يبدو أن دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الأسبق لن يستمر في الاحتفاظ بهذا اللقب طويلاً، بل سيكون في ذات الوقت الرئيس الأمريكي القادم بقوة في ظل تنامي شعبيته المستمرة بين الأوساط الأمريكية، فبحسب أغلب الاستطلاعات الرسمية، تقدم ترامب على منافسه الرئيس الحالي جو بايدن في ست ولايات حاسمة بالرغم من العديد من التهم التي وجهت لترامب في الآونة الأخيرة. وكان من بين أبرز هذه التهم ما صدر عن هيئة المحلَّفين في نيويورك في 30 مايو/أيار الماضي حيث تم إدانة دونالد ترامب بكل التهم الـ34 الموجهة إليه في قضية دفع أموال بما يخالف القانون لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية، ليصبح أول رئيس أمريكي سابق يُدان جنائياً. وبعد كل التحليلات التي توقعت نهاية مستقبله السياسي وتراجع شعبيته، خصوصاً بعد التهم الأخيرة التي تستدعي سجنه قانونياً، إلا أن دونالد ترامب يعود للمنافسة بشكل سريع جداً بحسب لغة الأرقام والسياسة.
لماذا ترامب؟
في العديد من المناسبات والمقابلات والبرامج التلفزيونية، وحتى في ظل حملته الانتخابية، لطالما أدعى دونالد ترامب أنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي لم يشهد العالم في عهده أي صراعات وحروب حول العالم، بل اتسمت فترته بالتوازن الدولي والهدوء نسبياً هكذا يقول ترامب، وربما نتفق معه جزئياً فلا أحد ينكر أن سياسة دونالد ترامب كانت خليطاً بين العصا والجَزَرة، أي الترهيب والترغيب ومبدأ الثواب والعقاب الذي عزف عليه رجل الاقتصاد دونالد ترامب طوال فترة حكمه الممتدة من عام 2016 حتى 2020. ولذلك يرى العديد من المراقبين والمحللين أن عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ستجلب معها تغييراً واضحاً في السياسة الخارجية، وهو الملف الذي ينتظره الكثيرون الآن، فسياسة الخارجية لجو بايدن الديمقراطي ذو الـ81 عاماً جلبت زعزعة كبيرة ليس فقط في الشرق الأوسط بل في العالم أجمع، بدءاً من الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 من فبراير/شباط لعام 2022 وطوفان الأقصى في 7 من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2023 والأزمة السودانية والانقلابات الكبيرة في القارة الأفريقية وأزمة النفط العالمي وغيرها الكثير من القضايا العالمية التي ظهرت في عهده. كل هذه الأحداث ساهمت في تراجع حظوظ الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في الفوز بولاية ثانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل حسب استطلاعات الرأي الأمريكية. وعليه فإن ترامب بشخصيته الجدلية هو القادر على إحداث التغيير حسب المراقبين، ولعل الأيام القادمة ستكشف ذلك فهو الرجل الذي يجيد تحويل القضايا السياسية إلى صفقات تجارية رابحة له ولحلفائه!
نتنياهو وأخيه الأكبر :
إن التشابه الذي يحيط بين شخصية دونالد ترامب السياسية وبنيامين نتنياهو مثير للجدل حقاً، فالرجُلين قبل أي شيء هما من معسكر اليمين وكلاهما غير مرغوب به من قبل الأحزاب المعارضة وفي ذات الوقت كلاهما مشبع بقضايا الفساد وتلاحقه التهم من كل حدبٍ وصوب، كما أنهم لصدفة القدر مغرمون بالسلطة لحد بعيد. ومن هنا يمكن فهم العلاقة التي جمعت بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، الثنائي العجيب في عالم السياسة. فكلاهما حكم دولة قامت على تحييد سكانها الأصليين ومحوهم من ذاكرة التاريخ، وإن نجحت الأولى في ذلك ـ عن أمريكا أتحدث ـ فليس بالضرورة أن تنجح الثانية ـ عن إسرائيل أتكلم ـ فكما للظروف أحكام فإن للتاريخ أحكامه أيضاً. وما بين سكان أمريكا الأصليين (الهنود الحمر) وفلسطين فرق كبير و هائل جداً، لاعتبارات لا يمكن حصرها هنا. وعليه لكي نفهم العلاقة الوطيدة بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو كان لا بد من هذا المدخل؛ فقدوم دونالد ترامب للسلطة سيكون تتويجاً للجهود التي قامت بها جماعات الضغط والمصالح واللوبي الصهيوني في أمريكا وإسرائيل حتى وصف ترامب في الشارع الإسرائيلي بمثابة المخلص لدولة إسرائيل. كيف لا وهو الرئيس الأمريكي الأول الذي اعترف رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل وأمر بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وهو صاحب صفقة القرن المشؤومة كما هو نفسه من اعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان وغيرها الكثير من الخدمات اللامتناهية لدولة الاحتلال.
