دور الضفة وأهلها وأبطالها في نجاح طوفان الأقصى دور محوري رئيسي، ما كان للطوفان أن ينجح لولاه، وهو ما يتضح من تأمل الأفكار الثلاث التالية:
أولاً: خسائر الاحتلال وأرباح المقاومة من مواجهته لا تقاس فقط بخسائره البشرية، وما يتكبده من قتلى وجرحى، وإن كان ذلك مهمًا ولا شك، بل يعد أداة أساسية لكسر إرادة الاحتلال، وردعه عن مواصلة جرائمه، ولكن هناك خسارة أخرى لا تقل أهمية، تنشأ عن محاولة الاحتلال منع سقوط قتلى وجرحى في صفوفه، وخشيته من تلك الخسارة ونتائجها على مستوطنيه نقطة ضعفه الرئيسية.
وتلك الخسارة هي إجباره على اتخاذ إجراءات مكلفة لمنع المقاومة من النجاح، وهذه الإجراءات مكلفة بشريًا وماليًا واستراتيجيًا، حيث تشغله عن أولويات أخرى قد تكون أهم، وإن لم تكن عاجلة، كما تؤدي على المدى البعيد لإرهاقه واستنزافه بشكل كبير، وهذه النقطة لا بد أن يفهمها جيدًا كل من يقاوم الاحتلال، ويستفيد منها بشكل جيد.
فيكفي أن تضع جسمًا يشبه عبوة ناسفة على طريق المستوطنين لاستنفار قوات الاحتلال وتضييع جزءًا مهمًا من وقتها وجهدها في كشف طبيعة ذلك الجسم وهل هو عبوة ناسفة حقيقية أم وهمية، وهذا مثال لأفعال كثيرة أدت سابقًا وتؤدي اليوم لإشغال الاحتلال في كل مكان يتواجد فيه، وتنشأ هذه الإشكالية من حرصه على ألا يخسر أي جندي أو مستوطن، لأن تلك الخسارة وإن كانت محدودة إلا أنها تتناقض مع النظريات المبررة لوجوده أمام جمهوره في الداخل وجموع اليهود في العالم، وهو ما ينبغي أن يستثمر فيه المقاومون أفرادًا كانوا أو جماعات منظمة.
ثانيًا: ونظرًا لما سبق، اضطر الاحتلال لنشر أعداد هائلة من جنوده في الضفة قبيل السابع من أكتوبر، وصلت في بعض الأحيان إلى نصف جيشه، لمنع العمليات البطولية هناك، واضطر للتركيز استخباراتيًا على الضفة لكشف العمليات قبل وقوعها، وانهمك في عملية واسعة بالضفة أطلق عليها "كاسر الأمواج"، وقد أدت بدورها لاستنزاف كبير، وانشغال واسع من قبل القيادة الأمنية والسياسية بالضفة وما يجري فيها.
ولعبت كتائب المقاومة الناشئة شمال الضفة دورًا مهمًا في ذلك، وهي التي تعد تطورًا طبيعيًا لمسار طويل في الضفة بدأ عام 2014 بخطف المستوطنين الثلاثة في الخليل، ثم عمليات الطعن والدهس الفردية، ثم كتائب المخيمات كجنين ونور شمس وعقبة جبر، وصولا إلى تطوير العبوات الناسفة التي رأينا آثارها في الأسابيع الأخيرة.
ثالثًا: جيش الاحتلال جيش قوي ومتطور ولديه إمكانات هائلة لكنه صغير ومحدود سواء من ناحية الأعداد البشرية، أو أعداد المعدات الأكثر تطورًا على مستوى العالم، وهذا ينبه إلى قضية في غاية الأهمية، وهي أنه لا يوجد جسم عسكري أو سياسي قوي على الإطلاق أو آخر ضعيف على الإطلاق، وإنما لكل نقاط قوة ونقاط ضعف.
وواجبنا ونحن نشتبك مع الاحتلال وجيشه أن ننفق جزءًا مهمًا من وقتنا في كشف نقاط ضعفه وفهم نقاط قوته، لضربه في الأولى وتجنب الثانية، ومن أهم نقاط ضعف قوات الاحتلال واستخباراته أن لديها قدرة محدودة على التركيز، فقد تكون في غاية التقدم والنجاح في الوصول للمعلومة أو اغتيال أبطال المقاومة، لكنها تنجح عندما تركز على عدد محدود من البشر، أما عندما تطالب بالتركيز على آلاف المقاومين مثلًا فإنها تصبح عاجزة، كما يمكن إفقادها ميزات كثيرة بإشغالها في ساحات واسعة.
وهو ما ساعدت فيه الضفة بشكل كبير، حيث اضطر الاحتلال لنقل جزء مهم من قوته قبيل السابع من أكتوبر من حدود غزة إلى الضفة، حيث كشفت هيئة البث العبرية الرسمية عن نقل فرقتين من لواء الكوماندوز الذي يعزز فرقة غزة المنتشرة على حدود القطاع إلى منطقة حوّارة شمال الضفة المحتلة، قبل يومين فقط من السابع من أكتوبر، وما كان لهذا أن يحدث لو كان لدى الاحتلال قوات كافية، أو لو كانت الضفة هادئة لا اشتباكات فيها.
ومما سبق أتصور أن للضفة دورًا كبيرًا ومهمًا في نجاح طوفان الأقصى، وهو ما وضع على عاتق أبطال الضفة واجبًا رئيسيًا تمثل في ضرورة تكثيف فعلهم في مقاومة الاحتلال، فهو مؤثر جدًا مهما بدا في أعينهم أقل من الواجب، كما دفعهم لتطوير أدواتهم التي تشغل الاحتلال وتستنزفه، مستفيدين من حرصه الشديد على ضمان أمن المستوطنين والجنود بنسبة 100%، فتلك السمة التي يراها نقطة قوته، قد تكون نقطة ضعفه القاتلة لو تم الاستفادة منها بشكل منهجي صحيح في مئات الكيلومترات من الشوارع الالتفافية، وعشرات البؤر المنتشرة على مساحات واسعة ومئات الحواجز المحاصرة لكل قرية في الضفة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.