ربما سيمثل انتخاب حزب العمال في المملكة المتحدة تحولا كبيرا في السياسة الخارجية للبلاد، مع تداعيات على موقفها من القضايا العالمية الرئيسية مثل الصراع الأوكراني الروسي وعدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة. وفي حين أن برنامج السياسة الخارجية لحزب العمال يشترك في بعض أوجه التشابه، مع برنامج الحكومة المحافظة السابقة، إلا أن هناك اختلافات ملحوظة في اللهجة والنهج، التي من المرجح أن تشكل علاقات المملكة المتحدة مع الشركاء الدوليين واستجابتها للأزمات العالمية.
الصراع بين أوكرانيا وروسيا
تعهد حزب العمال البريطاني بتقديم دعم "قوي" لأوكرانيا في صراعها مع روسيا، حيث قام وزير الخارجية ديفيد لامي ووزير الدفاع جون هيلي بزيارة كييف لمناقشة "خطة بريطانية جديدة" للمساعدة في ضمان انتصار أوكرانيا، وأن التزام الحزب بأمن أوكرانيا وسلامة أراضيها لا يتزعزع، مع وعد بالحفاظ على الدعم العسكري والدبلوماسي والمالي والسياسي لها. ويتماشى هذا الموقف مع موقف الحكومة السابقة، ولكن تركيز حزب العمال على تعميق التعاون مع الحلفاء، والسعي إلى نهج أكثر قوة في التعامل مع العدوان الروسي، يمثل انحرافاً عن نهج المحافظين الأكثر حذراً.
وتحدد خطة حزب العمال لأوكرانيا خمس أولويات: تسريع الدعم العسكري، وتعميق الجهود الدبلوماسية، واستهداف العدوان الروسي، وتعزيز الإنتاج الصناعي، ودعم التعافي وإعادة الإعمار. وأعرب الحزب عن دعمه القوي لمساعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، بما يتماشى مع تطلعات البلاد لعلاقات أوثق مع الغرب. ومن المرجح أن يتردد صدى هذا الموقف لدى أوكرانيا وحلفائها، ولكن قد تعده روسيا أيضا استفزازيا، مما قد يزيد من التوترات بين موسكو ودول الناتو.
وتعهد كير ستارمر بالحفاظ على الإنفاق الدفاعي، بل وزيادته إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة الأولى من الحكم، مما يشير إلى الالتزام بتعزيز القدرات العسكرية للمملكة المتحدة. وتهدف هذه الخطوة إلى تعزيز قدرة البلاد على مساعدة أوكرانيا، وردع روسيا.
ومع ذلك، فإن نهج حزب العمال ينطوي أيضا على إعادة تقييم استراتيجي لعلاقة المملكة المتحدة مع روسيا. وفي حين تعهد ستارمر بالحفاظ على الوحدة في دعم أوكرانيا، فإنه يدرك الحاجة إلى إيجاد توازن بين المصالح الاقتصادية والمخاوف الأمنية، وخاصة مع العودة المحتملة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وقد شدد فريق ستارمر على أهمية الدبلوماسية والتعاون المتعدد الأطراف في معالجة الأزمة الأوكرانية، وأعرب عن استعداده للانخراط مع مجموعة واسعة من الشركاء الدوليين، بما في ذلك الحلفاء والخصوم التقليديين للتوصل إلى حل سلمي للنزاع. ويهدف هذا النهج إلى الاستفادة من النفوذ الدبلوماسي للمملكة المتحدة، وتعزيز حل أكثر شمولاً واستدامة.
الحرب على غزة
أما موقف حزب العمال من الحرب على غزة فهو أكثر ارتباكاً، حيث يواجه الحزب انقسامات داخل صفوفه حول هذه القضية. وفي حين أعربت قيادة الحزب عن دعمها للاحتلال الإسرائيلي، فإنها دعت أيضا إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحصار المفروض على غزة. وشدد ديفيد لامي على الحاجة إلى حل الدولتين، وأشار إلى أنه "سيعمل على دعم وقف فوري لإطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى".
ومع ذلك، انتقد بعض نواب حزب العمال رفض الحزب في البداية الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، حيث واجه العديد من النواب تحديات من المستقلين المؤيدين للفلسطينيين في الانتخابات. وقد ضغطت هذه المعارضة الداخلية على حكومة حزب العمال لتبني نهج أكثر توازنًا تجاه الصراع.
يبدو أن الحزب يرغب في اتخاذ "موقف متوازن" إزاء الحرب في غزة، فبتوازي مع تصريحات باستخدام الجهود الدبلوماسية لضمان التوصل إلى وقف لإطلاق النار والإفراج عن الأسرى في القطاع، كشف تقرير لصحيفة "غارديان" البريطانية، أن الحكومة الجديدة التي شكلها حزب العمال، ستتخذ موقفا مخالفًا لسابقتها من حزب المحافظين، بشأن مذكرة مقدمة للمحكمة الجنائية الدولية، تتعلق بإمكانية إصدار الأخيرة مذكرة توقيف بحق قادة إسرائيليين. وأرى أن هذه الخطوة تمثل تغييرًا حتى لو قليلا في التوجهات التي تتبناها الحكومة الحالية، على عكس سابقتها.
التداعيات على السياسة الخارجية للمملكة المتحدة
من المرجح أن تكون لنهج السياسة الخارجية لحكومة حزب العمال آثار كبيرة على علاقات المملكة المتحدة، مع الشركاء الدوليين واستجابتها للأزمات العالمية، وأن موقف الحزب الأكثر حزما تجاه روسيا وأوكرانيا، قد يؤدي إلى زيادة التوترات مع موسكو، ولكنه قد يعزز أيضا علاقات المملكة المتحدة مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا.
جانب رئيس آخر من نهج السياسة الخارجية لحكومة حزب العمال؛ هو التزامها بالتعددية والتعاون الدولي. وتعهد الحزب بزيادة مشاركة المملكة المتحدة مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والكومنولث، وإعطاء الأولوية للتعاون مع البلدان الأخرى بشأن القضايا العالمية، مثل تغير المناخ والحد من الفقر والأوبئة.
ومن المرجح أن يلقى هذا النهج ترحيبا من قبل الكثيرين في المجتمع الدولي، وخاصة في البلدان التي انتقدت قرار المملكة المتحدة بمغادرة الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، قد تواجه أيضا تحديات من البلدان التي تعطي الأولوية للمصالح الوطنية على التعاون الدولي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.