لماذا يرفض نتنياهو الدولة الفلسطينية؟ نظرة إلى عقلية التيار اليميني الإسرائيلي (2)

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/17 الساعة 13:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/17 الساعة 13:28 بتوقيت غرينتش

بعد أن ناقشنا في الجزء الأول من هذه المقالة تطور الفكر اليميني الإسرائيلي وتعمقنا في حزب الليكود الذي يعتبر من أهم الأحزاب اليمينية الإسرائيلية. في هذا الجزء سنحاول التركيز بشكل أكبر على مميزات الفكر اليميني الإسرائيلي حتى نستطيع الحكم حول إمكانية قيام الدولة الفلسطينية مستقبلاً.

إن الهدف من التركيز على ميزات الفكر اليميني الإسرائيلي هو محاولة لمعرفة كيف يتحرك التيار اليميني المتطرف وما هي أهم الأفكار التي ينطلق منها. إن معرفة المنطلقات التي يتحرك منها التيار اليميني المتطرف أمر مهم لمعرفة ما هي أهم القرارات المستقبلية التي يمكن أن يأخذها هذا التيار ومدى تأثير هذه السياسات على إمكانية قيام الدولة الفلسطينية. 

1- مميزات الفكر اليميني

يتميز أقصى اليمين الجديد بفجاجته ومعاداته المباشرة للفلسطينيين، وتبجيل العظمة القومية، واعتقاده بإمكانية الحسم من خلال القوة حصراً، إضافة إلى نزعته الشعوبية واعتقاده بطبيعية الفوقية اليهودية، ومناهضة النخب والمؤسسة القضائية وقيم الليبرالية والمساواة.

تنضوي تحت مظلة اليمين الجديد مجموعة من الأحزاب، ومن خلال أدوات متنوعة جداً تجتمع على ضرورة:
1- السيطرة على أرض إسرائيل، 2- ترسيخ طابع إسرائيل كدولة قومية يهودية حصرية، 3- بناء الهوية الجماعية على أساس يهودية محافظة.

وعلى غرار أحزاب اليمين العالمية ذات النزعة الفاشية المتمادية التي تتميز بوجود زعيم كاريزمي يتمتع بولاء شبه مطلق من جماعات كاملة مثل فيكتور أوربان في هنغاريا أو ناريندرا مودي في الهند وبولسونارو في البرازيل وبوتين في روسيا، فإن اليمين الإسرائيلي الجديد يتحلق حول نتنياهو ويرى فيه قائداً عظيماً استثنائياً ما يؤهله لقيادة مشروع الخلاص المرغوب واستكماله.

تتشارك تيارات اليمين الجديد الإسرائيلي مع أحزاب أقصى اليمين العالمي الأيديولوجيا في:

1- تقديس أرض إسرائيل وأصلنة المستوطنين المهاجرين من خلال إعادة تأطيرهم بنزعة قومية.

2- النزعة الشعبوية التي تنطوي على معاداة قيم الليبرالية والمساواة واعتبارها تهدد الهوية الجماعية ومصلحة الدولة.
3- تمجيد القوة وقيم الردع والنزعة السلطوية.

أ- الأصلانية القومية وتقديس أرض إسرائيل

تتخذ الأيديولوجيا الأصلانية القومية في السياق الاستعماري الصهيوني معاني مختلفة، وتنطوي على إسقاطات بعيدة المدى على حقوق الشعب الفلسطيني، تقوم الأيديولوجيا القومية الأصلانية على الدمج بين القومية الشوفينية من جهة وكراهية الأغراب من جهة أخرى. تنعكس هذه الأيديولوجيا في الحالة الإسرائيلية على شكل مشاعر ربوبية وتصرف معتنقيها على أساس كونهم أسياد البلاد ويتم بناء على ذلك التعامل مع الفلسطينيين كغرباء ومارقين.

بالطبع لا يشكل ادعاء كون الفلسطينيين غرباء وعدم أصالتهم اختراعاً يمينياً بل دائماً وأبداً شكل أحد مصادر التبرير الصهيوني لاستعمار فلسطين، لكن أهميته وإعادة التأكيد عليه تأتي ضمن مشروع إعادة الهيبة الصهيونية بعدما تفككت وتهاوت في ظل الأبحاث المختلفة بما فيها تلك التي صدرت من قبل ما يسمى المؤرخين الجدد وتيار ما بعد الصهيونية الذي تتهمه الحركة اليمينية بكراهية الذات والعمل على تدمير الدولة.

ب- الشعبوية

ينطلق اليمين الجديد في إسرائيل من ادعاء أساسي أنّه هو من يمثل الشعب اليهودي الحقيقي ووحده الذي يعبر عن تطلعاته وإرادته في مواجهة اليسار والنخب الفاسدة وإسرائيل الأولى ومؤسسات الدولة العميقة المتآمرة لإفشال حكم الشعب ، كما عبر عنها نتنياهو في اليوم الأول لبدء محاكمته في مايو 2020 في تهم رشوة وفساد.

