إن دورة الألعاب الأولمبية المقبلة في باريس، والتي من المقرر أن تبدأ في السادس والعشرين من يوليو/تموز، تحمل وعدًا بالوحدة والروح الرياضية وهي تتخذ كذلك شكلًا من أشكال اندماج الرياضيين حول العالم من مجتمعات وثقافات متنوعة ومختلفة. ومع ذلك، وفي خضم هذا الاحتفال العالمي، تكمن قضية مثيرة للجدل تتطلب اهتمامًا عاجلًا وهي مشاركة إسرائيل في هذه الألعاب. إن الدعوة إلى حظر إسرائيل من المشاركة في أولمبياد باريس ليست مجرد خطاب سياسي، بل هي موقف أخلاقي مُلِح مدفوع بالجرائم الأخيرة التي ترتكبها في قطاع غزة وتداعياتها الأوسع على العدالة الدولية وحقوق الإنسان.
لقد أدت الحرب الهمجية الجارية في غزة إلى معاناة إنسانية مدمرة، ودمار واسع النطاق، وهو تذكير صارخ بالحرب المستمرة التي ابتُليت بها فلسطين منذ عقود. وقد أثارت جرائم الحكومة الإسرائيلية خلال هذا الصراع إدانة واسعة النطاق من مختلف الجهات، بما في ذلك المنظمات الدولية وجماعات حقوق الإنسان والمجتمع المدني. إن الحرب على غزة، والتي اتسمت بالاستخدام غير المتناسب للقوة وارتكاب جرائم حرب، تؤكد الحاجة الملحة إلى قيام المجتمع الدولي بإعادة تقييم موقفه من مشاركة إسرائيل في الأحداث الدولية، بما في ذلك الألعاب الأولمبية.
ربما يكون منع إسرائيل من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في باريس هو بمثابة إجراء رمزي ولكنه فعال لمحاسبة هذا الاحتلال على جرائمه. إن الألعاب الأولمبية هي أكثر من مجرد سلسلة من المسابقات الرياضية؛ إن الرياضيين يمثلون قمة التعاون الدولي والسلام واحترام كرامة الإنسان. إن السماح لدولة متهمة بارتكاب انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان بالمشاركة يقوض هذه المبادئ ذاتها ويرسل رسالة مثيرة للقلق إلى المجتمع العالمي. إنه يدفع لتطبيع التسامح مع الجرائم وقتل الأطفال والنساء وتجويعهم وفرض حصار خانق عليهم وهذا جميعه يتعارض مع القيم الأساسية التي بنيت عليها الألعاب الأولمبية والأحداث الرياضية الأخرى. ولذلك، فإن الدعوة إلى استبعاد إسرائيل متجذرة في الرغبة في الحفاظ على سلامة الألعاب والتضامن مع ضحايا حملات إسرائيل العسكرية.
ويمكن أن يشكل دور المجتمع المدني في باريس وخارجها أهمية بالغة لتحقيق هذا المسعى. لكن سيتعين على الحركات الشعبية، والمنظمات غير الحكومية، والمواطنين المعنيين من الجالية العربية والمسلمة وغير المسلمة أن يتحدوا في جهودهم للتعبير عن اعتراضاتهم وتنظيم الاحتجاجات. وتعتبر هذه الإجراءات الجماعية ضرورية لجذب الانتباه الدولي إلى هذه القضية والضغط على صناع القرار. فلقد كان المجتمع المدني تاريخيًا قوة مؤثرة في إحداث التغيير، من الحركات المناهضة للفصل العنصري إلى الاضطرابات المناخية العالمية. ومن خلال تعبئة الرأي العام وتنظيم المظاهرات السلمية، يستطيع المجتمع المدني في باريس أن يلعب دوراً محورياً في الدفع باتجاه استبعاد إسرائيل من الألعاب الأولمبية.
إن التأكيد على أهمية هذه الجهود ليس فيها أي مبالغة، فالاحتجاجات والمظاهرات العامة هي بمثابة تمثيل واضح وصريح للسخط الواسع النطاق والغضب الأخلاقي ضد إسرائيل. علاوة على ذلك، يمكن لمثل هذه الإجراءات أن تؤثر على صناع السياسات والجهات الراعية والهيئات الدولية لإعادة النظر في مواقفهم واتخاذ موقف من أجل العدالة وحقوق الإنسان.
لقد شملت الحرب المنهجية التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة مجموعة متنوعة من الهجمات المستهدفة التي تجاوزت ساحة المعركة لتصل إلى قلب المجتمع الفلسطيني. أحد الأمثلة المهمة على هذه الحرب الهمجية هو التدمير المتعمد للبنية التحتية الرياضية، بما في ذلك مكتب اللجنة الأولمبية الفلسطينية، الذي يعد رمزًا للفخر الوطني والتمثيل الدولي للفلسطينيين. علاوة على ذلك، فإن اعتقال وقتل الرياضيين الفلسطينيين لا يسلب الأفراد حياتهم وأحلامهم فحسب، بل يبعث أيضًا برسالة مخيفة حول إبادة الهوية والتطلعات الفلسطينية. وقد أثارت هذه الأعمال الغضب وسلطت الضوء على العواقب الوخيمة للأعمال الاستعمارية الإسرائيلية على الحياة المدنية والمؤسسات الثقافية داخل قطاع غزة والضفة الغربية كذلك.
