منذ يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها المستمر على قطاع غزة براً وبحراً وجواً. وقد أدى هذا الاعتداء المستمر إلى لاستشهاد أكثر من 38,243 فلسطينيًا، معظمهم من النساء والأطفال. بالإضافة إلى ذلك، إصابة أكثر من 88,033 آخرين، ولا تزال الحصيلة في ارتفاع حيث لا يزال عدد لا يحصى من الضحايا محاصرين تحت الأنقاض. إن استهداف إسرائيل المنهجي للبنية التحتية، وخاصة المدارس التي يتم إعادة توظيفها في كثير من الأحيان كملاجئ لآلاف النازحين، يؤدي إلى تفاقم أزمة إنسانية مروعة. ويبدو أن هذه الاستراتيجية الإسرائيلية المتعمدة تهدف إلى جعل وضع اللاجئين والنزوح في فلسطين كحالة دائمة، وهو ما يتعارض بشكل صارخ مع الأعراف والقوانين الدولية.
التدمير المنهجي للمدارس والملاجئ في غزة
يشكل التدمير الممنهج للمدارس ومراكز اللجوء جانباً مدمراً بشكل خاص من هذه الحرب. حيث أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني أن طواقم غرفة عملياته تتلقى يوميا عشرات من نداءات الاستغاثة الإنسانية من مدينة غزة. ومع ذلك، تواجه أطقم الإسعاف التابعة له خطرًا كبيرًا وغالبًا ما تكون غير قادرة على الوصول إلى المحتاجين بسبب شدة القصف. وتوصف الأوضاع في مدينة غزة في أقل تقدير، بالمأساوية للغاية، حيث تواصل قوات الاحتلال استهداف المناطق السكنية وتهجير المواطنين من منازلهم ومراكز الإيواء.
وقد أعلن الهلال الأحمر الفلسطيني في بيان له، أن كافة نقاطه الطبية وعيادات الطوارئ في محافظة غزة، خرجت من الخدمة بسبب إجراءات الإخلاء القسري التي اتخذتها قوات الاحتلال. وقد ترك هذا الوضع المزري الكثيرين دون الحصول على الرعاية الطبية الأساسية.
ومن أفظع الحوادث ما وقع في خان يونس، جنوب قطاع غزة، حيث استهدفت قوات الاحتلال مدرسة تؤوي نازحين. وأسفرت هذه المجزرة عن مقتل ما لا يقل عن 29 شخصاً وإصابة أكثر من 53 آخرين، إصابات العديد منهم خطيرة. وقبل أيام فقط، ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة أخرى في مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مخيم النصيرات وسط غزة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 16 شخصاً وإصابة العشرات.
وقبل ذلك استمر العنف بلا هوادة، وبلغ ذروته في غارة جوية إسرائيلية مدمرة في 6 يونيو/ حزيران 2024، على مدرسة تديرها الأونروا في مخيم النصيرات للاجئين. وأدى هذا الهجوم، الذي نُفذ ليلاً دون سابق إنذار، إلى استشهاد أكثر من 35 شخصًا، من بينهم 14 طفلًا. وقد تحولت المدرسة، التي كانت تؤوي حوالي 6000 نازحٍ، إلى أنقاض، مما أدى إلى نزوح المزيد من العائلات التي لجأت إليها. كان هذا الهجوم جزءًا من نمط أوسع، حيث تم قصف أكثر من 200 مدرسة في غزة بشكل مباشر منذ بدء حرب الإبادة بحق أهل غزة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتدمير ما لا يقل عن 53 من هذه المدارس بالكامل.
إن الأثر الإنساني لهذه الهجمات شديد. وأفادت الأمم المتحدة أن المدارس، التي كان من المفترض أن تكون ملاذات آمنة، قد تم تدميرها، مما أدى إلى نزوح آلاف آخرين وتفاقم حالة الطوارئ الإنسانية. وقد استشهد أكثر من 500 شخص في الهجمات على منشآت الأونروا وحدها، والتي كان معظمها عبارة عن مدارس تم تحويلها إلى ملاجئ. كما أدى تدمير البنية التحتية الأساسية وأنظمة الصرف الصحي إلى انتشار أمراض مثل الكوليرا، مما زاد الوضع تعقيدًا.
انتهاكات القانون الدولي
إن استهداف المدارس والملاجئ في غزة لا يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية فحسب، بل يشكل أيضًا انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي. ووفقًا لاتفاقيات جنيف، فإن الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المرافق التعليمية والطبية، محظورة بشكل صارم. وتتعارض هذه الإجراءات بشكل مباشر مع العديد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وأحكام محكمة العدل الدولية، التي دعت إسرائيل مرارًا وتكرارًا إلى وقف الهجمات على المناطق المدنية واحترام القانون الإنساني الدولي.