ج- تمجيد القوة والنزعة السلطوية

اعتمد اليمين الجديد والقديم باستمرار خيار القوة واعتقد أنّ الردع أداة حصرية لخوض الصراع وتبنته الصهيونية المؤسسة وحوله بن غوريون إلى عقيدة أمنية. يشكل الادعاء بأن العرب يفهمون لغة القوة فقط عمود ارتكاز خطاب اليمين تجاه العرب عامة والفلسطينيين بشكل خاص، وعلى أساسه يسند منظوره حول كيفية إخضاعهم لمشروع الصهيونية بتجلياته الاستعمارية والاستيطانية اللاحقة.

2- مستقبل دولة فلسطين

ويكشف لنا تاريخ الصراع العربي-الصهيوني خلال قرن من الزمان، أن البعد السياسي (موازين القوى) هو العامل الحاسم في تحديد مستقبل الصراع، وهو ما يعني أن مستقبل الدولة الفلسطينية لن يكون إلا انعكاساً لموازين القوى المحتملة والممكنة والمأمولة.

وعند التوقف عند مفهوم الدولة الفلسطينية في الأدبيات السياسية لأطراف اللجنة الرباعية الخاصة بتسوية الوضع الفلسطيني (المكونة من: الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، نجد أنها دولة تحددها موازين التفاوض بين الأطراف، وليست دولة تحددها قواعد القانون الدولي وقرارات المحاكم الدولية أو قرارات مجلس الأمن الدولي. 

ويرتكز الاعتراض الإسرائيلي في فكرة الدولة ثنائية القومية على الرغبة في إبقاء إسرائيل دولة لكل اليهود في أي مكان من العالم، وليست دولة لجميع مواطنيها، أي أن اليهود لهم وحدهم الحق في العودة لإسرائيل، في حين لا حق للفلسطينيين في العودة، لأن من شأن ذلك أن يهدد غلبة اليهود الديمغرافية.

يمكن إجمال عقبات تطبيق فكرة حل الدولتين بالنسبة لإسرائيل بالنحو التالي:

1- بالنسبة للمستوطنات، فإن أي اتفاق إسرائيلي- فلسطيني يقضي بإخلاء عدد يصل إلى 100,000 إسرائيلي من ديارهم، وتتجاوز هذه المهمة القدرة السياسية، لأي حكومة إسرائيلية، وبعض هذه المستوطنات لها أهمية تاريخية ودينية مثل عوفرا وبيت إيل، بالإضافة إلى ذلك فإن التكلفة المباشرة لهذا الإجلاء ستكون أكثر من 30 مليار دولار وهي تكلفة باهظة لا يتحملها الاقتصاد الإسرائيلي.

2- بالنسبة للأمن، فإن الانسحاب من 97% من مساحة الضفة الغربية سيخلق وضعاً أكثر خطورة لن تكون فيه إسرائيل قادرة على الدفاع عن حدودها، ولم يعد من المقبول في إسرائيل تقديم تنازلات مؤلمة وتقبل المخاطر الأمنية.

3- لعدم وجود شريك فلسطيني موثوق به وقوي، فإنه من المرجح أن يؤدي الاتفاق الذي تتخلى فيه إسرائيل عن الأراضي الحيوية إلى سقوط الضفة الغربية تحت سيطرة حماس كما حدث في قطاع غزة.

4- بخصوص مدينة القدس، فحتى لو كان من الممكن الموافقة على تقسيم المدينة المقدسة بأن تصبح الأحياء العربية جزءاً من الدولة الفلسطينية، فإن إسرائيل لن تتخلى عن السيادة الكاملة على جبل الهيكل (المسجد الأقصى) ولن يقبل الفلسطينيون ذلك.

أما بالنسبة للفلسطينيين فإن حل الدولتين غير واقعي وغير منطقي، لأن هذا الحل لا يمكن له أن يعالج قضيتين أساسيتين، وهما قضية اللاجئين وقضية فلسطينيي الداخل، أي: أنّه لا يضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم وديارهم، كما أن حل الدولتين لا يضمن الحقوق الجماعية لفلسطينيي الداخل الذين يواجهون التمييز العنصري، ويعاملون على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.

بن غفير وبينيامين نتنياهو/ الأناضول

خاتمة

إن الرفض الذي يبديه نتنياهو اليوم لوجود دولة فلسطين إنما هو رفض تيار كامل ، هو التيار اليميني المتطرف، وعلى الرغم من أن دولة إسرائيل قامت على فكرة أرض بدون شعب، وقد كان هذا أحد المبررات المهمة عند قيام إسرائيل كدولة ، إلا أن التيار اليميني الذي حاولنا تسليط الضوء عليه يتميز بمواقف أكثر تشدداً ضد وجود دولة فلسطين.

في رأينا أن وجود دولة فلسطين في المستقبل القريب أمر مستبعد، فعلى الرغم من كل الهزات والمشاكل الداخلية التي تتعرض لها الحكومة اليمينية ، إلا أن أفكار هذا التيار أصبحت مقنعة لقطاع واسع من الشعب. في رأينا أن الأفكار المعادية للفلسطينيين ستتزايد بشكل أكبر في الداخل الإسرائيلي في الفترة المقبلة، خصوصاً مع القدرة على استخدام هجمات السابع من أكتوبر كذريعة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إبراهيم بامطرف
طالب ماجستير وباحث سياسي
طالب ماجستير وباحث سياسي
تحميل المزيد