على الإسرائيليين أن يتخلوا عن سفينة نتنياهو الغارقة.. لقد خسر بالفعل

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/23 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/24 الساعة 08:46 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/الأناضول

هل تتذكرون كيف بدأت أطول حرب في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي؟ لعلنا نتذكر ما تفاخر به جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، قبل أيام من حرب غزة بقوله: "إن منطقة الشرق الأوسط أكثر هدوءاً اليوم مما كانت عليه خلال عقدين من الزمن".

عايشت إسرائيل اثنين من أكثر الرؤساء الأمريكيين تساهلاً في العلاقة بين الدولتين خلال عهدي جو بايدن ودونالد ترامب. وكان الرئيسان الراحلان رونالد ريغان وجورج بوش الأب أقوياء إذا ما قورنا ببايدن وترامب.

في وقت السلم، سمح ترامب لإسرائيل بضم مرتفعات الجولان المحتلة، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأطلق اتفاقات أبراهام، في محاولة لحمل أغنى الدول العربية على الاعتراف بإسرائيل من دون أن يكون للفلسطينيين رأي.

وفي وقت الحرب، غمر بايدن إسرائيل بالأسلحة، وصوّت مراراً وتكراراً ضد وقف فوري لإطلاق النار، وعندما حاول كبح الهجوم على رفح، تجاهله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقد فشلت استراتيجية "عناق الدب" مرة أخرى.

يمكن رؤية النتائج التي أفضت إليها كل رئاسة أمريكية في سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يظل العقبة الرئيسية في المفاوضات حول إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب التي استمرت 9 أشهر، أكثر من حماس أو الوسطاء أو حتى فريق التفاوض الإسرائيلي.

ولتعزيز فكرة أن إسرائيل لن تسحب قواتها من حدود رفح أو ممر فيلادلفيا، وهو الأمر الذي تتطلبه المرحلة الأولى من الاتفاق الذي يواصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن القول بأنه اتفاق مكتمل، قام نتنياهو بزيارة رفح للإعلان مرة أخرى أن النصر يلوح في الأفق.

ثم قصف محطة نفط رئيسية في ميناء الحديدة اليمني خلال عطلة نهاية الأسبوع رداً على الهجوم الذي نفذه الحوثيون واستهدف مدينة تل أبيب بطائرة بدون طيار الجمعة الماضية.

تهديد الاستقرار

وسارع المعلقون الإسرائيليون إلى استغلال الأهمية الاستراتيجية للهجوم الإسرائيلي.

وكتبوا أن الأمر كان أكثر من مجرد ضربة تكتيكية ضد الحوثيين، المعروفين باسم أنصار الله، بسبب هجومهم بطائرة بدون طيار على تل أبيب، والذي أسفر عن مقتل إسرائيلي وإصابة عدة أشخاص آخرين.

كانت الضربة التي استهدفت الميناء النفطي بمثابة رسالة إلى إيران، مفادها أن جزيرة خرج، وهي محطة تصدير النفط الرئيسية لديها، من المحتمل أن تكون عرضة للضربة الانتقامية التالية من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية.

لكن الضربة الإسرائيلية كانت موجهة أيضاً إلى المجتمع الدولي الذي تدعي (إسرائيل) أنها جزء منه. كانت الضربة تهدف إلى إيصال رسالة بأن إسرائيل قادرة على تعطيل شريان الطاقة في الشرق الأوسط.

وكتب المعلق موريل لوتان: "إن هذه الخطوة تذّكر المجتمع الدولي أيضاً بالتبعات الأوسع لعدم الاستقرار الإقليمي. ويرتبط الاقتصاد العالمي ارتباطاً وثيقاً بالتدفق المستمر للنفط من الشرق الأوسط".

