يمكن تحليل المنافسة الانتخابيّة من زوايا مختلفة. في هذه المقالة المُقتضبة، سأراجع آليّة خيارات الشعب من جانب نقاط الضعف لدى التيّار الخاسر، ونقاط القوّة لدى التيّار الفائز، والجانبان مرتبطان ببعضهما البعض، إذ إنَّ نقاط ضعف التيّار الخاسر هي التي تحدّد استراتيجيّات التيار الفائز.
أ- الضعف الدّاخلي المؤدي إلى فشل التيار الأصولي
عدم التنسيق في العمل الحزبي:
بدأت انتخابات الأصوليين بعدد قليل من المرشحين، ربما ساهم ذلك في رفع فرصة الدعاية الانتخابية لهم. لكن في الوقت نفسه، يمكن أن تتحول هذه الطريقة إلى تهديد؛ فلا يشكّل الأصوليون ائتلافًا جامعًا؛ فتنقسم أصواتهم.
في مشهد الحدث، لم يستغل الأصوليون زيادة فرصة الدعاية لهم فقط، بل واجهوا أيضاً صعوبات في تشكيل ائتلاف واحد. في الواقع، هذه الفرصة تحوّلت إلى تهديد خطير للأصوليين.
لم يكن لدى المرشحين الأصوليين محور مشترك للائتلاف، فقد كانوا مع بعضهم البعض من أطياف أصولية مختلفة، وهذا سبب عدم إمكانية تشكيل ائتلاف جامع.
غياب الوجه الجديد لدى المرشحين الأصوليين:
أبدى الشعب الإيراني خلال الفترات الماضية تأييده للسياسيين الجدد (بدون خلفية في مجال الانتخابات الرئاسية). في هذه الانتخابات، جميع المرشحين تكرروا. لقد ترشحوا في الماضي ولم ينجحوا في الانتخابات الرئاسية. ولذلك فإن هذا التيّار لم يُدْخِل قوة جديدة في مجال المنافسة؛ إذ لم يكن لديه استراتيجية جديدة للانتخابات بهذه الوجوه المتكررة.
عدم وجود "المرشح الشامل" لأنصار الأصولية:
لكل مرشح من المرشحين الأصوليين خصائص لا يتمتع بها الآخر. وتراوحت هذه الاختلافات بين نوع التفكير ومستوى خبرة التنفيذ. أحد المرشحين لديه خبرة في الشؤون التنفيذية، والآخر ليس لديه خبرة جدّية في الشؤون التنفيذية، فلم يتمكن أنصار الأصولية من اختيار "مرشح شامل". لذلك، بعد دخول المرحلة الثانية من الانتخابات، لم يكن صندوق اقتراع المرشح الأصولي يضم جميع أنصار الأصولية، ويرجع السبب في ذلك إلى الإحباط والمنافسة الداخلية بين أنصار الأصوليين.
بشكل عام، لكل حرب سلاح خاص ضروري بها، ولم يوجد سلاح "الظروف الشاملة" في يد مرشح واحد لهذه المعركة لدى الأصوليين.
نسيان الطبقة الوسطى في المجتمع:
استهدف خطاب العدالة في نظر المرشح الأصولي الطبقة الفقيرة والمضطهدة. لم يكن لدى الأصوليين خطة أو إستراتيجية مكتوبة لتفعيل الطبقة الوسطى في المجتمع. إنَّ شرط الفوز في منافسة مثل الانتخابات الرئاسية هو استخدام كل طاقات المجتمع. الاستجابة لاحتياجات الطبقة الوسطى في إيران تتجاوز خطاب الاستجابة لاحتياجات السكن والسيارات.
استراتيجية إعلامية ضعيفة:
إذا كان مستوى العلاقات الميدانية في التيار الواحد غير متناسب، فعلى الإعلام لعب دور التقريب بينهم بإثارة النقاش الأكثر تنويعًا. لم تنجح وسائل إعلام الأصوليين المشهورين في هذا الأمر؛ إذ دخلوا في منافسة داخلية على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، بعيدًا عن التيار الآخر. قوّضت هذه العملية ثقة بعض أنصار الأصولية.
ب – نقاط القوة والاستراتيجية المناسبة للسيد الرئيس (الإصلاحيون)
الشخصية الحقيقية والاعتبارية للسيد الرئيس:
تُعدّ شخصيّة السيد بزشكيان شخصية جديدة كـ "مرشح للرئاسة". هذه المرة الأولى التي يُحاول فيها الترشح، ولهذا السبب أحبه الناس أكثر، بالإضافة إلى بساطة وصدق الكلمات والسلوك، فشكلت هذه الصفات عوامل إضافية في شخصية بزيشكيان في لفت نظر الناس. وما جعل شخصيته أكثر قبولا لدى الشعب الادّعاء بأنه خارج نطاق التيارين، وأنه سيستفيد من قدرات كليهما في مدة رئاسته.
بناء التحالفات حسب إرادة الشعب:
حاول الإصلاحيون والسيد بزشكيان استخدام كل عوامل الجذب (الشخصيات والأحداث) لجذب الشعب. وكانت مرافقة السيد ظريف (وزير خارجية إيران السابق) في الحملات الانتخابية مثالاً على بناء هذه التحالفات.
خلق القطبية الثنائية:
استغل الإصلاحيون ضعف الأصوليين في البرنامج المكتوب لـ "الطبقة الوسطى" في المجتمع. في هذه الاستراتيجية، استخدم الإصلاحيون الطبقة الوسطى واحتياجاتها، مثل: المجتمع المدني، والحريات الاجتماعية، والمؤسسات الشعبية، وخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاقية النووية بين إيران وخمسة + واحد) لخلق قطبية ثنائية، فكانت نتيجة هذا الاستقطاب أحد عوامل انتصار الإصلاحيين المهمة بحسب مؤشرات الأصولية.
استخدام حملات الفضاء الإلكتروني:
وبحسب التحقيقات التي أجريت خلال الأسبوع الأخير من الانتخابات، نشر الإصلاحيون أكثر من 90 ألف محتوى على شبكات التواصل الاجتماعي يوميًّا. وبالنسبة للسيد سعيد جليلي (الأصوليين) فقد نشروا حوالي 60 ألف محتوى يوميّ. وبدون الأخذ في الاعتبار استراتيجية الحملة الانتخابية، كان للإصلاحيين أفضلية واضحة على الأصوليين من حيث الكمية.
استخدام المكونات الجغرافية والدينية:
إنَّ وعد الرئيس بنقل السلطة من شرق البلاد (مشهد، والشهيد رئيسي والسيد جليلي من مشهد) إلى الغرب (أذربيجان) قد خلق دعمًا جغرافيًا له. وبالنظر إلى العدد الكبير من الأذربيجانيين في البلاد، لعب هذا الدعم دورا هاما في انتخابه رئيسا.
وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن التيار الخاسر كانت لديه أيضا نقاط قوة، كما أن المجموعة المنتصرة كانت لديها نقاط ضعف، ونحن لم نناقش هذين الجانبين هنا في هذه المقالة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.