إن إدراج إسرائيل في الألعاب الأولمبية وسط هذه الجرائم يفتح باب أسئلة أخلاقية عميقة. فالسماح لإسرائيل بالمشاركة دون عواقب يمكن أن يُنظر إليه باعتباره موافقة ضمنية من اللجنة الأولمبية الدولية على جرائم الحرب هذه، الأمر الذي يقوض قيم السلام والاحترام والتعاون الدولي التي من المفترض أن تكون جوهر هذه التجمعات الرياضية، والتي تدعمها الألعاب الأولمبية. فقد أشعل هذا الوضع جدلًا عالميًا حول دور الرياضة في السياسة الدولية والمسؤوليات الأخلاقية للهيئات الرياضية العالمية.
ونؤكد هنا من خلال الدعوة إلى فرض حظر على مشاركة إسرائيل في الأحداث الرياضية العالمية، على المعايير المزدوجة الكبيرة في تعامل اللجنة الأولمبية الدولية مع الصراعات الدولية. وبينما سارعت اللجنة الأولمبية الدولية إلى اتخاذ إجراءات حاسمة ضد بعض الدول، فقد أظهرت إحجامًا ملحوظًا عن التعامل مع دول أخرى بنفس القدر من الشدة. وتسلط السوابق التاريخية الضوء على التأثير الذي يمكن أن تحدثه مثل هذه القرارات: على سبيل المثال، تم منع جنوب أفريقيا من المشاركة في الألعاب الأولمبية خلال حقبة الفصل العنصري تجاه ذوي البشرة السوداء في جنوب أفريقيا. كان هذا الحظر جزءًا من مجموعة أوسع من العقوبات الدولية التي ساهمت في نهاية المطاف في تفكيك نظام الفصل العنصري، وإظهار قوة الرياضة العالمية في تعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
وبالمثل، أدت الضغوط والحملات الدولية إلى فرض عقوبات وحظر على دول أخرى بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. وهذه التدابير ليست رمزية فحسب؛ إنها أدوات قوية يمكنها عزل الأنظمة القمعية وإجبارها على التغيير.
ومع ذلك، فإن تقاعس اللجنة الأولمبية الدولية عن إدانة وتجاهل العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في غزة يمثل تناقضًا واضحًا. وعلى الرغم من الإدانة الدولية واسعة النطاق لهذه الجرائم باعتبارها انتهاكات لحقوق الإنسان وأعمال إبادة جماعية، فإن اللجنة الأولمبية الدولية لم تفرض عقوبات مماثلة على إسرائيل. ويسلط هذا التناقض الضوء على ازدواجية المعايير المثيرة للقلق والتي تعمل على تقويض مصداقية اللجنة الأولمبية الدولية والتزامها بحقوق الإنسان. فهو يثير تساؤلات حاسمة حول حياد المؤسسات العالمية ودورها في معالجة الصراعات الدولية.
في جوهر الأمر، لا تقتصر الحملة الحالية ضد مشاركة إسرائيل في الألعاب الأولمبية على الرياضة فحسب؛ إنها دعوة للجنة الأولمبية الدولية إلى التمسك بمبادئها باستمرار ودون تحيز. إنه مطلب للعدالة والمساواة والاعتراف بأن جميع الدول يجب أن تخضع للمساءلة عن أفعالها. وتثبت الأمثلة التاريخية لجنوب أفريقيا وروسيا أن اللجنة الأولمبية الدولية تتمتع بالقدرة على التأثير على السياسة العالمية وتعزيز حقوق الإنسان. والأمر الآن متروك للجنة الأولمبية الدولية لتقرر ما إذا كانت سترتفع إلى مستوى هذا التحدي أو ستستمر في إدامة المعايير المزدوجة التي تؤدي إلى تآكل نزاهتها وقيم الحركة الأولمبية.
إن منع إسرائيل من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في هو بمثابة تذكير بأن الرياضة، رغم كونها قوة موحدة قوية، لا يمكن فصلها عن السياق الأوسع للعلاقات الدولية وحقوق الإنسان. لذلك، أجد أن تضافر جهود المجتمع المدني أمر حتمي في هذا النضال، لأنه يجسد الضمير الجماعي للإنسانية الذي يقف ضد القمع والظلم. فمن خلال الدعوة إلى استبعاد إسرائيل، نستطيع أن نرسل رسالة واضحة مفادها أن المجتمع الدولي لن يغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل بشكل يومي وعلى مدار تسعة أشهر متواصلة على مرأى من العالم، وأنه يجب الحفاظ على روح الألعاب الأولمبية في أصدق صورها بعيدًا عن مجرمي الحرب من الاحتلال الإسرائيلي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.