وقال لوتان: "إن أي اضطراب كبير، خاصة في محطات التصدير الرئيسية مثل جزيرة خرج، سيكون له عواقب اقتصادية عميقة في جميع أنحاء العالم. ومن خلال توضيح إمكانية حدوث مثل هذه الاضطرابات، تحث إسرائيل ضمنياً القوى العالمية على أخذ التهديد الإيراني على محمل الجد ودعم الجهود الرامية إلى كبح أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار".

وبعبارة أخرى، هددت إسرائيل بشكل صريح استقرار تجارة النفط الدولية من خلال مهاجمة ميناء الحديدة.

وهذا تحول خطير آخر في نهج التهديد باستخدام القوة الذي طبقه نتنياهو أثناء توجهه إلى واشنطن استعداداً لخطابه هذا الأسبوع أمام الكونغرس.

وكما سيخبرك أي ربان ناقلة أو سفينة حاويات مسجلة غربية تمر عبر مضيق باب المندب عند مصب البحر الأحمر، فإن الشحن الغربي أكثر عرضة لهجمات الحوثيين، أكثر من تعرض الحوثيين أو إيران لهجوم إسرائيلي.

وكذلك الأمر بالنسبة لشركة أرامكو السعودية، التي انخفض إنتاجها إلى النصف بسبب هجوم بطائرة بدون طيار في عام 2019، أو ناقلات النفط التي تحمل البضائع في موانئ الإمارات، المعرضة للخطر من الألغام البحرية الإيرانية. وقد تلقت كلتا الدولتين الخليجيتين رسالة لامكانية تعرضهما للهجوم، وهي الرسالة التي لا تزال موجودة حتى يومنا هذا.

إرث بايدن

هذا إذن هو إرث ولاية بايدن الأولى والوحيدة في منصبه. وأمام ناظريه وبتشجيعه الحثيث، شنّت إسرائيل حرب إبادة جماعية لمدة 9 أشهر، الأمر الذي أدى إلى تجويع وتسوية غزة بالأرض، ولكنها فشلت في طرد حماس، ودفعت المنطقة بالكامل إلى حافة الحرب.

وفي عهده، رفضت إسرائيل بشكل قاطع حل الدولتين. وأصبحت إسرائيل رسمياً دولة فصل عنصري في نظر القانون الدولي.

تخوض أمريكا الآن صراعاً مفتوحاً مع أعلى محكمتين للعدالة الدولية: محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، في حين تستمر في الزعم بأنها تدافع عن نظام عالمي قائم على القواعد.

والأسوأ من ذلك كله هو أن بايدن سمح لإسرائيل بتجويع غزة عبر جميع معابرها البرية، وتمر الآن حركة المساعدات التي كان ينبغي أن تهبط على هذا الرصيف المشؤوم عبر ميناء أشدود الإسرائيلي.

علاوة على ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تحجب الأموال عن الأونروا، وهي وكالة الأمم المتحدة الوحيدة التي تعترف باللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم. وفي شهر مارس/آذار الماضي، أصدر الكونغرس قانوناً يحظر تقديم أي تمويل إضافي للأونروا حتى شهر مارس/آذار 2025 على الأقل.

لقد فقدت إسرائيل الردع عوضاً عن أن تُكسبه خلال هذه الحرب.

باتت حماس وحزب الله والجماعات المسلحة الفلسطينية المدعومة من إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن أكثر جرأة وقدرة عسكرياً على الرد بشكل لم يسبق له مثيل خلال الصراع المستمر منذ 76 عاماً.

وفي غزة، لا تزال شبكة الأنفاق سليمة. وقد أثبتت حماس ذلك من خلال استهداف الدبابات الإسرائيلية في شمال ووسط وجنوب القطاع في وقت واحد، وبث قناة الجزيرة مشاهد لعملياتها في غضون ساعات.

وتفاجأت إسرائيل بأنه بعد 9 أشهر لا تزال حماس تحتفظ بهذه السيطرة الوطنية على القطاع.

علاوة على ذلك، اعترف الجيش بأن حماس دمرت الكثير من الدبابات، بحيث لم يعد لديه ما يكفي لغزو لبنان.

