في الوقت الذي يحتفل فيه حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعيده الخامس والسبعين، يواجه التحالف تحديات متزايدة في ظل أخطر تصعيد عسكري وأمني منذ الحرب الباردة. عقد الحلف قمته في واشنطن من 9 إلى 11 يوليو/تموز، مع التركيز على النزاعات في أوكرانيا ضد روسيا، والتوترات في المحيطين الهادئ والهندي ضد الصين، وكذلك التحديات الأمنية في الشرق الأوسط بما في ذلك تعاونه مع الاحتلال في حرب إبادة على غزة، ودعمه ضد إيران وحزب الله.
في ظل ذلك، تظهر تحديات جمّة تعكس الصورة الحقيقية لتحالف يبدو أنه يفقد بعضًا من بريقه وفاعليته العسكرية في ظل تصاعد الغموض حول مستقبل النزاع في أوكرانيا. هذا النزاع، الذي تقدمت فيه روسيا على نحو ملحوظ، يطرح تساؤلات حول قدرة أوكرانيا على مواصلة المقاومة، ما يشير إلى ضعف واضح في استراتيجيات الحلف الدفاعية ويسلط الضوء على الاضطرابات السياسية التي تجتاح جانبي الأطلسي.
في هذه الأجواء المتوترة، سعى الرئيس الأمريكي جو بايدن لاستغلال فعاليات هذه القمة، لإعادة بناء الثقة في مواقف واشنطن والتأكيد على استمراريتها وثباتها في دعم الحلف. بالإضافة إلى ذلك، يحاول بايدن رئيس أقوى دولة في الحلف، معالجة التحديات الداخلية التي تواجه حملته الانتخابية، المثقلة بالمشاكل والتي تعقدت بشكل أكبر بعد أدائه الذي وصف بالكارثي في مناظرة تلفزيونية ضد خصمه السابق، دونالد ترامب، وسط أخبار تفيد بأن بعض الديمقراطيين راغبون في البحث عن بديل لترشيحه.
من جهة أخرى، يظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بصورة متراجعة خلال القمة، وهو أيضًا يواجه تحديات سياسية داخلية غير مسبوقة بعد صعود اليمين المتطرف وانتصار تحالف اليسار في الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها وفشل في كسبها، مما أضعف موقفه السياسي وقدرته على توجيه السياسة الفرنسية على المستوى الأوروبي والدولي.
الانتباه يتجه كذلك نحو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي يحمل حاليًا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وسط جدل مثار حول زيارته الأخيرة لموسكو حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين في محاولة للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية، لا تلقى دعمًا من واشنطن أو لندن. يعكس هذا التوجه تحديًا داخل الناتو حيث يحذر البعض من احتمال أن تنضم دول أخرى إلى المجر في سعيها لتجنب المخاطر المرتبطة بتقلبات السياسة الأمريكية والأوروبية وما قد ينتج عنه من انهيار محتمل للجيش الأوكراني خلال الأشهر القادمة.
وفقًا لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، فإن ولاية ترامب الثانية المحتملة، إلى جانب التآكل الحقيقي للروابط عبر الأطلسي في وقت تتزايد فيه التهديدات الأوروبية، قد تكون الأزمة التي تقصم ظهر الاتحاد الأوروبي. فحتى في أفريقيا، يواجه الغرب تقلصًا غير مسبوق في نفوذه، مع سحب الجيش الأمريكي لقواته من قواعده العسكرية في النيجر وفرنسا التي انسحبت من مالي والنيجر وبوركينا فاسو. بينما في آسيا، تعزز موسكو نفوذها من خلال تحالفات مع كوريا الشمالية والفيتنام، بينما تتابع الهند تعزيز علاقتها الاقتصادية والعسكرية مع روسيا.
وفي الشرق الأوسط، تواجه واشنطن صعوبات في الحفاظ على تحالفاتها مع الدول العربية، وتظل في حالة تأهب لمنع باكستان من تقديم أسلحة نووية لتركيا أو السعودية في حال تدهور الوضع بشكل خطير. في ظل كل هذه التحديات، يقف الاقتصاد العالمي ومنظومة العملة الأمريكية على حافة أزمة مالية عالمية غير مسبوقة بسبب الارتفاع الهائل في حجم الديون.
في محاولة لجمع شتاته، يبرز حلف الناتو كتحالف عسكري يسعى إلى توسيع دوره العالمي وتعزيز سلطته الاستراتيجية في ظل وقت تتآكل هيمنته عالميًا، لذلك ربما سيحاول مستقبلاً صنع شراكات جديدة تمتد من شمال الأطلسي إلى المحيطين الهندي والهادئ. هذا التوسع، يعكس سعي الحلف لتعزيز قدراته العسكرية والاستخباراتية كأداة للهيمنة الأمريكية عالميًا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.