يصر نتنياهو ومن معه من اليمين المتطرف على رفض أي صفقة تبادل أسرى تشمل وقفًا لإطلاق النار، ويعتبرونها هزيمة لهم أمام المقاومة.
فيما يؤكدون من جديد في كل مرة أن تحرير الأسرى، لن يتم إلا بالقوة العسكرية وهو ما دحضته عدة محاولات لتحرير أسرى ورهائن في عمليات خاصة، وكل محاولة أدّت إلى مزيد من القتلى ومصرع المزيد من الأسرى، وكل محاولة مستقبلية تشكل خطرًا على المتبقين منهم!
الحقيقة أنَّهم في حكومة فاشية ليس من أولوياتهم أن يعود الرهائن والأسرى، وخصوصًا الجنود إلى ذويهم! ولو عرفوا مكان وجودهم، لما تأخَّروا لحظةً عن قصفهم بعشرات الأطنان من المتفجرات لقتلهم والتخلّص من ضغط أسَرِهم التي تطالب بإعادتهم أحياءً.
في الوقت الذي تحاول المقاومة أن تبقي الأسرى أحياءً، فهي أكثر حرصًا عليهم، لأنّهم بالنسبة لها الكنز الذي يجب المحافظة عليه، ومن دونه ليس لديهم ما يساومون فيه لإطلاق سراح آلاف الأسرى، أو لعقد اتفاق لوقف حرب الإبادة هذه.
وينظر أصحاب القرار في حكومة التّطهير العرقي إلى الأسرى من الجنود بأنّهم يستحقّون العقاب، لأنّهم لم يدافعوا عن أنفسهم كما يجب، ولم يقوموا بالمهام التي أوكلت إليهم بحفظ خط المواجهة مع قطاع غزة! لهذا فهم لا يرون أنّهم يستحقون وقف الحرب لأجل استعادتهم. فإذا نجحوا بتحريرهم بالقوة وهم أحياء، تكون هذه صورة النصر الكبيرة، أما إذا قتلوا نتيجة القصف أو نتيجة مواجهة مباشرة مع حراسهم، حينئذ سيكتفون بتحميل المقاومة مسؤولية مصرعهم.
هذا هو المنطق الذي يحرّك نتنياهو و حكومتُه، التي تعاني من فائض في التطرّف والدَّموية والكراهية، ولا ترى أيَّ سبيل إلى حلول مع أي نوعٍ من الفلسطينيين سواء كانوا مقاومين أو مستسلمين، وفي وقاحة استعمارية عنصرية، تسعى رغم هذا إلى إرغام دول عربية على التطبيع بواسطة الإدارات الأميركية الضاغطة على العرب لأجل التّطبيع. جو بايدن يحاول التخفيف من وطأة تطرُّف نتنياهو وحكومته، فيكذب، ويزعم أن هذا لا يستثني حلَّ الدولتين، فيسارع هذا ليكذّبه.
أميركا لن تضغط على إسرائيل ضغطًا حقيقيًا فالمصالح مشتركة، والاستقرار يتعارض مع مصالحها، و"لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها"! لأنَّ إسرائيل تقدّم خدمات كبيرة لأميركا، وعلى رأسها استنزاف العرب وطاقاتهم، والعمل على إبقائهم في صراعات داخلية وتأجيجيها حيث وُجدت.
الخلافات داخل حكومة الحرب تشير إلى عدم الثّقة بين مركّبات هذه الحكومة، هناك من يريد صفقة ولو بثمن وقف الحرب، لأنَّه يدرك بأنَّ الحرب ستطول، وفي النهاية قد يُقتل الأسرى عبثًا، وفي الوقت ذاته لن يتم التخلّص من المقاومة، وحتى لو قتلت إسرائيل بعض قيادات حماس فإن الحرب سوف تستمر بصورة عمليات عسكرية خاطفة! ولهذا يرى جانب من حكومة الحرب وقيادات عسكرية عديدة، أنّ عقد الصَّفقة الآن أفضل من تأخيرها الذي يكلّف أثمانًا باهظة.
أما نتنياهو الذي يسعى لكسب الوقت في كل محاولة فهو مثل المقامر الذي يتوقع الرِّبح بعد كل محاولة وأخْرى، ولكنَّه في الواقع يخسر المزيد، رغمَ معاناة الجانب الفلسطيني التي باتت فوق تحمُّل البشر، وكذلك الخسائر الإسرائيلية التي لا يستهان بها.
كذلك فإن استمرار الحرب في القطاع يزيد من احتمال تفجّر الوضع إلى حرب واسعة في الجبهة الشمالية، سيكون ثمنها باهظًا أكثر لكل شعوب المنطقة، كذلك فإن ضغط الحوثيين على الملاحة في باب المندب، أثَّر وسيزداد تأثيره سلبًا على الاقتصاد المحلي والعالمي.
نتنياهو يحاول الابتعاد قدر الممكن عن يوم السّابع من تشرين الأول / أكتوبر لعلَّ وعسى أن يحقّق إنجازًا يقلب الصورة رأسًا على عقب.
ما يطرحه الآن، هي حربٌ مستمرّة من غير أيّ فُرصٍ لحلول من أي نوع كان، وبهذا يقامر، إما أن يربح وينفذ ما يخطّط له وهذا بات مستحيلاً وسيؤدي إلى بحر من الدماء، أو أن يُلجَم بأيّة طريقة كانت، ويجري التسريع به ومن معه إلى مزبلة التاريخ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.