وفي ملف قانوني قدمه إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، رداً على التماس يطالب بدمج المجندات في سلاح المدرعات التابع للجيش، قال الجيش إن العديد من دباباته تضررت في الحرب في غزة ولم يكن لديه ما يكفي من الذخيرة.

وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نقلاً عن مذكرة المحكمة أن "عدد الدبابات العاملة في الفيلق غير كاف لاحتياجات الحرب ولإجراء تجارب نشر المجندات".

وفي شمال إسرائيل، كانت الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار التي شنها حزب الله ضد الأهداف الإسرائيلية ومراكز جمع المعلومات الاستخبارية دقيقة للغاية.

وحتى لو أراد شن هجوم لإبعاد حزب الله عن الحدود والانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، فإن الجيش الإسرائيلي ليس في وضع يسمح له بفتح جبهة ثانية. فهو بحاجة إلى الوقت والذخيرة للتعافي من حرب غزة.

عهد جديد

لقد انتهى عصر الحملات العقابية القصيرة "لجز العشب" وإرساء سياسة الإذعان والاستسلام التي ستمتد لسنوات.

دخلت إسرائيل حقبة جديدة لا ترفع فيها جماعات المقاومة الراية البيضاء بعد بضعة أسابيع من القتال. فهؤلاء لم يذهبوا إلى المنفى، ولن يطلقوا سراح رهائنهم بسهولة.

إنهم يقاومون ويلحقون خسائر بالدبابات، وجنود الاحتياط الذين يحرسونها، وباقتصاد إسرائيل. وقد ارتفعت تكلفة هذه الحروب بشكل كبير بالنسبة لإسرائيل.

علاوة على ذلك، فإن مشاعر الغضب في العالم العربي تتزايد بشكل كبير.

ومن الإشارات الصغيرة، لكنها ذات دلالة، قصة الجندي السابق الراحل أحمد عاهد المحاميد، من محافظة معان جنوبي الأردن.

كميزة إضافية، يمكن لجنود الجيش الأردني التقدم بطلب للحصول على قرض سكني من القوات المسلحة الأردنية بعد 20 عاماً من الخدمة. وبعد وفاته، لم تكتشف عائلته إلا من خلال محاميه أن المحاميد قام بإعطاء كامل عائدات القرض الذي حصل عليه لأهل غزة.

تتدفق الأموال والسلاح على الضفة الغربية المحتلة. وليل نهار، يتزايد مستوى المقاومة للغارات الإسرائيلية. وتم استخدام قنبلتين قاتلتين ومتطورتين من الطراز العراقي على جانب الطريق في هجمات على جنود إسرائيليين ومركبات مدرعة في الشهر الماضي.

ومن هنا تنبع الخسارة الاستراتيجية الكبرى الثانية لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

من خلال اعتراض معظم الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار التي أطلقتها إيران رداً على الهجوم الإسرائيلي على سفارتها في دمشق، والعديد منها فوق المجال الجوي الأردني، تفاخرت إسرائيل بأنها حصلت على دعم جيرانها. في الواقع لم يحدث هذا.

يدرك الحكام العرب تمام الإدراك عدم قدرتهم على السيطرة على الغضب الشعبي.

أي شخص في إدارة بايدن التي ستغادر البيت الأبيض أو إدارة ترامب القادمة يتخيل أنه بعد انتهاء الحرب في غزة، ستوقع السعودية بخنوع على اتفاقيات أبراهام، وأن بإمكان الولايات المتحدة وإسرائيل العودة إلى عصر التطبيع مع إسرائيل، الذي تتقدم فيه أغنى دول الخليج فوق رؤوس الفلسطينيين، فهو يعيش في أرض الأحلام.

لقد انتهى هذا العصر أيضاً.

بالطبع، لا يزال من الممكن أن يظهر توقيع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على وثيقة يقدمها له ترامب، لكن هذا يعني أقل بكثير مما كانت عليه الأوضاع في السادس من أكتوبر/تشرين الأول.

