قلبي انكسر.. قلبي انفطر.. كسرت قلبي
من الوهلة الأولى عند سماع هذه الكلمات سيتبادر إلى أذهان البعض أنها بعض كلمات مأخوذة من أغاني عن الحب والشجن والعاطفة والخذلان، ولكنها كلمات لها معاني أعمق بكثير من أن تكون دليلًا على خذلان البعض من علاقات سامة أو فراق أحبة. الأمر يتخطى كونه مشاعر أو أحاسيس، فالقلب المنكسر هو مرض نفسي ومتلازمة أقرتها جميع الأعراف في الطب النفسي. هي أكبر بكثير مما كنا نعتقده، بل إنها تستطيع التأثير بشكل مباشر في النفس البشرية وتستطيع التأثير أيضًا على الحالة الجسدية والمزاجية.
ولكي نتعرف أكثر على مفهوم متلازمة القلب المنكسر أو ما يُعرف علميًا ب"اعتلال تاكوتسوبو".
هي حالة قلبية مؤقتة تحدث بعد موقف ما يحدث للشخص المصاب، يؤثر عليه نفسيًا أو يُحطم بعض أحلامه أو طموحاته التي بناها على هذا الموقف، وقد تحدث أيضًا بعد بعض المواقف التي تسبب التوتر أو فقدان الأحبة والفراق. أعراضها تشبه أعراض الأزمة القلبية كآلام مفاجئة في الصدر.
ولكن للوهلة الأولى سترى أن اسم المتلازمة العلمي هو اسم غريب بعض الشيء. لمعرفة أصل الاسم يجب أن نذكر كيف تم اكتشاف هذه المتلازمة. ففي عام 2011 بالتحديد في اليابان، وعقب زلزال كبير ضرب اليابان، اكتظت المستشفيات بالعديد من الحالات التي تتشابه في نفس الأعراض السالف ذكرها كنوبات قلبية بالرغم من خلو سجلهم من أي أمراض قلبية تُذكر. وعندما تم عمل الفحوصات الطبية اللازمة عليهم، لم يتم العثور على أي قصور في شرايين القلب أو أي جلطات أو انسدادات. ولكن العامل المشترك بينهم جميعًا هو أن الجسم في نفس الوقت أطلق الكثير من هرمونات القلق والتوتر التي بِدَورِها أثرت بشكل مباشر على ضخ الدم من القلب، فأصبحت القلب لا يعمل بنفس الكفاءة السابقة أو في الحالات العادية.
ومن هنا جاءت تسمية المتلازمة علميًا ب"اعتلال تاكوتسوبو"، وهو اسم ياباني يُطلق على إناء دائري من القاع وضيق من العنق يستخدمه اليابانيون لصيد الأخطبوطات. وتم تسمية المتلازمة بهذا الاسم لأن الوعاء يشبه إلى حد كبير جزء من القلب المتأثر بشكل مباشر من هذه المتلازمة، وهو البطين الأيسر.
كما ذكرنا الأسباب المؤدية لهذا المرض والتي تشبه إلى حد كبير أمراض الاضطرابات ما بعد الصدمة أو الاكتئاب والأمراض النفسية التي تواجهنا بسبب مشكلات الحياة المختلفة والإجهاد في العمل. ويُعتبر الجانب العاطفي وألم الفقدان هما من أكثر العوامل المؤدية إلى هذا المرض. فالعلاقات العاطفية بشكل خاص تمثل الجانب الأكبر في هذا المرض. فالخذلان هو من أصعب المواقف التي قد يتعرض لها المرء نفسيًا. إلا أن هذا المرض أيضا يحدث بشكل مفاجئ بحيث إنه قد لا يتكون بسبب تراكمات نفسية أو تراكم المواقف التي قد تهدد استقرار الحالة النفسية والعقلية للشخص المصاب.
ذكر العديد من أطباء علم النفس أن هذه المتلازمة قد تؤدي إلى الوفاة وهذه النتيجة نادرة ولكنها ممكنة. وفي بعض الحالات تحدث مضاعفات مثل انخفاض ضغط الدم وعدم انتظام ضربات القلب وجلطات دموية. ويمكن الوقاية عن طريق زيارة الطبيب النفسي عند الشعور بأي من هذه الأعراض وأيضا الابتعاد عن مسببات التوتر والحزن ومحاولة إشغال العقل بما يُفرحه أو يُساعد على عدم الدخول في دوامة الحزن. يجب الحذر والحيطة من الأشخاص الذين يُسببون هذه الحالات.
أما الأشخاص الذين يكونون أكثر عرضة لهذه المتلازمة فهم النساء في ما بين 45 – 55 عاماً مما جعل الاختصاصيين يعتقدون أن هرمون الإستروجين ذو دور وقائي محتمل يمنع حدوث هذا المرض.
من أهم الأمثلة على التأثير القوي لهذه المتلازمة هو ما حدث لبعض لاعبي كرة القدم العالمية والعربية. فقد فقد البعض شغفهم وعملهم، ومنهم من فقد حياته بسبب الاكتئاب و متلازمة القلب المنكسر بطريقة مباشرة وغير مباشرة، نتيجة لأحداث داخل الوسط الرياضي، والبعض نتيجة لضغوط عائلية آلت إلى هذا المآل.
ومن الأمثلة الشهيرة الحارس الألماني الشهير "إنكه" حيث عانى من الاكتئاب الحاد والصدمات القوية في حياته الشخصية والضغط النفسي الكبير في مجال عمله، وأدى ذلك إلى انتحاره بسبب معاناته الشديدة. في البداية بسبب قلقه من مستواه الفني في لعبة كرة القدم والشك الذاتي الذي رافقه في رحلته الاحترافية. و زاد هذا الأمر سوءًا عندما انتقل للعب في برشلونة، حيث ظهر بمستوى سيئ جدا في أولى مشاركاته وانتقده بشدة زميله في الفريق فرانك دي بور مما جعله في حالة سيئة تمامًا وعرضه للعزلة والاكتئاب.
