لماذا طالت الحرب في غزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/26 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/26 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
قصف إسرائيلي متواصل على قطاع غزة/رويترز

اعتادت إسرائيل على الحروب الخاطفة في صراعها مع العرب مثل حرب الأيام الستة، والكيان الإسرائيلي كما يقول الخبراء والمحللون العسكريون لا يتحمل الحروب الطويلة، فما هي المتغيرات التي أدت إلى إطالة أمد الحرب في غزة وجعلها تمتد لعدة شهور؟

التهديد الوجودي لإسرائيل

استمرار الحرب على قطاع غزة لعشرة شهور، دليل على أن أحداث طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي شكلت ضربة موجعة للاحتلال الإسرائيلي ولداعميه، ليس على صعيد الخسائر البشرية أو المادية الجسيمة التي مُني بها وهي غير مسبوقة في تاريخه، أو على صعيد صورة الكيان المحتل داخليًا وخارجيًا والتي تضررت بشدة وبات مهددًا بعزلة دولية، وإنما لفكرة وجود الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين وقدرته على الاستمرار.   

فمعركة طوفان الأقصى وتداعياتها المستمرة حتى اليوم وضعت المشروع الاستيطاني الغربي والمتمثل في وجود الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين على المحك، وطرحت تساؤلات حول قدرته على البقاء والاستمرار، وتكلفة ذلك سياسيًا واقتصاديًا بل وأخلاقيًا واجتماعيًا، في ظل جرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب في غزة، وفي ظل المظاهرات التي خرجت في الدول الغربية دعمًا للفلسطينيين، ومطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

وطوفان الأقصى أعاد للأذهان تنبؤات قادة ومفكرين بقرب زوال الاحتلال الإسرائيلي ومنهم الشيخ أحمد ياسين رحمه الله والذي تنبأ قبل ربع قرن من الزمان بزوال الاحتلال الإسرائيلي في عام 2027، وذلك في مقابلة له مع الإعلامي أحمد منصور في برنامج شاهد على العصر. 

والمفكر الراحل عبد الوهاب المسيري رحمه الله صاحب موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، قال إن حلمه هو أن يشهد تحرر فلسطين، وقال لمحاوره إن ذلك الحلم سيتحقق قريبًا.

ووضع قادة الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة هواجسهم ومنها لعنة العقد الثامن، ومخاوفهم من الزوال المرتقب لدولة إسرائيل، وقد أفصح إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق عن تلك المخاوف في مايو عام 2022 معللًا إياها بما سماه "سنة التاريخ اليهودي"، ووفقًا لتلك السنة فإن كل الدول اليهودية لم تُعمر أكثر من 80 عامًا، وحلم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي هو أن تبلغ إسرائيل عامها المائة.

تجنب محاكمة نتنياهو

قلنا منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى إنها قضت على مستقبل نتنياهو السياسي وعلى مستقبل حكومته اليمينية المتطرفة، التي عانت من تصدعات داخلية، وشهدت انقسامات حادة واستقالات، وظهرت الخلافات بين أعضائها للعلن.

والحرب الدائرة في غزة منذ عشرة أشهر، هي حرب نتنياهو الشخصية كما صرح بذلك عدد من الدبلوماسيين والسياسيين الإسرائيليين، ومنهم إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، والهدف من تلك الحرب ليس القضاء على قدرات حماس أو تحرير الرهائن، وهي أهداف قال قادة جيش الاحتلال أنفسهم إنها لن تتحقق، وإنما الهدف منها بقاء نتنياهو في السلطة وبعيدًا عن المحاكمة التي سيخضع لها حتمًا عندما تضع الحرب أوزارها، بتهم الفساد الموجهة إليه، والمسؤولية عن أحداث السابع من أكتوبر. 

والدليل على رغبة نتنياهو في استمرار الحرب على غزة، هو تعمده إفشال المفاوضات مع حماس من أجل التوصل لوقف الحرب، وذلك على الرغم من موافقة العسكريين والسياسيين عليها، والضغط الشعبي المطالب بوقفها من أجل استعادة الرهائن.

ومن أسباب استمرار الحرب في غزة، سيطرة اليمين المتطرف على حكومة نتنياهو، والذي يرغب في استمرارها حتى لو أدى ذلك لمقتل جميع الرهائن لدى المقاومة.

تجارة السلاح

الاحتلال الإسرائيلي بمفرده لا يتحمل حربًا طويلة ومفتوحة كالتي تجري في غزة وتكبد فيها جيش الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، ربما لم يخسرها في حروبه السابقة مع الجيوش العربية!

ولو فتشنا عن المستفيد من الحرب الدائرة في غزة وفي أوكرانيا كذلك وفي جميع مناطق الصراعات في العالم، لوجدنا أن الداعم لاستمرارها وتوسيعها هم قادة مافيا السلاح في العالم، وتجارة السلاح هي التجارة الأكبر حجمًا على مستوى العالم والتي قدرت بنحو 1.25 تريليون دولار عام 2023. 

وتجار السلاح لا يتاجرون بالأسلحة فقط، وإنما يتاجرون بالقادة السياسيين في العالم، فبدعمهم المالي السخي يوصلون من يشاؤون لسدة الحكم في الدول الديمقراطية، وبأموالهم يشعلون الصراعات في مناطق مختلفة من العالم، وضحاياهم دائمًا هم من الأبرياء سواء في غزة أو في السودان أو في غيرهما. 

مصالح العرب المطبعين!

القضاء على المقاومة في فلسطين وعلى رأسها حركة حماس ليس هدف نتنياهو فقط وإنما هو هدف العرب المطبعين أيضًا، لأن معركة طوفان الأقصى أوقفت قطار التطبيع، وخربت مخططاتهم، وعطلت مصالحهم مع الاحتلال الإسرائيلي.

والدليل على رغبة هؤلاء في استمرار الحرب في غزة هو الدعم المعنوي والمادي الذي يقدمونه للاحتلال الإسرائيلي، والمتمثل في إدانة المقاومة والحديث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وتزويد الاحتلال الإسرائيلي بالطاقة والغذاء في الوقت الذي يموت فيه الغزيون جوعًا!

الغزيون في مواجهة العالم 

ما يحدث في قطاع غزة منذ شهور يُعد من قبيل المعجزات، فأن تصمد المقاومة ويصمد سكان القطاع هذه الفترة الطويلة في مواجهة ظلم العالم بأسره من معتدين ومتآمرين ومن متواطئين ومتخاذلين، لهو آية من آيات الله عز وجل، يقول تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة الحج: 39-40. 

وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَزالُ مِن أُمَّتي أُمَّةٌ قائِمَةٌ بأَمْرِ اللَّهِ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، ولا مَن خالَفَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَهُمْ أمْرُ اللَّهِ وهُمْ علَى ذلكَ". صحيح البخاري: 3641.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد خاطر
كاتب ومدرب
كاتب ومدرب
تحميل المزيد