لقد فقدت إسرائيل القدرة على تحديد مستقبل هذا الصراع. فهي وإن كانت قادرة على إبقاء السلطة الفلسطينية على أجهزة دعم الحياة المالية، لكنها اليوم أقل قدرة على إملاء أو صياغة من سيكون الرئيس الفلسطيني المقبل.

في اللحظة التي يرحل فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سيرحل أيضاً خليفتاه المختاران، حسين الشيخ، الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو ماجد فرج، رئيس جهازها الأمني. ويتمتع كل منهما بسلطة كبيرة تحت قيادة عباس، ولكن لا يتمتع أي منهما بالشرعية أو السلطة حتى داخل حركة فتح.

إن الصيغة السياسية التي تم التوصل إليها بعد اتفاقات أوسلو والتي كانت تقضي بفحص وتحديد من يمثل الفلسطينيين قد انتهت.

وهذا ما تفعله إسرائيل مثلما تفعل حماس.

إسرائيل: سفينة غارقة

وفي الأسبوع الماضي، صوّت الكنيست على رفض حل الدولتين بأغلبية ساحقة، وشمل التصويت مشاركة شخصيات ممن يسمونه التيار المعتدل، ومن بينهم زعيم المعارضة بيني غانتس وحزبه.

وجاء في الاقتراح: "إن إقامة دولة فلسطينية في قلب إسرائيل سيشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل ومواطنيها، وسيؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة".

وجاء في الاقتراح أن الأمر سيكون مجرد مسألة وقت قبل أن تستولي حماس عليها وتحولها إلى "قاعدة إرهاب إسلامي متطرف". لكن الكلمات المفتاحية هنا، ورسالتها الصهيونية الحقيقية هي كلمات "في قلب إسرائيل".

وهذا الاقتراح ليس فقط مجرد شهادة وفاة لاتفاقية أوسلو، كما قال مصطفى البرغوثي، أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية.

إنه إعلان عن حل الدولة الواحدة، دولة أقلية يهودية تسيطر على كل الأرض من النهر إلى البحر، وإنشاء دولة يهودية مرادفة لأرض إسرائيل التوراتية.

لقد كان هذا هو الهدف الصهيوني طوال الوقت.

ولا يمكن لمؤيدي حل الدولتين – ويشمل ذلك الحكومات الغربية والأمم المتحدة – أن يستمروا في تجاهل هذه الحقيقة بالذات على أرض الواقع. فالزعيم الفلسطيني الذي يعترف بإسرائيل ليس لديه من يتحدث معه.

ولم يفعل أحد أكثر مما فعل الكنيست الإسرائيلي نفسه لتدمير الحجة القائلة بأن العقوبات الاقتصادية الدولية تعيق التقدم نحو التوصل إلى حل سياسي على أساس حل الدولتين. لقد فعل الكثير لوأد هذا الأمر بالذات أكثر مما فعل المستوطنون أنفسهم.

يقودنا ذلك إلى الشيء الرابع الذي خسرته إسرائيل بينما يعد نتنياهو خطابه أمام الكونغرس: الرأي العام العالمي.

بإمكان جيل كامل من الشباب الأمريكي أن يدرك أن إسرائيل لن تسمح أبداً بقيام دولة فلسطينية حية، وأن القضية الوطنية الفلسطينية أصبحت قضية حقوق الإنسان الأولى في العالم.

يمكن لنتنياهو أن يرفض الحكم التاريخي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بشأن الأراضي المحتلة الأسبوع الماضي باعتباره "سخيفاً".

وقال نتنياهو في العاشر من الشهر الجاري إن "الشعب اليهودي لا يحتل أرضه، ولا عاصمتنا الأبدية القدس، ولا يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وطننا التاريخي."

لكنها كذلك إلى حد كبير، في نظر الرأي العام العالمي والقانون الدولي.