حتى رزق بـ ابنته الأولى، وحينها باتت الأمور تسير في حالة من الإيجابية والفرحة العارمة وما أن تمت عامها الثاني فقدت حياتها وتحولت مرة أخرى حالة إنكه إلى جحيم بسبب آلام الفقد. وبعد عدة محاولات فاشلة من إعادة صحته النفسية مرة أخرى إلى الحالة الإيجابية، عرضت عليه زوجته تبني طفلة علها تعوضه عن فقدان ابنته، وبالفعل تبنى إنكه وزوجته طفلة، وكانت الأمور تشير إلى الإيجابية. ولكن سرعان ما انهارت الأمور مرة أخرى، حيث تم استبعاده من تمثيل منتخب ألمانيا بسبب مرض في المعدة صنفه الأطباء أنه مرض معدٍ، وكان همه الأكبر أن يستشعر المسؤولون الخوف من هذا المرض فيتم أخذ الطفلة المتبناة منه. وحينها أنهى إنكه حياته برسائل شديدة الحزن، تاركًا خلفه تاريخًا من الإخفاقات النفسية التي يتحمل عواقبها من كانوا حوله من الزملاء والأطباء الذين أخفقوا في علاجه علاجًا صحيحًا مما جعل الإحساس بالقلق والاكتئاب يتمكن منه بدون مساعدة.
ولسنا من هذا الأمر ببعيد فقد شهد الوسط الرياضي والاجتماعي في الأيام القليلة الماضية حادثًا مأساويًا حيث فقد الوسط الرياضي المصري اللاعب أحمد رفعت ذو الواحد والثلاثين عامًا. في حين قد تبدو الوفاة للبعض طبيعية ولكن ما حدث كان أكبر.
أحمد رفعت فقد وعيه في مباراة لفريقه على أرض الملعب في أول أيام شهر رمضان الماضي حيث فقد الوعي دون أي تدخل أو التحام. قال الأطباء وقتها إن القلب قد توقف تمامًا عن العمل لمدة ما. إلى أن تم نقله إلى مشفى قريب. من هنا بدأت الأخبار تتوارد على أن اللاعب يعاني من أمراض قلب، وأن اللاعب كان يتناول كذا وكذا وبعض الاتهامات الأخرى. ومن ثم تمت إفاقة اللاعب وأصبح بحالة إلى حد ما جيدة ولكنه لن يستطيع ممارسة الكرة حتى يتم استقرار حالته النفسية والجسدية. ومن ثم بعد هذه الحالة ببضعة أشهر ظهر في لقاء إعلامي لينفي كل هذه الأكاذيب ويوضح أن حقيقة ما حدث له هو أنه تم التضييق والضغط عليه من بعض الأشخاص داخل الوسط الرياضي، مما جعل حالته النفسية سيئة وأدخله في حالة من الاكتئاب والحزن الشديدين.
وأن ما حدث له لم يكن له أي تاريخ مرضي. فهو لاعب محترف تدرج في قطاعات الناشئين ولعب لجميع الفئات للمنتخب الوطني واحترف في الخارج ولعب لأكثر من نادي كبير داخل مصر. أضاف رفعت أنه حاليًا في حالة جيدة حيث إنه خرج بعناية الله وحفظه من أزمته. لكن ما لبث أن انتهى من هذا اللقاء الإعلامي وتوفاه الله بعد عدة أيام بسبب توقف في عضلة القلب حسب تصريحات الدكتور المتابع لحالته الصحية. حيث أكد الدكتور أنه تعرض لما يسمى بمتلازمة القلب المنكسر، وهو نتيجة للضغوطات التي مورست عليه من الذين أشار إليهم في اللقاء السابق. حيث ذكر رفعت أن ما يعلم حقيقة الأمور هم بعض الأشخاص المقربون منه ومنهم الدكتور المعالج ووكيل أعماله. وبالفعل انكشف الأمر في هذا اللقاء، وأشار وكيل أعماله أنه تعرض لموقف كان هو القشة التي قصمت ظهر البعير في مسيرته الاحترافية. حيث فقد البعض إنسانيتهم وأوقعوه في أمور جعلته يبتعد بشكل كبير عن ممارسة كرة القدم، بل وسلبت بعض حقوقه المادية والمعنوية. أكدوا أنه كان من الأشخاص الذين يتمتعون بالطيبة وحسن الخلق والأثر الطيب على المستوى الشخصي وبالكفاءة العالية على المستوى الفني. ولكنه بسبب الضغوطات النفسية فقد حياته وفقدنا روحه الطاهرة.
وفاة أحمد رفعت أثرت بشكل كبير على المستوى الاجتماعي، حيث نعته كافة الأندية المصرية والعالمية. وبوفاته التي في رأي أغلب المتابعين أنها آية من آيات الله، شخص متوفى في أرض الملعب يمنحه الله القدرة أن يظهر مرة أخرى ليثير الجدل ويشير إلى السبب الرئيسي لتدهور حالة قلبه وحالته النفسية. أحمد فتح الباب إلى انتشار بعض المناشدات والحملات التي أطلقها المشجعون في الأوساط الرياضية لمحاولة نبذ التعصب ورفع من حالة الوعي لدي بعض ضعفاء النفوس للحد من مهاجمة اللاعبين لأنهم بشر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.