تُعتبر قضية الدولة الفلسطينية واحدة من أكثر القضايا إثارةً للنقاش مؤخراً، خصوصًا مع تصاعد التكهنات حيال مستقبل القضية الفلسطينية بسبب أحداث السابع من أكتوبر. فقد تصاعدت الآراء المحتقنة المعادية لدولة فلسطين من قبل اليمين الإسرائيلي المتطرف، وقد استخدم هذا التيار هجمات السابع من أكتوبر كمبرر لرفض الدولة الفلسطينية.
وعند الحديث عن الدولة الفلسطينية فإننا نتحدث عن سنوات طويلة من التداول والمفاوضات والصراع والأخذ والرد. فقد كانت على الدوام قضية دولة فلسطين قضية مركزية في أي مفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بل ولطالما كانت قضية مركزية عند الحديث عن الوضع في فلسطين وإسرائيل بشكل عام.
وفي الجزء الأول من هذه المقالة سوف نركز بشكل رئيسي على الفكر اليميني المتطرف وتطوره ومدى تأثيره على الواقع السياسي في الكيان الإسرائيلي. ثم نسلط الضوء بشكل رئيسي بعدها على أفكار حزب الليكود باعتباره أقوى الأحزاب اليمينية في الكيان الصهيوني في الوقت الحالي.
وسنناقش في القسم الثاني من هذه المقالة، مميزات الفكر اليميني وذلك لمحاولة معرفة مستقبل الدولة الفلسطينية بناء على أفكار هذا التيار السياسي.
1- تطور الفكر اليميني الإسرائيلي
عند النظر إلى التاريخ السياسي لإسرائيل سنرى أن هناك أفكارًا علمانية كانت واضحة وراسخة في الأحزاب المركزية في إسرائيل وذلك بداية من تأسيس إسرائيل في الأربعينيات من القرن الماضي. فقد تراجعت قوة العلمانيين إلى 40% من الإسرائيليين بعد أن كانوا يشكلون 85% من اليهود في عام 1948.
ولو نظرنا بشكل أقرب سنرى أن حكومة رابين الثانية في التسعينيات جسدت آخر مراحل الصهيونية المؤسسة والتي تميزت بالاشتراكية العلمانية. تشكلت الحكومة بعد أن حصل حزب العمل في انتخابات الكنيست التي جرت في يونيو 1993 على 44 مقعدًا. وفي 13 سبتمبر 1993، وقعت حكومة رابين مع منظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي الذي يعرف باتفاق أوسلو الأول، الذي أفضى إلى انسحاب إسرائيل من المدن الفلسطينية وإقامة السلطة الفلسطينية. وبغض النظر إن كان الاتفاق سيفضي بالفعل إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، فإنه سوق من قبل معسكر المعارض اليميني الذي شمل في حينه حزب الليكود وحزبي تسومت وموليدت إضافة إلى الصهيونية الدينية بأنه تنازل عن أجزاء من الوطن وينطوي على خطر وجودي يهدد مستقبل إسرائيل.
في 4 نوفمبر 1995 اغتيل إسحاق رابين على يد يغئال عمير، وهو طالب حقوق متدين من أصل شرقي يمني، بهدف إيقاف الانسحاب من أرض إسرائيل، وبحسب كلام يغئال أمام لجنة التحقيق الرسمية التي شكلت على خلفية الاغتيال فإن هذا الاغتيال جاء مدعومًا بفتاوى دينية، ولم يكن ليقوم بذلك من دون هذه الفتاوى.