لقد أنجز حكم المحكمة عدة أشياء. رفض حكم محكمة العدل الدولية الحجة التي كانت المملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة تحاول إثباتها بأن المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها اختصاص للنظر في تصرفات إسرائيل في الأراضي المحتلة، لأنه بموجب اتفاقيات أوسلو، لا تستطيع السلطة الفلسطينية محاكمة القوات الإسرائيلية.

وقالت محكمة العدل الدولية إن القانون الدولي يفوق المعاهدات.

بقولها إن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ليس فقط غير قانوني ويجب إنهاؤه "في أسرع وقت ممكن"، وأن كل دولة عضو في محكمة العدل الدولية عليها واجب تحقيق ذلك، فقد أعطت محكمة العدل الدولية الدعم القانوني لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS). كما أعلنت إسرائيل دولة فصل عنصري.

والآن، سوف تتجاهل الولايات المتحدة هذا الحكم.

خلال فترة ولاية دونالد ترامب الأولى، لم يجد وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، صعوبة تذكر في فرض عقوبات على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك فاتو بنسودا، ومسؤول كبير آخر وهو فاكيسو موتشوتشوكو، فضلاً عن تقييد تأشيرات الدخول للآخرين المتورطين في تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية. ولا شك أن هذا يمكن أن يحدث مرة أخرى.

ولكن أوروبا، القارة التي تعتمد وحدتها وهويتها على أكتاف المؤسسات التي بنتها، سوف تجد صعوبة أكبر في ترك محكمة العدل الدولية في لاهاي وحيدة.

وسوف تنظر إسرائيل إلى هذا الأمر بأهمية، لأن إسرائيل قبل كل شيء يسكنها أحفاد اللاجئين من أوروبا.

وسوف يهرب الإسرائيليون إلى بريطانيا وألمانيا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا واليونان إذا خسروا هذا الصراع وأجبروا على التفاوض مع الفلسطينيين.

لماذا يحرص الكثير من الإسرائيليين الآن على الحصول على جوازات سفر أوروبية؟ إذا كانوا واثقين من البقاء في الأراضي الفلسطينية التي استعمروها، فلماذا إذن يهتمون بالحصول على موطن لجوء آخر.

ومثل هذا الحكم من شأنه أن يعزز الرأي العام ويمارس الضغوط على الحكومات في مختلف أنحاء أوروبا لحملها على تغيير موقفها. والحكومات نفسها في موقف دفاعي بالفعل، ومن الصعب عليها الدفاع عن عقود الأسلحة المبرمة مع إسرائيل.

تنجز محكمة العدل الدولية شيئاً آخر. فهي وإن كانت لا تملك سلطة تنفيذية لتنفيذ حكمها، لكنها تسمح لأي محكمة في دولة عضو، لديها سلطة قضائية على سياسة الحكومة، بالطعن في مبيعات الأسلحة أو في الواقع في أي عقد تجاري مع إسرائيل.

إذا فقدت إسرائيل المكانة الأخلاقية العالية، وإذا أصبحت رسمياً دولة فصل عنصري – ليس في رأي المنظمات غير الحكومية، ولكن في رأي أعلى محكمة دولية – وإذا خلقت معارضة قوية بالملايين حول العالم، ستتوقف الشركات عن التجارة مع إسرائيل. وهناك مجموعة من العقوبات العالمية المفروضة على إسرائيل بالفعل.

إن فقدان الردع، والتخلي عن المفاوضات من خلال الإعلان الذي لا لبس فيه بأن كل الأرض مملوكة للشعب اليهودي، وفقدان الرأي العام العالمي، والآن الإدانة القانونية للقانون الدولي – كل ذلك يجب أن يقود الإسرائيليين العمليين إلى نتيجة واحدة: لقد حان الوقت لوقف القتال والتحدث.

في الوقت الحالي تظهر عليهم كل علامات السقوط مع السفينة الغارقة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ديفيد هيرست
كاتب صحفي بريطاني
ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، وكبير الكتاب في الجارديان البريطانية سابقاً
تحميل المزيد