بين الحقيقة والموت: ما معنى أن تكون صحفيًا في غزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/09 الساعة 10:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/09 الساعة 10:23 بتوقيت غرينتش
أثناء تشيع جثمان الصحفي أكرم الشافعي في المستشفى الأوروبي الذي استشهد خلال غارة جوية في خان يونس - shutterstock

"الصحفيين إذا كانوا على علم مسبق بمذابح السابع من أكتوبر/تشرين الأول فهم لا يختلفون عن الإرهابيين وتجب معاملتهم على هذا النحو"

وزير دفاع الاحتلال، بيني غانتس

منذ اليوم الأول للعدوان الوحشي على قطاع غزة، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن الاحتلال حرب إبادة على الفلسطينيين في قطاع غزة، وكان الصحفيون والإعلاميون الفلسطينيون أحد أهداف القصف العشوائي الهمجي لطيران ونيران الاحتلال، متعمداً قتل الصحفيين بهدف تغييب الخبر والرواية الفلسطينية، ومحاولة طمس الحقيقة وعرقلة إيصال الأخبار والمعلومات إلى الرأي العام الإقليمي والعالمي.

واجه الصحفيون والطواقم الإعلامية في قطاع غزة هجمات متواصلة من قوات الاحتلال واستُهدفت بشكل مباشر مقرات مؤسساتهم الإعلامية، وفي حالات أخرى طالت منازلهم وجميع أفراد عائلاتهم، كما حدث لمراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح، الذي فقد أسرته بأكملها يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول، وزميله الصحفي أنس الشريف ومؤمن الشرافي الذين فقدوا أفرادًا من عائلتهم أيضًا، وغيرهم من الصحفيين في محاولة من الاحتلال لمنع نقل مشاهد المجازر التي يرتكبها في حق الفلسطينيين، وهو ما يؤكده تذمّر الاحتلال المتواصل من المراسلين الدوليين العاملين في قطاع غزة.

تُظهر التقارير والبيانات التي وثقها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الاحتلال جعل من الصحفيين الفلسطينيين هدفًا رئيسيًّا وارتكب بحقهم سلسلة جرائم متعددة منذ بدء عدوانه الهمجي وجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة في 7 من تشرين أول/أكتوبر الماضي. يؤكد المرصد الأورومتوسطي أن الاحتلال مسؤول عن جرائم وانتهاكات جسيمة ضد الصحفيين، بما يخالف القانون الدولي وقواعد الحروب ويتناقض مع التزامات حماية الصحفيين وعدم عرقلة عملهم في نقل الحقيقة وصورة الواقع في الميدان.

فوفقاً لتقارير، يتم استهداف الصحفيين الفلسطينيين بالقتل العمد والاستهداف المباشر والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، في كثير من الأحيان مع عائلاتهم، إلى جانب تدمير مقار عملهم وحرمانهم من إدخال المعدات اللازمة لعملهم، فضلاً عن التحريض العلني ضدهم والتهديد المباشر من أجل ثنيهم عن مواصلة عملهم.

يشير توثيق المرصد إلى أن إسرائيل قد استهدفت الصحفيين بشكل متعمد، حيث قتلت نحو 158 صحفياً فلسطينياً في قطاع غزة منذ بداية عدوانها العشوائي والواسع. تم استهداف هؤلاء الصحفيين سواء أثناء تأديتهم لمهامهم وهم يرتدون ستراتهم الصحفية في الميدان، أو داخل مقار عملهم، أو في الخيام الصحفية التي أقيمت بجوار المستشفيات لتسهيل التغطية الإعلامية، أو مع أسرهم داخل منازلهم التي دمرت فوقهم.

