مع إعلان المحامية والسياسية ونائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس عن ترشحها للانتخابات الرئاسية، ربما يثار النقاش المجتمعي مجددًا حول الفجوات الجندرية ويُسلط الضوء على التحديات التي تواجه النساء في المجال السياسي. إذ تعكس مسألة التفاوتات الجندرية صورة مقلقة لحالة المساواة بين الجنسين على الساحة العالمية، حيث تظل هناك العديد من العقبات التي تعيق تقدم النساء نحو تحقيق المساواة الكاملة.
تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين: نظرة عامة
كشف تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين مؤخرًا عن استمرار الفجوات الجندرية في مجالات حيويةٍ عدة، مثل المشاركة الاقتصادية، والتحصيل التعليمي، والصحة، والتمكين السياسي. وأشار التقرير إلى أن تحقيق المساواة بين الجنسين قد يستغرق أكثر من مئة عام إذا استمرت الوتيرة الحالية، وقد تكون الفترة المطلوبة لسد الفجوة بين الجنسين أطول، خاصة في المجال السياسي ومراكز اتخاذ القرار. فعلى سبيل المثال، تظل النساء ممثلات بشكل غير كافٍ في المناصب الإدارية العليا حتى في الدول الديمقراطية الغربية، حيث توجد فقط 24 امرأة من بين أفضل 500 قائد شركة في الولايات المتحدة وهناك 27 دولة فقط بها 28 امرأة تشغل مناصب رؤساء دول أو حكومات.
التحديات السياسية والعنف ضد النساء
تظهر الفجوات الجندرية بشكل ملحوظ في المجال السياسي، حيث تواجه النساء العديد من العوائق التي تحد من تمثيلهنّ. فقد كشفت دراسة الاتحاد البرلماني الدولي (IPU) لعام 2016، التي شملت 93 دولة في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية والولايات المتحدة، عن مستوياتٍ مرتفعة من التحرش والتمييز ضد البرلمانيات. أفادت %81.8 من النائبات بتعرضهن للتحرش والتمييز على أساس الجنس خلال فترة ولايتِهنّ.
وقد نُشر مؤخرًا تقرير بعنوان "العنف ضد النساء الناشطات في السياسة في الاتحاد الأوروبي: عقبة خطيرة أمام المشاركة السياسية" في فبراير/شباط 2024. يسلط التقرير الضوء على استمرار ظاهرة العنف ضد النساء الناشطات في المجال السياسي في أوروبا. إذ كشفت الدراسة أن %85 من البرلمانيات تعرضن للعنف النفسي، وتعرضت %46 منهن لتهديدات بالقتل أو الاغتصاب أو الضرب، بينما واجهت %25 منهن تحرشًا جنسيًا. علاوة على ذلك، تعرضت %58 من البرلمانيات لاستهداف عبر الإنترنت، وتعرضت %68 منهن لتعليقات جنسية. تكشف هذه الإحصاءات عن حجم التحديات الكبيرة التي تواجه النساء في الأدوار السياسية، مما يبرز الحاجة الملحّة لاتخاذ إجراءات قوية لحمايتهن وضمان مشاركتهن المتساوية في الساحة السياسية.
واقع النساء في المناصب العليا
تظل النساء في مناصب رؤساء الدول والحكومات أقلية نسبية، مما يعكس فجوة ملحوظة في القيادة السياسية العالمية. وفقاً لتقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة، اعتبارًا من 1 يونيو/حزيران 2024، هناك 27 دولة فقط بها 28 امرأة تشغل مناصب رؤساء دول أو حكومات، وترى الدراسة أن تحقيق المساواة بين الجنسين في المناصب العليا قد يستغرق حوالي 130 عاماً. النساء تشكل 23.3% فقط من أعضاء مجلس الوزراء المسؤولين عن مجالات السياسة، و 15 دولة فقط بها ما لا يقل عن 50% من النساء في المناصب الوزارية. وغالبًا ما تتولى النساء حقائب وزارية تتعلق بالمساواة بين الجنسين، شؤون الأسرة، والحماية الاجتماعية، مما يسلط الضوء على أن النساء غالبًا ما يُقتصرن على مجالات معينة بدلاً من أن يكون لهن حضور قوي في جميع مجالات السياسة.
