التكوين الطبي في الجزائر.. المستقبل الأسود لأصحاب المآزر البيضاء!

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/24 الساعة 09:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/24 الساعة 09:10 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية/shutterstock

لم يكن يتخيل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال زيارته لولاية خنشلة شرق الجزائر الشهر الماضي أنه سيتخذ قرار فتح ملحقة لتدريس الطب في الولاية المذكورة خلال ثوان فقط بلا أدنى تردد بعد طلب أحد المواطنين خلال اجتماع للرئيس مع ما يسمى فعاليات المجتمع المدني. هذا القرار الذي يحتاج غالبًا إلى 10 سنوات من الدراسة والتقييم في باقي العالم اتخذه رئيس الجمهورية الجزائرية في 10 ثوان، في مشهد بائس يلخص الوصاية السياسية التي يمارسها النظام الحاكم على الجامعة واللامبالاة اللامتناهية للقائمين على السلطة مع ميدان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتزامات الدولة العلمية والصحية تجاه مواطنيها ، أطباء كانوا أم مرضى.

أعلنت وزارة التعليم العالي في منشورها الوزاري للتسجيلات الجامعية هذا العام مجددًا عن افتتاح 10 ملحقات طب جديدة (أضيفت لها ولاية خنشلة في آخر لحظة) تضاف إلى 11 تم افتتاحها العام الماضي، بإجمالي 21 ملحقة مع وجود 15 كلية طب سابقة على المستوى الوطني، ليصل المجموع إلى 36 مؤسسة ستقوم بتدريس العلوم الطبية في الموسم القادم! وبعد أن قارب عدد المقاعد البيداغوجية 13 ألف سنة 2023 سيصل هذا العام حسب تقديري إلى 18 ألف مقعد بيداغوجي. على سبيل المقارنة، سيكون هذا العدد ضعف أرقام الجمهورية الفرنسية (10 آلاف مقعد) رغم أننا لا نملك سوى نصف المستشفيات الجامعية (14 مقابل 30).

إن جل الملحقات السابق ذكرها التي تم افتتاحها هي في ولايات بلا مستشفى جامعي، بل منها ولايات لا تملك حتى مؤسسة استشفائية عمومية لائقة يمكن أن تحتضن التكوين التطبيقي الذي يقتضيه تخصص الطب، ورغم أن الهدف المعلن حسب الوزارة هو تخفيف الضغط عن الكليات الرئيسية في مرحلة ما قبل العيادي (الثلاث سنوات الأولى من التكوين) لكن مضاعفة عدد المقاعد على مستوى الكليات والملحقات التابعة لها على حد سواء بدل توزيعها يعني أن الاحتمال الأكبر — وغير المعلن — هو الترقية اللاحقة لكل الملحقات إلى كليات ولو كان ذلك بلا مؤسسات استشفائية جامعية ترافق التكوين التطبيقي للطلبة، في تكرار لسيناريو كليتي بشار وورقلة اللتين لا يتدرب طلبتها إطلاقا بل يكتفون بالدروس النظرية فقط وهذا رغم مرور عقد من الزمن على تدشينهما. من هذا المنطلق يمكن تصور فداحة المستوى والتمييع الذي سيصل له تخصص من المفروض أن يكون نخبويا نوعيا يعتمد بالأساس على التكوين العمودي المتمحور حول الكليات الكبرى في المدن الكبرى فقط مثل باقي العالم.

إن المنطق السوفياتي الذي يتعامل به النظام الحاكم مع منظومة التكوين الطبي لا يتحمل أي مبرر عملي أو نظري، فعدد الأطباء البطالة في تزايد وإمكانيات الدولة المالية للتوظيف محدودة كما أن مسابقة التخصص عاجزة عن امتصاص الكم الهائل من خريجي الطب العام وحتى الزيادة السكانية في البلاد حسب آخر تحديث للديوان الوطني للإحصاء لسنة 2023 لا تنذر بأي تراجع لمعدلات التغطية الصحية التي تبقى جيدة وفي حدود المعدلات المعقولة مقارنة بباقي الدول الإفريقية والعربية.

لطالما كانت السلطة الحاكمة في الجزائر حريصة على تمييع النخب العلمية والثقافية ، والواضح أن الدور قد حان على النخبة الطبية حتى لا تقع أسيرة لمتطلباتها الاقتصادية والاجتماعية العالية بطبيعة حال التخصص والمكانة المتعارف عليها لأصحابه، ورغم الإحكام المطلق للسلطة على مجلس عمادة الأطباء وباقي النقابات الطبية وقرار تعليق توثيق الشهادات على مستوى وزارتي التعليم العالي والخارجية في انتهاك صارخ للحقوق المدنية الأساسية للأطباء من أجل إطباق حصار كامل عليهم إلا أن معدل هجرة الأطباء لا يزال في ارتفاع منهم 2,700 سيتوجهون إلى فرنسا لوحدها الخريف المقبل وآلاف آخرون سنويًا نحو الخليج والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والأمر مرشح للتدهور أكثر مادامت الإرادة السياسية تتغاضى عن الحلول الجذرية لصالح منطق التمييع الكمي، ودون أي مراجعة لواقع التكوين الطبي في القريب العاجل لا شك أن مستقبلاً أسودا ينتظر حقا أصحاب المآزر البيضاء!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بوودن رمزي
طالب ومدوّن مهتم بالشأن السياسي والثقافي
طالب طب بكلية قسنطينة في الجزائر، ومدوّن مهتم بالشأن السياسي والثقافي عربياً وعالمياً، وكاتب في العديد من المواقع والمجلات العربية.
تحميل المزيد