على وقع اشتعال كافة الجبهات وتزايد المخاوف من اندلاع حرب واسعة مع حزب الله اللبناني من جهة، وضغوطات من الداخل والخارج تستمر المراوغة والمماطلة لإطالة أمد الحرب في غزة من جهة أخرى، إذ يتوجه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة في زيارة مرتقبة من المقرر أن يلقي خلالها كلمة أمام الكونغرس. وبينما يتوقع أن تفرض تطورات الحرب متعددة الجبهات التي يخوضها الاحتلال الإسرائيلي نفسها على تلك الزيارة، حيث تبدو الآمال في أن تحمل جديداً بإيقاف الحرب، ضئيلة على ضوء المعطيات الراهنة والمستجدات على الأرض.
إذ تتزامن الزيارة مع قرار الكنيست برفض إقامة دولة فلسطينية. وبدت الولايات المتحدة محرجة إثر ذلك التصويت من برلمان الاحتلال، مكررة تأييدها وعودها الفارغة لحلّ الدولتين الذي طالما تحدثت عنه لعقود. من بين أبرز القضايا التي ستطرح للنقاش بين الرئيس الأميركي ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي خلال زيارته لواشنطن: صياغة استراتيجية مشتركة للاحتلال والولايات المتحدة فيما يتعلق بلبنان.
وبالطبع ستكون الزاوية، مزاعم التهديد الإيراني، حيث لا توجد خلافات بين الاحتلال والولايات المتحدة، رغم ذلك لا توجد قراءة تقول بأن إدارة بايدن ستقوم بأي عمل عسكري حتى الانتخابات، لكنها ربما ستوافق على فرض عقوبات على الإيرانيين. وأعتقد أن المحادثة أيضاً ستتناول محاولة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت.
كما من المتوقع أن يكون موضوع اليوم التالي ما بعد الحرب سيطرح، إضافة إلى مسألة التطبيع مع السعودية، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت الصفقة لا تزال قائمة قبل الانتخابات الأميركية، حيث سيناقشها نتنياهو وبايدن، رغم أن ما يدور في ذهن الاحتلال هو أن مسألة التطبيع سيتم تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات.
أرى أن أحد الأسباب لسعي نتنياهو من خلال هذه الزيارة هو للإيحاء، لمعارضيه في الداخل الإسرائيلي، بأنّ علاقته مع واشنطن لا تزال بخير. لكن الأهم في رأيي، أنه سيسعى إلى الحصول على مباركة عسكرية ودبلوماسية من الولايات المتحدة، في حال اضطرّ، في وقت لاحق، إلى تصعيد المواجهة مع حزب الله. وفي هذا الإطار، نشر موقع "مجلس العلاقات الخارجية" تقريراً حول الزيارة، جاء فيه أنّ نتنياهو سيسعى إلى تحويل الأنظار بعيداً "عن الحرب في غزة، نحو التهديد الذي تشكله إيران ووكلاؤها ليس فقط على إسرائيل، ولكن أيضاً على الولايات المتحدة"، في وقت يعتزم فيه جيش الاحتلال "إنهاء العمليات الكبرى في غزة، وتحويل انتباهه إلى جنوب لبنان، موطن حزب الله المدعوم من إيران".
وبالنسبة لملف الأسرى الإسرائيليين، نظّم "منتدى عائلات الرهائن"، الذي يضمّ أقارب أولئك، عشية زيارة نتنياهو لواشنطن، مسيرات في 30 موقعاً في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، ، حيث ناشد هؤلاء نتنياهو التوصل إلى صفقة. وكانت بعض وسائل الإعلام الأميركية قد أفادت، في وقت سابق هذا الشهر، بأنّ عائلات الرهائن الأميركيين المحتجزين في غزة، تطالب بمقابلة نتنياهو خلال رحلته القادمة إلى واشنطن، برفقة أعضاء الكونغرس الذين يمثلون مناطقهم، وذلك للضغط عليه أيضاً للمضيّ قدماً في اتفاق التبادل. ومن جهة أخرى دعا زعيم المعارضة البرلمانية الإسرائيلية، يائير لابيد، نتنياهو إلى إلغاء خطابه أمام الكونغرس في الـ 24 من يوليو/ تموز، في حال لم يكن ينوي الإعلان فيه عن التوصل إلى اتفاق. وفيما ترافق بعض عائلات الرهائن رئيس وزراء الاحتلال إلى واشنطن، فإنّ عائلات أخرى رفضت هذا الخيار.
ومع ذلك، فقد شدّد نتنياهو شروطه في الأيام الأخيرة، في محاولة لانتزاع بعض التنازلات من المقاومة. وكانت وسائل إعلام عبرية قد أفادت، في وقت سابق، بأنّ نتنياهو يأمل لقاء المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي لم يتحدث إليه منذ أن هنّأ بايدن على فوزه بانتخابات 2020، ما يعود، على الأرجح، إلى تقديرات نتنياهو بأنّ حظوظ ترامب للفوز بانتخابات تشرين الثاني أصبحت أعلى من أيّ وقت مضى.
وتعكس هذه الرغبة ما وصفتها مصادر مطّلعة، تحدثت إلى موقع "أكسيوس" الأميركي، بمساعي نتنياهو المستمرة منذ سنوات، لتحسين العلاقات مع ترامب. ويتابع الموقع أنّ الجهود التي بذلها نتنياهو، على مدى السنوات الماضية، لإصلاح العلاقات مع الرئيس الجمهوري السابق بدأت تحرز بعض التقدم، في أعقاب محاولة اغتيال ترامب، والفيديو الذي أرسله الأول إلى فريق الثاني، ويندّد فيه بمحاولة الاغتيال، والذي أعاد ترامب نشره على منصّته "تروث سوشيل". كما أنّه، وفي محاولة لاستباق أيّ تغييرات قد تطرأ على السباق الرئاسي، في ظل الحديث عن تنحّي بايدن عن المنافسة إلى نائبته الأوفر حظا "كامالا هاريس" في دعم الحزب الديمقراطي لها كمرشحة الحزب للانتخابات الرئاسية، حيث يخطّط نتنياهو لعقد لقاء معها، وهي خطوة غير مألوفة في مثل هذه الزيارات، وتعكس، على غرار السعي للقاء ترامب، رغبة نتنياهو في استشراف المستقبل السياسي لواشنطن، وضمان استمرار الحصول على الدعم السخي له بأي شكل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.