بين الحقيقة والموت: ما معنى أن تكون صحفيًا في غزة؟
الاحتلال الإسرائيلي وقتل الصحفيين / shutterstock

للدلالة على الطابع الممنهج لاستهداف الصحفيين، يكفي الإشارة إلى أن هذا العدد الكبير من الضحايا من الصحفيين في فترة زمنية قصيرة لم يسبق له مثيل، لا في الحروب العالمية، ولا خلال الحروب في فيتنام، البوسنة، العراق، أفغانستان، وحتى في أوكرانيا، لم يكن التهديد لمهنة الصحافة بهذا القدر من الخطورة في  أي صراع آخر كما هو الحال اليوم.

وبالتوازي مع القتل، يتعرض صحافيون للاعتقال التعسفي وجرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية خلال العملية البرية لقوات الاحتلال، وجرى الإفراج عن بعضهم، فيما ما يزال آخرون قيد الاعتقال والإخفاء القسري ولا يعرف مصيرهم، حيث حُرموا من أي فرصة للحصول على تمثيل قانوني وضمان معاملتهم معاملة إنسانية.

إضافة إلى إصابة العشرات من الصحافيين بجروح مختلفة في هجمات جوية ومدفعية وعمليات إطلاق نار مباشرة من قبل الاحتلال، وبعضهم عانى من جروح خطيرة، ومنهم من تعرضوا لحالات بتر في الأطراف، في وقت تعرضت الغالبية العظمى من المقار الصحافية في قطاع غزة للتدمير المتعمد بشكل كلي أو جزئي وخرجت عن الخدمة، بينما تعطل نظام بث الغالبية العظمى للمحطات الإذاعية الـ 24 في قطاع غزة بسبب القصف المتواصل أو بسبب منع إدخال الوقود إلى القطاع.

فضلًا عن ذلك، عمد الاحتلال حسب بيان المرصد إلى التضييق على القنوات الفضائية العاملة في الأراضي الفلسطينية على خلفية تغطيتها الصحفية، وكان من بين ذلك إيقاف عمل شبكة الجزيرة وشبكة الميادين الإعلامية في فلسطين.

فقد استهدفت الطائرات الإسرائيلية بداية الحرب المقرات الإعلامية، مدمرةً أكثر من 50 مقرّ وسيلة إعلام، بالإضافة إلى عمارات أخرى تتركّز وسط مدينة غزة اعتاد الصحفيون على بثّ ما يجري في كل حرب على غزة منها. محافظاً، على تقليده في العنف على غزة في قَصف العمارات التي تضمّ مكاتب المؤسسات الإعلامية المحلية والعربية والدولية، كما فعل في حروبه في الأعوام 2012 و2014 و2021.

كل هذا العنف، يأتي بالتوازي أيضاً، مع الضغوطات التي تمارس على المؤسسات الإعلامية لإيقاف الدعم المالي عنها، فعلى سبيل المثال، أوقفَ بثّ قناة الأقصى من قبل الشركة الفرنسية المشغلة استجابة لضغوط فرنسية وإسرائيلية، كما تقول القناة، وسعى الاحتلال جاهدًا إلى إغلاق أو وقف تغطية فضائية الجزيرة. وأخبر الاحتلال، مؤسسات صحافية دولية مثل وكالة رويترز بأنها لا تضمن سلامة طواقمها في غزة. وهدد صحفيين بالقتل عبر الاتصال بهم من أرقام مخفية الهوية.

إن دماء كل الذين سقطوا على تراب غزة لا تُحصى كأرقام في سجلات، والاحتلال يدرك تمام الإدراك أن هذه الدماء تروي قصصًا عميقة الأثر، لذلك يستهدف الصحفيين عن عمد لأنه يعي أن الصحافة ليست مهنة عادية بالنسبة للفلسطينيين، بل هي وسيلة وبندقية لهم لرفع صوتهم، ولكسر حواجز اللامبالاة العالمية، ولجذب الأنظار نحو معاناة شعب يناضل من أجل بقائه وكرامته. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ظاهر صالح
كاتب وصحفي فلسطيني
كاتب وصحفي فلسطيني
تحميل المزيد