الأسبوع الماضي، وتحديدًا عند 5 يوليو/تموز، شهدت إيران حدثًا سياسيًا مهمًا تمثل في انتخاب مسعود بزشكيان المرشح الإصلاحي رئيسًا جديدًا للبلاد، متفوقًا بفارق 3 ملايين صوت عن منافسه.
وجاء ذلك بعد الجولة الثانية، فبعد الجولة الأولى من الانتخابات، لم يتمكن فيها أي مرشح من تجاوز حاجز الـ 50% من الأصوات، توجه الناخبون إلى جولة ثانية.
خلال الجولة الأولى، حصل بزشكيان على 10.4 مليون صوت، بينما جاء المرشح المحافظ سعيد جليلي في المرتبة الثانية بحصوله على 9.5 مليون صوت. وفي ظل نسبة مشاركة متدنية بلغت 40%، كانت التوقعات بشأن الفائز النهائي مشوبة بالغموض. في الجولة الثانية، ارتفعت نسبة المشاركة إلى 50%، وحقق بيزشكيان الفوز بنسبة 53.7%، ليصبح الرئيس الإصلاحي الجديد لإيران.
يعيد هذا الحدث إلى الأذهان فترة الإصلاح بين عامي 1997 و2005، عندما كان محمد خاتمي رئيسًا. خلال تلك الفترة صعدت آمال كبيرة بالتغيير، حيث انتُخب خاتمي بنسبة 69.1% في انتخابات بلغت نسبة المشاركة فيها 79.9%.
كانت فترة خاتمي مليئة بالنقاشات حول مواضيع كانت تعتبر محرمة، مثل المجتمع المدني، والحقوق الدستورية، والمشاركة السياسية، والديمقراطية الإسلامية، والحقوق الفردية، وحرية الصحافة، وسيادة القانون، والتعددية، والشفافية، وحقوق المرأة. رغم الآمال والتوقعات الكبيرة لم يحدث تغيير جليل، إذ فشلت حركة الإصلاح في تحقيق أهدافها لأسباب متعددة.
اليوم، ومع انتخاب بزشكيان، تلوح التساؤلات حول إمكانية إحياء مشروع الإصلاح وإعادة خلق المناخ السياسي الذي ساد في التسعينيات؟ لا يمكن الجزم بشيء، لكن ما يمكن التأكيد عليه الآن هو أن التحولات التي شهدتها البنية الاجتماعية والسياسية في إيران، إلى جانب التغيرات في العلاقات الخارجية والتحولات الإقليمية الجارية، ربما تضعنا أمام مشهد مختلف تمامًا عما كان عليه الحال في التسعينيات.
يُحسب مسعود بزشكيان على المعسكر الإصلاحي، وفي الانتخابات الرئاسية الحالية حصل على دعم كبير من قادة المعسكر الإصلاحي مثل محمد خاتمي الرئيس السابق، وجواد ظريف وزير الخارجية الإيراني السابق في حكومة المعتدل حسن روحاني، الذي دعم أيضًا بزشكيان.
بزشكيان، البالغ من العمر 69 عامًا، هو جراح قلب معروف وعضو برلمان يمثل محافظة أذربيجان الشرقية منذ عام 2008. ينحدر من نفس المنطقة التي ينحدر منها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي.
خلال مسار بزشكيان السياسي؛ شغل منصب وزير الصحة خلال فترة رئاسة خاتمي، كما تولى منصب نائب رئيس البرلمان المنتخب في عام 2016 الذي هيمن عليه المعتدلون. تشمل وعوده الانتخابية منح الحقوق الثقافية للأقليات، وحماية الشباب، ورفع الحظر على الإنترنت، وإزالة شرطة الأخلاق من الشوارع، وتحسين العلاقات الخارجية مع الغرب للتخلص من عزلة إيران والعقوبات.
لذلك، فهناك توقعات من الشباب والنساء والأقليات وأولئك الذين يريدون التغيير. لديهم توقعات عالية. لكن نجاحه في تحقيق هذه التطلعات سيظل مرهونًا بتفاعله مع المؤسسات القائمة والقوى الفاعلة في النظام في ظل هذه الظروف.
إن تاريخ النظام السياسي في إيران يعكس حالتين بارزتين: إما أن تتوحد أركان النظام تحت قيادة التيار المحافظ، أو أن يتمكن التيار الإصلاحي من السيطرة على إحدى السلطات أو أكثر.
في عهد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، شهد النظام توحيداً غير مسبوق، حيث هيمن المحافظون على السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى مثل الحرس الثوري ومجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام وحتى الإذاعة والتلفزيون. على الرغم من هذا التناسق، فإن عملية صنع القرار لم تكن بالسلاسة المتوقعة، بل برزت الخلافات الداخلية في صفوف المحافظين، مما عرقل بعض الإجراءات والسياسات.
اليوم، وبعد فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان بالانتخابات الرئاسية المبكرة، تثار العديد من التساؤلات حول التحديات التي ستواجهه، خاصة فيما يتعلق بالسلطة التنفيذية في ظل برلمان تهيمن عليه الأغلبية المحافظة. بزشكيان، الذي ألحق الهزيمة برجل حكومة الظل المحافظ المتشدد سعيد جليلي ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، ربما يجد نفسه في مواجهة عقبات كبيرة، ليس أقلها التفاهم مع البرلمان لتشكيل مجلس الوزراء.
ربما يرى البعض أن مسار مسعود بزشكيان السياسي قد يكون دلالة مهمة على مستقبل السياسة الخارجية لإيران، حيث يرى العديد من المحللين الغربيين أنه يمثل نهجًا أكثر واقعية وأقل تصادمية تجاه الداخل والخارج. لكن بزشكيان، الذي شغل منصب وزير الصحة سابقًا، يتمتع بخبرة قليلة في السياسة الخارجية، رغم ذلك، تعهد بتمكين الدبلوماسيين الإيرانيين المؤيدين للعولمة من إدارة أجندته الخارجية، مما ربما يرجح أن يسعى في تحقيق علاقة أكثر هدوءاً مع الغرب. لا سيما في ظل دعمه المستمر من وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، الذي لعب منذ اليوم الأول لترشح بزشكيان، لعب دورًا كبيرًا في حملة بزشكيان الانتخابية، إذ تنقل بين المدن لحشد التأييد وتشجيع الشعب على المشاركة في الانتخابات والتصويت لصالح بزشكيان. لذا، يتوقع الكثيرون أن يكون لظريف دور بارز في حكومة بزشكيان المستقبلية.
بالإضافة لذلك، أكد بزشكيان مرارًا عزمه على بذل قصارى جهده لإحياء الاتفاق النووي مع دول "5+1″، مما يشير إلى نيته في اتباع نهج دبلوماسي مرن يسعى لتخفيف التوترات مع المجتمع الدولي. ودعم ظريف، الذي يعتبر المهندس الرئيسي للاتفاق النووي، يعزز هذه التوجهات ويزيد من احتمالية تحقيق تقدم في هذا الملف.
على الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، لا يمكن الجزم بحدوث تغيير كبير في بوصلة السياسة الخارجية الإيرانية، وخصوصًا في هذا الوقت. تبقى صلاحيات الرئيس في إيران محدودة، إذ تقع المسؤولية الأولى في الحكم على عاتق المرشد الأعلى الذي يُعتبر رأس الدولة وواضع الخطوط العريضة للسياسات في طهران.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.