إلى المحرومين من أوطانهم المبعدين عن الأهل والأحباب.. رسالة للمهاجرين الجدد

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/05 الساعة 10:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/05 الساعة 10:17 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية/shutterstock

"لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية…" مبدأ أقره النبي لأهل مكة بعد فتحها، ومعناه لا هجرة من مكة بعدما فتحها الله، وليس المعنى نفي الهجرة بالكلية، فقد قال تعالى:وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً…." أي يجد متحولاً عما كان عليه وسعة رزق، فاستشعروا أيها المغتربون قسراً والنازحون جبراً والمبعدون عنوة أجر الهجرة وأجر المهاجرين، احتسبوا فراق مسقط الرأس ومرتع الجسد ومسكن الروح.

أيها المهاجرون الجدد: لا تحزنوا؛ فلستم أول المهاجرين؛ فقد أُخرج كثير من الأنبياء من ديارهم، وهكذا فُعِل مع أتباعهم لأنهم أناس يتطهرون، وهاجر كثيرون بحثاً عن مكان آمن يستقبل الدين الجديد، وهكذا فعل حبيبكم محمد؛ فلم تكن هجرته قفلاً لباب الأحزان قدر ما كانت مفتاحاً لباب دولة الإيمان.

أيها المُبعد عن الديار: لقد هاجر سيدنا إبراهيم بدعوته، وصبر وتحمل وحاول وحاور؛ لذا استحق أن يكون وحده أمة، ولقد خرج سيدنا موسى من وطنه خائفاً يترقب ولبث سنين في أهل مدين، حياة غير الحياة ومياه غير المياه، أصبح راعياً للأغنام متنقلاً بين الخيام وهو الذي رُبّي في أفخم القصور، ولكن العبرة بالخواتيم؛ لقد عاد نبياً مرسلاً؛ ليُخرِج من طاردوه من ظلمات الظلم إلى نور العدل؛ فلا تجزع يا صديقي ولا تحزن طالما أن الله مدبر الأمر ولا تجزع لحادثة الليالي؛ فما لحوادث الدنيا بقاء

أيها المغترب الآمل: لقد اغترب يوسف وعمره ست سنوات، وتربى في وطن غريب، بين أناسٍ أغراب، يتحدثون لغة غير لغته، ويأكلون طعاماً غير طعامه، صابراً راضياً محسنًا حتى أصبح عزيز مصر؛ فاصبر واحتسب؛ فأنت لا تدري ما أعده الله لك في المستقبل القريب؛ فقدم ما يُنتظر منك، تميز في عملك، كن قدوة ومرجعاً في مجالك، كن محسناً وإن لم تلق إحساناً، كن شامة بين رفاق غربتك؛ لتفرض على الجميع احترامك وتقديرك، فإنك بفعالك وصبرك وتميزك وخلقك ستكون نعم القوي الأمين.

أيها المهاجرون الجدد: لا تجعلوا حزنكم على فراق دياركم ينسيكم الفرحة بالديار الجديدة وبالنعم المتجددة؛ فطالما سَلِمَ لكم دينكم وطاوعتكم أنفسكم على الخير، وطالما بتم آمنين في سربكم معافين في أبدانكم؛ فقد ملكتم الدنيا بحذافيرها؛ فلا تحزنوا ولا تعطلوا مسيرة تقدمكم أو توقفوا قطار تميزكم حتى تعودوا لمحطة الوطن؛ فعقارب الساعة لن تتوقف، وعداد أيامكم لن ينتظركم حتى تعودوا لدياركم؛ فكل لحظة محسوبة عليكم؛ فلا تضيعوها في العيش في ظلال الماضي هرباً من هجير الحاضر؛ فالله جعل هجرتكم فتحاً ونصراً ودعوة وبركة ورزقاً وانتشاراً وذكراً واستمراراً.

"ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون".

أيها المهاجرون الجدد: لو انتظر ابن عوف حتى يعود لمكة ليكمل تجارته لمات فقيراً؛ فالحياة لا تنتظر المنتظرين، ولو ركن المسلمون لأحزان الحنين ما عادوا فاتحين، ولو استسلموا للبكاء على أجمل الذكريات لما سمعوا بمكة بعد الفتح التكبيرات؛ فاعملوا للحظات الانتصار، واستعدوا للحظة العودة مصلحين مؤثرين منتصرين، وما ذلك على الله بعزيز.

 أيها المغترب الوحيد: وطنك هو ما تشعر فيه بالأمان، وديارك هي من تسكنها، وأهلك من سألوا عنك واهتموا بأحوالك، ورفاق غربتك المخلصون هم أهلك حين يغيب الأهل وخلانك حين خانك الخلان، هم درعك في الأزمات؛ فلا تجعل البكاء على اللبن المسكوب يضيع عليك فرص تلاقي القلوب.

أيها المهاجر الصابر: الأمل طوق نجاة في بحر الغربة، والتفاؤل حبل متين تتمسك به وأنت في جب البعد، فعش بأمل اللقاء؛ فانتظار الفرج عبادة، وإنما هي أيام ستنقضي وسنعود -بإذن الله- للجنة موطننا الأصلي؛ فكلنا مهاجرون إليها من هجير الدنيا والآخرة خير وأبقى"، فلا تجعل البكاء على الوطن المسلوب ينسيك العمل للفوز في الوطن الأبدي المحبوب.

أيها الباكون في عتمة الذكريات، المشتاقون لرؤية الآباء والأبناء والأهل والعمات والخالات، المحرومون من رؤية الكرام الأحياء ومن وداع الأحباب الأموات: لا تحسبوا أن هذا سيمر دون حساب أو ثواب؛ سيحاسب الله من تسبب في ظلمكم أو بعدكم أو حزنكم، وسيرفع الله بصبركم قدركم ويعلي ذكركم وشأنكم.

 أيها الأبطال المهاجرون: ربوا أنفسكم بسيرة المهاجرين الأوائل الذين فتحوا العالم بأخلاقهم قبل كلامهم، وبهمتهم قبل قوتهم، وبنقاء قلوبهم قبل بياض سيوفهم؛ لذا سادوا العالم وخلدوا في التاريخ ذكرهم:

بنينا حقبة في الأرض ملكا               يدعمه شباب طامحــونا
  شباب ذللوا سبل المعــالي           وما عرفوا سوى الإسلام دينا

أيها الأحباب لم أكتب ما كتبت لأقلل من شوقكم لوطنكم؛ فحب الأوطان من الإيمان، ولقد ودع حبيبكم محمد مكة بكلمات خلّدها التاريخ في حب الأوطان: "…والله لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، وإنما لأربّت على كتف كل مغترب، وأمسح دمع كل حزين، وأواسي كل مهموم، وأصبّر من طالت غربته ولم تجف دمعته، وأهوّن على من ترك أولاده صغاراً ويمني نفسه حالياً برؤية أولادهم الصغار، على أمل بلقاء قريب في ساحات العودة وميادين الانتصار.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد فؤاد
كاتب مصري
تحميل المزيد