يعتبر اغتيال رابين بمثابة حرب طاحنة ثقافية بين من يعرفون أنفسهم كيهود ومن يعرفون أنفسهم كإسرائيليين أو بين تل أبيب والقدس: فالأولى تمثل الإسرائيلي العلماني الحديث الذي ينظر للغد، والثانية تمثل اليهودي الذي يريد العودة إلى الماضي التليد. على ضوء ذلك يمكن القول إن اغتيال رابين شكل لحظة انتصار للتيار اليهودي الذي يحلم بغد على صورة ماض سحيق، وهزيمة للمشروع الصهيوني بصبغتيه المؤسسة العلمانية-الغربية-الأشكنازية الذي بنى فكرته على قدرته على التحكم بالمستقبل. وفعليًا نجح الاغتيال في تغيير المشهد السياسي ووجهته، وفي أثره دخل معسكر الصهيونية المؤسسة في مسار أفول مستمر.
تشكل لحظة تشكيل نتنياهو حكومته الثانية في 2009 لحظة تتويج صعود اليمين الجديد واستكمال انزياح الحقل السياسي الإسرائيلي نحو اليمين الشعبوي المتطرف.
كل هذا أدى إلى انتقال الخطاب السياسي في إسرائيل من معادلة "إسرائيل دولة يهودية-ديمقراطية" كما عبر عنه قانون أساس كرامة الإنسان وحريته الذي صودق عليه في عام 1992 إلى معادلة إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي التي نتج عنها قانون القومية في عام 2017 الذي أسقط مركب الديمقراطية من المعادلة.
2- نظرة إلى حزب الليكود وأفكاره
إن التحالف اليميني اليوم الذي يقود إسرائيل هو تحالف مكون من عدّة أحزاب يهودية دينية هي "حزب الليكود" و"حزب شاس" و"حزب الصهيونية الدينية" و"حزب يهودت هتوراه"، تجمعها الأيديولوجيا المتشابهة، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وسنركز في هذا المقال على حزب الليكود باعتباره هو الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي.
"حزب الليكود"
يعرف "حزب الليكود" بأنه حزب صهيوني من اليمين الليبرالي، يؤمن بفكر المحافظين الجدد. حكم "حزب الليكود" إسرائيل بين عامي 1977 و1984، ثم بين عامي 1986 و1992، وبين عامي 1996 و1999، ووصل الحزب إلى السلطة بين عامي 2001 و2005، بقيادة آرييل شارون، قبل أن ينشق الأخير ليشكل حزبًا جديدًا باسم "كاديما"، ويتسلم من بعده بنيامين نتنياهو رئاسة الحزب إلى عام 2009.
فتبنى "حزب الليكود" التوجه اليميني الليبرالي، ويعرف بأنه حزب صهيوني يؤمن بفكر المحافظين الجدد، ووضع لنفسه جملة أسس تشكل دستوره أو توجهه المذهبي والسياسي، أبرزها إيمانه بما يسميه إسرائيل التاريخية، وتشجيع هجرة اليهود من العالم العربي وغيره إلى إسرائيل.
فيما يعتمد المنطلق الأيديولوجي والفكري للصهيونية الدينية على "التوراة" كأساس يمنح اليهود "الحق" في إقامة وطن قومي بفلسطين، وذلك على عكس التيارات الدينية اليهودية الأخرى التي ترى أن قيام "إسرائيل اليهودية" يتحقق فقط بمجيء "المخلّص".
إذن فيمكن القول بأن الفكر اليميني الإسرائيلي قد عاش أفضل عصوره الذهبية في الثلاثين سنة الأخيرة، وهو ما جعله قادرًا على قيادة دفة الدولة في الوقت الحالي. كما أن حزب الليكود وهو أقوى الأحزاب اليمينية الإسرائيلية حاليًا استفاد من تحالفاته مع باقي القوى اليمينية ليكون الحزب الحاكم في الوقت الحالي.
أما في القسم الثاني من هذه المقالة فسنركز بشكل رئيسي على ميزات الفكر اليميني الإسرائيلي ومواقفه من القضية الفلسطينية بشيء من التفصيل، وهذا ما سيساعدنا للوصول إلى حكم حيال مدى إمكانية قيام الدولة الفلسطينية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.