لم تثر استهدافات "الحوثيين" للسفن في البحر الأحمر مخاوف إسرائيل فحسب، بل أثارت أيضاً قلقاً عالمياً بسبب تأثير الهجمات على أحد أهم ممرات التجارة في العالم، ما دفع أمريكا في ديسمبر/ كانون الأول 2023، إلى الإعلان عن تحالف متعدد الجنسيات، أطلقت عليه اسم "حارس الازدهار"، لمنع اليمن من مواصلة فرض الحصار على السفن المتعاملة مع الموانئ الإسرائيلية وحظر عبورها المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وهو الأمر الذي أسفر عن إلحاق خسائر كبيرة بالاقتصاد الإسرائيلي وشل ميناء إيلات بشكل كامل وقطع اتصال إسرائيل بالبحر الأحمر.
المهمة الرئيسية للتحالف التصدي لاستهداف الحوثيين للسفن، ومنذ مطلع العام 2024، شن التحالف غارات قال إنها تستهدف "مواقع للحوثيين" في مناطق مختلفة من اليمن، رداً على هجماتها في البحر الأحمر.
استدعت هذه الضربات من "الحوثيين" تصعيداً من الجماعة اليمنية، والتي أعلنت أنها باتت تعتبر السفن الأمريكية والبريطانية كافة ضمن أهدافها العسكرية، إضافة إلى توسيع هجماتها إلى السفن المارة بالبحر العربي والمحيط الهندي. وعلى الرغم من مضي نحو 8 أشهر على تأسيس هذا التحالف، إلا أنه لم ينجح حتى الآن في إيقاف استهداف "الحوثيين" للسفن التابعة لإسرائيل أو المرتبطة بها.
رغم أن واشنطن حشدت حاملة الطائرات يو إس إس دوايت أيزنهاور (CVN-69) العاملة بالطاقة النووية والبالغ تكلفة بنائها 4.7 مليار دولار أمريكي والتي تحمل على متنها 5 آلاف فرد وأكثر من 82 طائرة زيادة على مجموعتها القتالية والمدعومة بقوات بريطانية ومن حلف الناتو، لم تتوقف العمليات اليمنية. في المقابل، وفي منتصف شهر يوليو/تموز 2024 اعترف رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية تشارلز براون بأن الأزمة في البحر الأحمر لا يمكن حلها من خلال استخدام القوة العسكرية وحدها ضد حركة "أنصار الله" (الحوثيين) اليمنية.
وصرح القائد الأمريكي متحدثًا في المنتدى الأمني السنوي الذي نظمه معهد "أسبن": "سيتطلب الأمر أكثر من مجرد الضربات العسكرية لتغيير الحوثيين. وسيتطلب الأمر أكثر من مجرد جهود مشتركة بين الوكالات الحكومية الأمريكية. وسيتطلب الأمر المزيد من الجهد الدولي للضغط على الحوثيين لوقف ما يفعلونه"، ووفقًا له، في هذه الحالة ستكون هناك حاجة إلى شيء "أكثر من مجرد حملة عسكرية".
وفي الوقت نفسه، رفض براون فعلياً الدعوة لضرب إيران أو سفن الاستطلاع التابعة لها في الخليج العربي، وأوضح رئيس هيئة الأركان المشتركة أنه ينظر إلى الصورة الأوسع، ويأخذ في الاعتبار جميع العواقب المحتملة، بما في ذلك الدرجة الثانية والثالثة عندما يسمع مثل هذه التوصيات من بعض الدوائر في الولايات المتحدة.
ومنذ العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد عملية "طوفان الأقصى"، شهد الاحتلال الإسرائيلي هجمات شبه يومية من اليمن، بما في ذلك الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة، والتي استهدفت ميناء إيلات. هذه الهجمات، التي أبقت الرقابة العسكرية الإسرائيلية على تفاصيلها محدودة، كشفت ضعفاً في نظام الدفاع الجوي للاحتلال وأثارت تساؤلات حول قدرته على مواجهة تهديدات متعددة الجبهات.
في يوم الجمعة 19 يوليو/ تموز 2024، أصابت طائرة مسيرة يمنية تحمل اسم "يافا" مبنى في تل أبيب بالقرب من السفارة الأمريكية، مما أسفر عن خسائر. هذه الحادثة لم تستطع الرقابة العسكرية الإسرائيلية إخفاءها، مما شكل ضربة قوية لصورة الفعالية التامة لأجهزة الدفاع الإسرائيلية. وتعليقاً على ذلك، أوردت وكالة الأنباء الألمانية "د ب أ" أن هذه الحادثة أثارت مخاوف كبيرة في إسرائيل حول قدرة أنظمتها الدفاعية على التصدي لمثل هذه التهديدات.
وفي محاولة لاستعادة ما يسمى بقدرة الردع وتخفيف الضغوطات الداخلية والخارجية على الاحتلال، شن طيران الاحتلال الإسرائيلي هجمات على ميناء الحديدة اليمني في 20 يوليو/تموز 2024. ورغم التغطية الإعلامية الغربية لهذه الهجمات، إلا أن الضربة الإسرائيلية الإجرامية ضد اليمن لا يمكن مقارنتها بالعمليات الأمريكية والبريطانية المستمرة منذ سبعة أشهر والتي لم تحقق أهدافها.
وبالتوازي مع ذلك، مازالت الحرب على غزة مستمرة دون أن تنجح قوات الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافها فيها، وبدلاً من ذلك يستمر الاحتلال بارتكاب المجازر بحق المدنيين، مما يزيد من تعقيد الحرب وصعوبة الوصول لاتفاق بوقف الحرب. في نفس الوقت تتبدل فيه التوازنات العالمية بشكل غير ملائم للاحتلال، مما يدفع نتنياهو للبحث عن تصعيد الحرب كوسيلة لجلب الزخم والدعم الغربي لحرب كبرى تحت ذريعة حماية الاحتلال.
لذلك أرى أن زيارة نتنياهو إلى واشنطن، أتت في هذا السياق كجزء من محاولة للمناورة وجلب الأنظار بعيداً عن المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة، لإعادة توجيه الدعم الغربي نحو تصعيد الحرب إلى مستوى إقليمي أوسع، تمكن نتنياهو من الحصول على دعم الولايات المتحدة وحلفائها لتوسيع دائرة إجرامه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.