في خطوة عدوانية جديدة، شن طيران الاحتلال الإسرائيلي هجومًا على مدينة الحديدة في اليمن، مستهدفًا خزانات الوقود ومحطة توليد الكهرباء. أسفر الهجوم، وفقًا لوزارة الصحة اليمنية، عن إصابة 80 شخصًا. تأتي هذه الخطوة في سياق استراتيجي معقد يحمل في طياته العديد من الدوافع والأبعاد.
إذ يبدو أن إسرائيل اختارت عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبتها في عدوانها على لبنان. فقد قررت إسرائيل عدم الانتظار وتصعيد الهجوم منذ اليوم الأول، مشيرة إلى أنها تعلمت درسًا من عدم التصعيد المبكر. هذه السياسة العدوانية الجديدة تهدف إلى توجيه ضربات سريعة وفعالة منذ البداية لضمان تحقيق الأهداف العسكرية دون إتاحة الفرصة في المقابل للرد.
وأعتقد أن الاحتلال اختار استهداف الحديدة، الواقعة على البحر الأحمر، لتجنب تعمق الطائرات في الداخل اليمني. إذ يعد استهداف الأهداف المدنية الواضحة جزءًا من استراتيجية إسرائيل المعتادة لضمان ضربات سريعة ومؤلمة. هذه الخطوة تعكس رغبة الاحتلال في تقليل المخاطر على طائراته، مع الحفاظ على الضغط العسكري على الحوثيين.
استمرار الدعم الأمريكي
رغم إنكار الولايات المتحدة لمشاركتها المباشرة، لا يخفى على أحد أن الدعم الأمريكي لطيران الاحتلال الإسرائيلي لا يزال قائمًا. لكن تبقى تفاصيل هذا الدعم غير معلومة بشكل كامل، مما يثير تساؤلات حول مدى التورط الأمريكي في الهجوم. فالدعم الأمريكي المستمر يعزز من قدرة الاحتلال على تنفيذ عملياته العسكرية، ويضع الولايات المتحدة في موقف محرج أمام المجتمع الدولي.
ولا أعتقد أن يوقف هذا العدوان الهجمات اليمنية بل على العكس سيزيدها. ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يُراهن على نجاح هجوم تل أبيب كضربة حظ لن تتكرر، معتقدًا أن هذا سيجعل يد إسرائيل العليا في المواجهة. ومع ذلك، قد يجد نتنياهو أن تقديراته كانت خاطئة. فالهجوم على الأهداف المدنية قد يعزز من دعم الحوثيين ويزيد من دعمهم الشعبي، مما يصعب من مهمة إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية.
أعتقد أن هذا الهجوم ربما يعزز شعبية محور المقاومة في المنطقة، خاصةً أن الخسائر كانت مدنية. بدلاً من تحقيق عزل إيران، في المقابل، قد تجد إسرائيل نفسها ودولتها في عزلة أكبر. فهذه الضربات قد تؤدي إلى تقوية محور المقاومة في المنطقة، مما يفاقم من التحديات التي يواجهها الاحتلال على الصعيدين العسكري والسياسي.
التساؤلات حول القدرة الإسرائيلية على الاستمرار
إذا استمرت الهجمات المماثلة لما حدث في تل أبيب، هل تستطيع إسرائيل مواصلة هذه الضربات بشكل شبه يومي؟ وهل يمكن لطائراتها التوغل في العمق اليمني؟ وإذا انشغلت بضرب اليمن، هل تستطيع إشعال حرب في لبنان؟ يبدو أن الاحتلال يستنزف نفسه بشكل ما رغم الدعم والسلاح الأمريكي والأوروبي، مما يطرح تساؤلات حول مقدرة استدامة هذا النهج العدواني بنفس الوتيرة. فاستمرار هذه العمليات قد يؤدي إلى تآكل القدرة العسكرية الإسرائيلية وزيادة التوترات الداخلية.
الاضطرابات الداخلية في إسرائيل
فبعد الهجوم على اليمن، ربما يحتج بعض المستوطنين الاسرائيليين شمال فلسطين المحتلة على حكومتهم التي هاجمت اليمن بسبب طائرة مسيرة واحدة ضربت تل أبيب، في حين يتعرضون لضربات يومية أكبر دون رد مماثل تجاه لبنان. تعتبر المعاملة الخاصة التي تتمتع بها تل أبيب موضوعًا داخليًا حساسًا، خاصة بين المستوطنين في مناطق الشمال وغلاف غزة ومستوطنات الضفة. لإسكات الانتقادات، ستقوم طائرات الاحتلال بقصف جنوب لبنان بشكل مكثف، مما يعكس الطريقة التي تدار بها دولة الاحتلال، حيث تستجيب الحكومة لمستوطنيها المتطرفين عبر ارتكاب اعتداءات جديدة لإثبات أنها عدوانية بشكل الكافي الذي يريدونه.
يخوض الاحتلال الإسرائيلي حروبًا على خمس جبهات: غزة، لبنان، الضفة، اليمن، والصراع الداخلي الذي يتفاقم كل يوم. هذا الوضع يعكس التحديات المركبة التي يواجهها الاحتلال في سياستها الخارجية والداخلية على حد سواء. واستدامة هذه الجبهات المفتوحة تضع الاحتلال أمام اختبار صعب لقدرته على الصمود وتحقيق أهدافه دون أن ينهك قواه. وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن الاحتلال يتجه نحو مزيد من العزلة والتحديات، سواء من خلال سياسته العدوانية أو عبر التعامل مع الضغوط الداخلية المتزايدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.