وخلال الشهر الماضي يونيو/حزيران، سلط المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الضوء على سياسة إسرائيل المنهجية المتمثلة في استهداف السكان والأفراد المدنيين في قطاع غزة، الذين يتمتعون بالحماية بموجب القانون الإنساني الدولي. وتحرمهم هذه الجرائم من الاستقرار ولو مؤقتاً في مراكز النزوح والإيواء من خلال القصف المكثف. وأكد المرصد أن ذلك يشكل جزءا من جريمة الإبادة الجماعية المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وعلى الرغم من مرور ما يقرب من عشرة أشهر منذ الهجوم الهمجي الإسرائيلي على غزة، لم تتوقف القوات الإسرائيلية عن قصف الأهداف المدنية، مما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين. ويشمل ذلك الهجمات المستهدفة على مراكز اللجوء التابعة للأمم المتحدة وارتكاب جرائم قتل جماعية داخل هذه المرافق. وتشكل مثل هذه الأعمال العسكرية جرائم حرب في حد ذاتها، وهي مندمجة بالكامل في استراتيجية أوسع للإرهاب.
وأشار البيان الأورومتوسطي إلى أن منهجية القصف الإسرائيلي تشير إلى سياسة واضحة تهدف إلى إزالة أي شعور بالأمن من قطاع غزة بأكمله. ومن خلال حرمان الفلسطينيين من المأوى والاستقرار، ولو بشكل مؤقت، من خلال القصف المستمر في جميع أنحاء القطاع والتركيز على مراكز الإيواء في مدارس الأونروا، تضمن إسرائيل حالة دائمة من النزوح وعدم الاستقرار.
ووصف خبراء الأمم المتحدة تدمير نظام التعليم في غزة بأنه "محو منهجي"، مما أثار مخاوف بشأن الآثار طويلة المدى على المجتمع الفلسطيني. وقد استخدم مصطلح "جرائم القتل في المدارس" لوصف التدمير المتعمد للبنية التحتية التعليمية وقتل أو اعتقال المعلمين والطلاب. وهذا يسلط الضوء بشكل أكبر على الآثار الخطيرة لهذه الهجمات على مستقبل المجتمع الفلسطيني.
إن الاستهداف المنهجي للمدارس والملاجئ في غزة لا يشكل كارثة إنسانية فحسب، بل يشكل أيضا انتهاكا صارخا للاتفاقيات الدولية. تنتهك هذه الإجراءات العديد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك القرار 242، الذي يدعو إلى انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها عام 1967 واحترام سيادة كل دولة في المنطقة ووحدة أراضيها واستقلالها السياسي. بالإضافة إلى مجموعة واسعة من قرارات مجلس الأمن التي تحرّم استهداف الأطفال وقتلهم وتشريدهم أو منعهم من الوصول إلى المساعدات الإنسانية.
إن التجاهل المستمر للقانون الدولي من خلال استهداف البنية التحتية المدنية في غزة يتطلب تحركًا وإجراءات دولية عاجلة. إذ يجب على المجتمع الدولي أن يحاسب إسرائيل على أفعالها، لكي لا تظل الاستثناء الإجرامي في النظام العالمي، ليضمن احترام القوانين الإنسانية الدولية لحماية حقوق وحياة المدنيين ليس في فلسطين فقط بل في العالم أجمع مستقبلًا، إذ تبشر إسرائيل بتمردها على القوانين الدولية، بمستقبل من العنف الدولي غير المسبوق. إن العنف والدمار المستمرين في غزة يؤكدان الحاجة الماسة إلى تجديد الالتزام بالسلام والعدالة وحماية حقوق الإنسان في المنطقة.
دعوة لتحرك المجتمع الدولي ومحاسبة إسرائيل
يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وقانونية للتصدي لهذه الانتهاكات وضمان المساءلة. حيث بات محرزًا للجميع اليوم وبالأدلة القاطعة أنه لم يبقَ قانونًا أو عرفًا دوليًا واحدًا لم تنتهكه إسرائيل.
ومن أجل دعم مبادئ سيادة القانون والعدالة للضحايا، يجب على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات ملموسة لمحاسبة إسرائيل على أفعالها. وهذا يتضمن:
- الإدانة والعقوبات: إصدار إدانات شديدة اللهجة للانتهاكات وفرض عقوبات على المسؤولين عن جرائم الحرب الإسرائيليين.
- التحرك القانوني الدولي: دعم الإجراءات القانونية في المحاكم الدولية لملاحقة قادة الاحتلال وجميع المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني.
- المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار: تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة ودعم إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، وخاصة المدارس والمرافق الطبية.
- الضغط الدبلوماسي: ممارسة الضغط الدبلوماسي على إسرائيل لوقف هجماتها على البنية التحتية المدنية والدخول في مفاوضات سلام هادفة.
- الرصد والإبلاغ: إنشاء آليات مستقلة للرصد والإبلاغ لضمان توثيق الانتهاكات المستمرة ومعالجتها.
لقد مضى وقت المراقبة السلبية منذ فترة طويلة. ويجب على المجتمع الدولي أن يتصرف بشكل حاسم لإنهاء دائرة العنف والإفلات من العقاب في غزة. ومن خلال التمسك بالقانون الدولي وضمان المساءلة، يمكننا حماية حقوق وحياة المدنيين الفلسطينيين. إن هذه الدعوة إلى التحرك ليست مجرد ضرورة أخلاقية فحسب، بل هي خطوة ضرورية نحو استعادة الكرامة والأمن للسكان الذين تحملوا عقودًا من المعاناة والجرائم الإسرائيلية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.