هم من أطلقوا الرصاصة الأولى وبدأوا الحرب! هل تتحمل المقاومة الفلسطينية حقاً مسؤولية الإبادة في غزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/26 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/26 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش
عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/الأناضول


إزاء حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، مدعوماً من عظمى دول العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وجرّاء تفاقم الأوضاع الإنسانية إلى حدٍّ لا يُطاق أبداً، وأمام حجم المأساة المروّعة التي مُنِي بها الشعب الفلسطيني في القطاع المحاصر، راحت ثلةٌ من الفلسطينيين وغيرهم، يلقون باللائمة على المقاومة الفلسطينية، ويحمّلونها مسؤولية تدهور الأوضاع، باعتبارها أطلقت الرصاصة الأولى صبيحة 7 أكتوبر، وهاجمت مواقع عسكرية إسرائيلية ومستوطنات محاذية لقطاع غزة، وأسرت جنوداً، واخترقت الأمن الإسرائيلي في الصميم، ما أدى إلى جنون الاحتلال الذي صبّ جام غضبه على المدنيين العُزّل ومسح آلاف العائلات الفلسطينية عن الوجود، ودمّر أحياء سكنية بأكملها، وحاصرَ وجوّعَ وقتلَ وشرّدَ مئات الآلاف، ولم يبق خطٌّ أحمر إلّا وتجاوزه من خلال استهدافه المستشفيات والمدارس والمناطق الآمنة والممرات الإنسانية ومراكز الإيواء، الأمر الذي استغله المُقصّرون بحق أهلنا هناك، وسوّقوه على أنه نتيجة حتمية لمعركة طوفان الأقصى، وبالتالي روّجوا فكرة أنّ هذه المعركة كانت سبباً وحيداً يتيماً لغطرسة الاحتلال الحالية، بينما كان الاحتلال قبل 7 أكتوبر حملاً وديعاً لا أحلى ولا أبهى ولا أروع، ولم يقتل فلسطينياً قط، ولم يحاصر ولم يجوّع ولم يرتكب مجازر سابقة.

وأمام اشتداد حملة هؤلاء المُقصّرين، وظهورهم المتواصل على قنوات عربية وغير عربية في الآونة الأخيرة، وسط احمرار وجناتهم، وتصاعد خطابهم المُتهالك، وادّعاءاتهم النبوة، أجد أنّ الرد عليهم يتموضع في النقاط التالية:

أولاً: لو أردنا أن نُسقِط الشرعية عن أي حركة تحرر أو ثورة أو حراك شعبي أو حركة مسلحة بناءً على حجم الخسائر البشرية والكوارث الناجمة، فإنني أجد نفسي مضطراً لاستحضار نموذج الربيع العربي الذي يحظى بقاعدة جماهيرية واسعة النطاق على امتداد الوطن العربي وخارجه، بينما خلّف هذا الربيع ملايين الشهداء والجرحى والمعتقلين والمُغيّبين قسراً، وملايين النازحين الذين يفترشون العراء ولا يجدون حبة دواء لأطفالهم، وهذه النتائج الكارثية لا يستطيع كائنٌ أن ينكرها لأنها واضحةٌ بيّنة رغم مرور أكثر من 13 عاماً على بدء الربيع العربي في تونس الخضراء، مروراً بمصر وليبيا، فاليمن، ثم سورية التي هُجّر أكثر من نصف شعبها، وقُتل وأصيب الملايين منهم، ناهيك عن المفقودين والنازحين والمشرّدين، والمعتقلين، إلى جانب الفقر المدقع الذي يعصف بالبلد المُنهك، السقيم، المُدمّر، الذي لم يبقَ فيه شيء من العهدة السابقة، والذي دفع سكانه فاتورة باهظة الثمن، تكاد تتماثل كذلك، مع الفاتورة التي ما يزال يدفعها الليبيون واليمنيون، وغيرهم مما اجتاح الربيع العربي بلدانهم وحوّلها إلى خراب، ومع ذلك ما يزال ذلك الربيع يحظى بشعبية واسعة النطاق، وقد سمعت عن الكثيرين من أصحاب النمط الثوري قولهم: لو أعيد بنا الزمن إلى ما قبل 2011 لاخترنا الثورة، ولا شيء سواها..

وهنا أتساءل: هل تسقط شرعية الربيع العربي قياساً مع نتائجه التي تمخض عنها القتل والتشريد والتجويع؟ وهل سَعَت حركة تحرر واحدة عبر التاريخ لمواجهة الظلمة والمستبدين من دون تضحيات؟

ثانياً: لو أخذنا نموذج الضفة الغربية التي لم تعرف حرب 7 أكتوبر، لأدركنا أن الاحتلال الإسرائيلي ليس حملاً وديعاً، بل إنه مارس ذات الإجرام هناك، ولكنْ بصورة مُصغّرة، وما الفرق بين الضفة وغزة إلا كالفرق بين مئة جلدة و30 جلدة، فكلاهما مُضْنٍ وكلاهما له ألمه ووجعه وقهره، وإنّ الألم الكبير الذي تُحدثُه مئة جلدة لا يعفي الثلاثين جلدة من سطوتها وإحداثها للألم والوجع، وهذا ما يرتكبه الاحتلال في غزة ذات السابع من أكتوبر، والضفة ذات الهدنة التي تتبنّاها سلطة رام الله، وإنني لا أجد فرقاً على الإطلاق بين الدمار الحاصل في مخيم طولكرم في الضفة، ومخيم الشاطئ في غزة، أو بين مخيم جنين الذي اقتحمه الاحتلال أكثر من 20 مرة منذ 7 أكتوبر وحوله إلى أطلال، ومخيم جباليا شمالي قطاع غزة.