في كتابهما "عبر المتاهة: الحقيقة في كيفية أن تصير النساء قائدات" (Through the Labyrinth: The Truth about How Women Become Leaders)، تتناول اليس إيجلي وليندا كارلي تحديات القيادة التي تواجه النساء. يصف الكتاب رحلة النساء الطامحات نحو مراكز القيادة بـ"المتاهة"، حيث تواجه النساء مسارات ملتوية ومعقدة نحو النجاح في مجالات القيادة. تشير المؤلفتان إلى أن النساء لا يتحدين فقط الأسقف الزجاجية، بل يواجهن أيضًا تحديات تتعلق بثقتهن في عدم استحقاقهن للأدوار القيادية بسبب التحديات الاجتماعية التي نشأن عليها. من بين هذه التحديات غياب الدعم المؤسسي، وصعوبة بناء شبكات من المعارف، وعدم توفر الفرص الكافية، بالإضافة إلى التوقعات الثقافية التي تفترض عمومًا فشل النساء في الاحتفاظ بالمناصب القيادية بسبب مسؤولياتهن المنزلية.
وجهات نظر أمريكية حول النساء في مراكز القيادة
تظهر الدراسات في الولايات المتحدة تباينًا كبيرًا في وجهات النظر حول النساء في المناصب العليا. وفقاً لدراسة صادرة عن مركز بيو للأبحاث قبيل الانتخابات الرئاسية للأبحاث بواشنطن بعنوان "النساء والقيادة السياسية قبل انتخابات 2024: وجهات نظر الجمهور حول العقبات التي تواجه النساء في السياسة وتأثير وجود امرأة رئيسة"، فإن 18% فقط من البالغين في الولايات المتحدة يعتبرون انتخاب امرأة رئيسة أمرًا بالغ الأهمية، بينما يرى 64% أن الأمر أقل أهمية أو غير ذي صلة. و25% من المشاركين يعتقدون أن الولايات المتحدة قد تنتخب امرأة رئيسة قريباً، بينما يرى نصف البالغين تقريباً أن ذلك محتمل إلى حد ما. ورغم أن 53% يشعرون بوجود عدد قليل جداً من النساء في المناصب السياسية العليا، فقد انخفض هذا الرقم من 59% في عام 2018، مما يعكس تحسنًا طفيفًا ولكن غير كافٍ. كما يشير التقرير إلى أن العوائق الرئيسية أمام وصول امرأة إلى سدة الحكم تشمل الحاجة إلى سعي النساء لتثبيت أنفسهن أكثر (54%)، التمييز على أساس الجنس (47%)، والمسؤوليات العائلية التي تعيق النساء من القيام بمثل هذه الأدوار (44%). ويشير 62% إلى أن الإعلام يركز بشكل مفرط على مظهر النساء، بينما يرى 52% أنه مجرد مسألة وقت قبل أن تتولى النساء عددًا مماثلًا من المناصب العليا مثل الرجال.
ومن هنا ، يبرز ترشح كامالا هاريس للانتخابات الرئاسية ربما كفرصة هامة لتسليط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه النساء في السياسة. تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب جهودًا متكاملة على جميع الأصعدة، من تحسين التمثيل في المناصب العليا إلى مكافحة العنف والتمييز وكذلك العنصرية. إن الوقت الراهن هو الأنسب لإعادة التفكير في السياسات التي تدعم المساواة وتدعم تمثيلًا عادلًا لجميع الأفراد، بغض النظر عن جنسهم أو عرقهم. ولذلك، فإن الانتخابات الرئاسية المقبلة تقدم فرصة كبيرة لإعادة تقييم وتطوير السياسات التي تعزز المساواة وتضمن تمثيلاً عادلاً وشاملاً في جميع المجالات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.