حار استمر لأكثر من 3 دقائق من قبل أعضاء الكونجرس الأمريكي المؤيدين للإبادة الجماعية. هذا التصفيق الحماسي جاء في وقت يواجه فيه نتنياهو تهمة جريمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، التي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه، ورغم خطابه، المليء بالأكاذيب، وقف أعضاء الكونجرس بحماس مواصلين التصفيق لعرض نتنياهو.
والحق يقال لقد بذل زعيم الأغلبية في مجلس النواب، مايك جونسون، جهوداً كبيرة لدعوة مجرم الإبادة الجماعية للتحدث في الكونغرس، في خطوة لدعمه وتشجيعه، مما جعله يشعر بـالفخر لإنجاز المهمة الموكلة إليه بنجاح. فهو لم يتمكن فقط من دعوة مجرم حرب لإلقاء خطاب في الكونغرس، واعتباره جديراً بلقب رجل دولة بارز، بل ضمن أيضاً أن يحظى بالتصفيق الشديد. وكان هذا التصفيق كافياً ليكون مشهده رمزياً، قامعاً لاحتجاجات عدد قليل من أعضاء الكونغرس، مثل رشيدة طليب، الذين شاهدوا هذا العار بقلب حزين.
في المقابل، لم تستطع الانتقادات والاحتجاجات القليلة من أعضاء الكونغرس، الذين كانوا يشاركون رشيدة طليب في موقفها المعارض لدعوة نتنياهو، في تغيير النتيجة. حتى التظاهرات خارج الكونغرس التي طالبت بإنهاء الإبادة الجماعية في فلسطين لم تؤثر في جعل مسؤولي الولايات المتحدة من حتى إظهار الخجل في جعلهم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد شعب غزة ممكنة من خلال دعمهم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي، بل أكدت الدولة الأقوى في العالم بشكل ضمني أنها ستواصل هذا الدعم لضمان استمرار الإبادة الجماعية. في هذا السياق، يجب أن يُنظر إلى دعوة نتنياهو لإلقاء خطابه الرابع في الكونغرس على أنها نجاح رمزي كبير للاحتلال وداعميه، لكنه نجاح يبشر بالنهاية، فهذه الرمزية، التي تُظهر أن الولايات المتحدة هي أكبر داعم للإبادة في العالم اليوم، تحمل رسالة هامة للنظام السياسي الدولي ومستقبل السياسة العالمية.
فالرسالة هي أن الولايات المتحدة، تحت سيطرة اللوبي الصهيوني، قد تخلت حتى عن غطائها و ادعائها بأنها راعي النظام – غير العادل- في الصراع العالمي على السلطة. ولعل الولايات المتحدة التي بمساعدتها داس نتنياهو علانية على جميع مبادئ القانون الدولي تقريباً فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحرب، والتي حوكم الكيان الذي يمثله بتهمة جريمة الإبادة الجماعية من قبل محكمة العدل الدولية، بتهمة الإبادة الجماعية، والذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بشأنه، رحب به الكونجرس الأمريكي بهذه الطريقة، وكأنه استعراضًا للتوحش من قبل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، لكنه أيضًا سيكون المسمار الأخير في نعش طموحات الولايات المتحدة، إلى القيادة في النظام العالمي بنفس القوة من جديد.
وهذا ليس مبالغة، إذا ما أخذنا ذلك الحدث على المدى البعيد، إذ ربما في المستقبل يمكن أن نتحدث ونحلل كيف أدى دعم الكونجرس الأمريكي المتهور لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل إلى أن يتحول العالم بسرعة إلى عالم لا يرى سوى القوة حل، وإلا سوف يتعرض لعدوان يشبه الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعب غزة، وسوف ينجر الجميع إلى الفوضى حيث سيبحث عن حلفاء ليكون مدججا بالسلاح. أو على الأقل، سيتم سحب البساط تدريجياً من تحت هيمنة واشنطن، لتشكيل نظام سياسي دولي مماثل لنظام الأمم المتحدة، حيث يتم استبدال الولايات المتحدة الأمريكية بجهة فاعلة أخرى ترسيخ النظام ويتم تطبيق القانون الدولي، على الأقل جزئيًا.
ولا يخفى على أحد أن الصين وبشكل أقل روسيا تحاول ملء الفجوات التي خلفتها الولايات المتحدة وتصبح لاعبًا جديدًا في تأسيس النظام. وحقيقة أن جمع بكين للفصائل الفلسطينية الأسبوع الماضي بغض النظر عن مدى فاعليته، كمحاولة لتوفيق بينها تظهر أن نفوذ الصين قد وصل بالفعل إلى مناطق النفوذ الأمريكية التقليدية.
إن جعل الكونجرس يحتضن نتنياهو في هذا الوقت وهو متهم كمجرم الإبادة الجماعية لا من مؤسسات الشرق بل من المؤسسات الدولية التي طالما استخدمتها الولايات المتحدة، يظهر بوضوح لجميع الحلفاء قبل الأعداء مدى سهولة استخدام أقوى دولة في العالم كأداة لتحقيق مصالح الاحتلال. وهذا سيدفع في المستقبل شئنا أم أبَينا شعوب المنطقة أن لتبني منطقية مبدأ المقاومة، فالعدوان الإسرائيلي اليوم مع ذلك الدعم الدولي يكشف لجميع اليوم، ان المقاومة ضرورة وجودية وليست فعل حالم أمام هذا الاحتلال الديني الذي لا يردعه أي قانون أو اتفاقات غير القوة، إذ يضع أمام الجميع حقيقة أن هذه الإبادة الجماعية يمكن تنفيذها ضد أي شعب وبكل الدعم من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، لذلك فبينما يظن نتنياهو وداعميه أنه اقترب من تقويض العالم، فهو يدفعه لنقطة المواجهة والتي ستأتي لا ريب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.