رغم الأزمة التي ضربت أوروبا إلا أن المهاجرين يرفضون العودة لبلدانهم الأصلية، وما إن تسأل أحدهم عن رفضه، قد يخبرك عن جودة الحياة في أوروبا وغيرها، لكن ما يركز عليه في الغالب أكثرهم مسألة الحقوق والعدالة، ففي أوروبا يستحيل أن تسمع عن مواطن تعرض لظلم من طرف مسؤول ما، مهما بلغت مكانته ومهام امتلأت خزائنه، الأمر الذي يعد حلمًا تسعى الدول العربية لتحقيقه منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، لكنها عبثًا تفعل.
في مصر أم الدنيا، وفي الدوري الممتاز يتم التلاعب بحياة لاعب محترف وشاب موهوب يقدم عربيًا للطمع الذي يمثله المقربون من النظام العسكري، ويفقد حريته ويسجن ظُلمًا، وتنتهي حياته بمأساة تذكرنا بنهايات الحزينة للأفلام، بينما من تسبب في ذلك يصرحون ويمرحون ويُقدّمون كوطنيين على شاشات التلفاز.
في مصر ، الخونة والفلول كلهم في نعيم ، والرجال والوطنيون كلهم في السجون، ولا أعرف بلدًا هو أشد ظلمًا من مصر، فأحمد رفعت ليس سوى مثال لآلاف بل ملايين المصريين ضحايا رجال السلطة والمقربين من النظام العسكري، ففي كل حارة من حارات مصر حالة من حالات الظلم والعدوان، في كل بيت تقريبًا شاب أو شابة أو أب أو أخ تعرض للإهانة والتنكيل أو سمع من أصحاب المقام ما لا يرضيه، هذا ناهيك عن حياة لا تشبه الحياة، مع الغلاء وانقطاع الكهرباء وقلة العمل.
أحمد رفعت لم يكن أول شخص وبالتأكيد لن يكون آخر شخص تُلتهمه آلة الظلم التي تقودها مصر في ظل حكم السيسي، وإن كان أحمد رحمه الله قد انكسر قلبه ولم يتحمل ووافته المنية ، فإنه مليون أحمد قد ماتوا وهم أحياء، وقد فقدوا كل شغف في الحياة، اللهم إنهم يعيشون يومًا بيوم وينتظرون إما ثورة تعصف بهذا النظام الجاثم على صدورهم، أو موتًا تريحه أجسادهم المرهقة، بل إن موتهم لم يعد يجلب الراحة، فهم يفكرون في عوائلهم ما يفعلون بعدهم مع هذا الظلم، ويتساءلون هل تترك جرافات السيسي قبور أجسادهم أم تقتلعها لتبني مكانها قصرًا رئاسيًا لمعاليه أو لحرمه.
إن الذين تسببوا في موت أحمد رفعت ليسوا من كذبوا عليه في قصة التجنيد وباعوه وأخذوا الملايين وزجّوا به في السجن وتخلوا عنه ثم هددوه فوق ذلك وسخّروا أذرعهم لابتزازه والانتقام منه، بل إن كل الذين رقصوا في اللجان مسؤولون وكل من صوت للسيسي مشارك وكل من فوض للعسكر الانقلاب على أول رئيس شرعي لمصر مشارك، وكل من صفق مشارك وكل من هتف "تسلم الأيادي" مشارك، وكل من سكت عن قول الحق.
قد يقول المرء إن الشعب غير مسؤول باعتباره تحت طائلة التعذيب والأعمال الشاقة، بل هم مساجين داخل سجن يسمى مصر، فنقول لهؤلاء ألم يخرج الشعب البوليفي بالأمس القريب ضد الانقلاب العسكري، ووقف في صف الرئيس الشرعي وألقى القبض على المنقلبين؟
أليس الشعب إذا أراد الحرية فلابد للنظام أن يستسلم؟
ألستم من طرد الفرنسيين وداس قبل ذلك التتار؟ أنسيتم من تكونون يا أهل مصر؟
هذا الاستبداد يجب أن يزول عن مصر ولا مفر للشعب المصري من إزاحته، وإن لم يفعل فلن تتوقف قصص كقصة أحمد رحمه الله، فالاستبداد هذا شأنه، فلم يعرف التاريخ مستبدًا تحول لناسك ومتصوف، وكلما زادت مدته واتسعت رقعة ملكه ازداد ظلمًا على ظلم واستبدادًا على استبداد، بل ويصنع من حوله مستبدين صغارًا يتفننون في تحويل حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق، وهؤلاء جحافيل المهاجرين نحو أوروبا يحدثونك، فاسألهم فردًا فردًا، وعد قصصهم عن ظلم وجور أصابهم من المستبد أو من زبانيته، فهل تستطيع حصر قصص المظلومين؟
إن كل مصري تقريبًا مشارك في وفاة أحمد رفعت، لأن وفاته تحصيل حاصل، ومسألة عادية ضمن مجتمع الاستبداد الذي لا يؤتمن فيه جانب، خاصة جوانب رجال السلطة وأعوانهم من الأغنياء، فمن أعان أو سكت على إقامة هذا المجتمع فهو مشارك في كل تفاصيل الظلم المسلط عليه شخصيًا وعلى باقي أفراد المجتمع.
أكتب عن أحمد رحمه الله ولست أرغب في التعريف بقصته فهي منتشرة، إنما أكتب عن المواطن العربي الذي يحلم بأن يرى يوما الأنذال في حيث ينتمون، في الوحل وتحت المسالخ، ويحلم بالقضاء على الاستبداد وإزالة سوط زبانيته الذين يرسلون الأبرياء إلى السجون.
أحمد لم يقتله الموت أو الأجل كما يقولون، نعم كان هذا قدره لكن الله تعالى قدر الأسباب وليس كما يتقولون على الله بأنه من كتب على الناس الشقاء، بل الله كتب عليهم وعلى نفسه بدءًا الرحمة فقال تعالى عز من قائل: "كتب ربكم على نفسه الرحمة"
أحمد قتله الظلم والقهر، وقتله نظام يداه ملطخة بدماء وأحلام ملايين المصريين في مصر وخارج مصر، ومن أراد لأحمد أن يحيا من جديد فعليه أن يقف في وجه الظالم وزبانيته وأن يطردهم أو يلقيهم في السجن كما فعلوا بالأبرياء وكما فعلوا بأرض الكنانة الحبيبة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.