كم شهيداً قتل الاحتلال في الضفة المُهادنة؟ وكم بيتاً دُمّر؟ وما هي حصيلة معتقلي الضفة الغربية حسب نادي الأسير الفلسطيني وهيئة شؤون الأسرى والمحرّرين التابعة لما تسمى بمنظمة التحرير الفلسطينية، وحبذا لو تدخل أُخَيّ الكريم، لتقرأ بأم عينك عن تلك الإحصائيات المرعبة التي خلفها الاحتلال الإسرائيلي، وتدرك أن 7 أكتوبر هو مجرد ذريعة واهية للاحتلال كي ينتقم من المدنيين من أجل تأليب الناس على المقاومة الفلسطينية وتحميلها المسؤولية، وما تصريحات المدعو محمود الهباش وأسامة العلي وغيرهم من كهلة منظمة التحرير، إلا تسليم مطلق برواية الاحتلال، وتكرار لتصريحاته، وخدمة مجانية معهودة من طرف جهات لم تجد وسيلة للدفاع عن تقصيرها وتحالفها مع الاحتلال سوى الهجوم على المقاومة، لأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وبالتالي لم يجد هؤلاء بداً للهروب من مسؤوليتهم تجاه غزة سوى مهاجمة السبب الحقيقي وهو 7 أكتوبر، وهو ما يقودهم – حسب وجهة نظرهم – إلى الإعفاء من مسؤولياتهم الجسام أمام الكارثة الإنسانية في القطاع، تلك الكارثة التي لم يفعلوا لها شيئاً على الإطلاق، بل واجهوها بملايين الإدانات والتصريحات، حالهم حال جزر القمر، وبلدان أخرى أصدرت من بيانات الإدانة مثيل ما أصدره رئيس السلطة محمود عباس، ورئيس وزرائه القديم والجديد، وحكومتا اشتية ومحمد مصطفى على التوالي، بل إنّ مسؤولي دول مجاورة وخلال لقاءاتهم المتكررة مع مسؤولين أمريكيين، رفضوا نعت حركة المقاومة الإسلامية حماس بالإرهاب، وتصدوا لمثل هذه التصريحات، وألجموا وقاحة ضيوفهم على الهواء مباشرة حينما تجرؤوا على ذلك، بينما جلس مسؤولو سلطة رام الله صُمّاً بكماً أمام تصريحات مماثلة، ولم ينبسوا ببنت شفة، وجلسوا أمام الضيوف ذاتهم كما يجلس التلميذ المُقصّر بواجبه المنزلي أمام معلّمه الصارم.

ثالثاً: إن معركة طوفان الأقصى لم تأتِ بنتائج كارثية على طرفٍ واحد فقط، بل إن الاحتلال الإسرائيلي يعيش أسوأ ظروفه منذ قيام دولته الطارئة عام 1948، ولكنّ أمثال الهباش لا يرون إلا بعين واحدة، أما العين الأخرى فأغلقوها عن خسائر الاحتلال العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يطلعوا على أرقام قتلى وجرحى جيش الاحتلال، والخسائر المادية التي مُني بها في قطاع غزة، ما دفعه إلى الاعتراف بالهزيمة أمام حركة حماس كما جاء على لسان أكثر من جنرال ومسؤول وضابط في الجيش ووزارة الدفاع، وذلك بعد إخلائه مستوطنات الشمال والجنوب، وخسارته لمئات الجنود والضباط، وتحطيم هيبته العسكرية والاستخباراتية التي أصبحت في مهب الريح، وإنني أكاد أجزم بنقطتين اثنتين في هذا الصدد: الأولى منهما أن 7 أكتوبر فتح مجالاً واسعاً للتحرير واستعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة كاملة غير منقوصة، وفرض الشروط الفلسطينية كما نريد وزيادة، إلّا أن تخاذل الكوكب بأكمله حال دون ذلك، وما نجم من مآسٍ إنسانية جراء حرب الإبادة الإسرائيلية لا يمكن تحميل مسؤوليته للمقاومة الفلسطينية، تلك المقاومة التي فعلت ما لم تفعله دول عظمى هابت جيش الاحتلال، واتخذته سيّداً آمراً لها حتى في إذن الذهاب إلى غرف النوم.

أما النقطة الثانية: إن هندسة طوفان الأقصى وماهيتها وسُبل نجاعها سوف تُدرّس يوماً ما، في الكليات العسكرية لو بعد حين، فكم وكم من موقعةٍ دفنها التاريخ، ثم أعاد إحياءها من جديد للاستفادة من تجربتها العسكرية وخُططها، وهذا هو مصير الطوفان، حينما تمسي أدق تفصيلاته عنواناً عريضاً على منصات الجامعات والكليات العسكرية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالسلام فايز
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
تحميل المزيد