هذا ما يفسر الآن الرغبة غير العادية عند بنيامين نتنياهو لإطالة أمد العدوان على قطاع غزة حتى نوفمبر/تشرين الثاني القادم، فهو يرى في ترامب مكسباً كبيراً يمنحه الضوء الأخضر لتوسيع العدوان والاستمرار في جرائمه غير المعدودة، وهو الشيء نفسه الذي لم يجده في إدارة جو بايدن. بل على العكس من ذلك، فإن الخلافات بين الإدارة الأمريكية الحالية والحكومة الإسرائيلية طفت على السطح لأول مرة وبشكل علني تتناقله وسائل الإعلام. إذن، خطة نتنياهو الآن إطالة أمد العدوان على قطاع غزة وتوسيعه في الشمال ليصل إلى لبنان في ظل تقارير تتحدث عن قرب موعد الصدام بين حزب الله في لبنان والجيش الإسرائيلي، وهو ما سيخلق كارثة كبرى على مستوى الشرق الأوسط. وفي حال اندلعت هذه الحرب، لا يمكن لأي محلل سياسي أن يتخيل ذلك السيناريو المروع لشكل الحرب وتبعاتها. هكذا يفكر بنيامين نتنياهو وهكذا سيضمن سنوات عمره القادمة في حال فوز ترامب برئاسة أمريكا من جديد.
السعودية والتطبيع مع إسرائيل بين مدٍ وجزر
لا داعي للتكهن حول العلاقة التي كانت تربط المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة دونالد ترامب، حيث يمكن القول بأنها علاقات مميزة وقوية جداً منذ عقود، علاقات قائمة على تحالف متين استمر حتى إدارة دونالد ترامب الذي زار المملكة العربية السعودية بعد فوزه بالانتخابات الأمريكية بفترة وجيزة، وهو ما عُد بمثابة عرف أمريكي لضمان استمالة والحفاظ على الحليف الأكبر والأكثر أهمية في الشرق الأوسط. كما أن دونالد ترامب، عراب اتفاقيات التطبيع العربي مع إسرائيل، كان يحلم في إحداث صفقة تجمع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل عنوانها "تطبيع العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين"، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب رحيل إدارة دونالد ترامب ومجيء إدارة جو بايدن للسلطة في أمريكا مطلع عام 2021. ومع توتر العلاقات السعودية الأمريكية في ظل إدارة جو بايدن، وعلى رأسها ملف النفط وزيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار في السوق العالمي بسبب تبعات أزمة كورونا على الاقتصاد العالمي، رفضت السعودية الضغوط التي فُرضت من قبل أمريكا في ذلك الوقت لتبدأ حقبة التوتر البارد بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي جو بايدن.
وتم ترجمة ذلك في العديد من المواقف أبرزها عندما زار جو بايدن المملكة العربية السعودية في يوليو/تموز من عام 2022 حيث تم استقباله بشكل باهت ومخالف للأعراف الدبلوماسية التي جرت عليها العادة في استقبال أي رئيس أمريكي يزور السعودية. فبينما رقص دونالد ترامب إلى جانب الملك سلمان رقصة السيف الشهيرة أثناء زيارته، صافح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جو بايدن بابتسامة بلاستيكية! إذن هي المصالح ولا شيء غير ذلك، ولكن على ما يبدو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لا ينوي تسجيل أي إنجاز أو نصر لإدارة جو بايدن حالياً. على الرغم من أهمية التطبيع في وجهة نظر الطرفين، لا يخفى على الكثير منكم الرغبة الجامحة من قبل إسرائيل لإبرام اتفاق تطبيع للعلاقات مع المملكة العربية السعودية. ولكن هذه الرغبة الجامحة سرعان ما تلاشت مع انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو نفس الشهر الذي كانت تشير فيه التقارير إلى قرب موعد التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ولكن انكفاء إسرائيل على نفسها وبدئها في حرب الإبادة على غزة ساهم في طي هذه الصفحة على الأقل مؤقتاً؛ لتعود حكاية التطبيع مع السعودية من ضمن الأولويات والشروط لأي اتفاق هدنة قادمة بين فصائل المقاومة في غزة وإسرائيل، وهو على ما يبدو لن يتحقق في ظل وجود إدارة جو بايدن في السلطة. فالسعودية ترى أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة قادم لا محالة، وعليه لن تقدم أي إنجاز سياسي كبير لإدارة جو بايدن على طبق من ذهب إلا عندما يضمن فوز حليفها القديم المتجدد دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
أوكرانيا كما لم تروها من قبل؟
من ضمن الكوابيس التي تعيشها أوكرانيا هناك كابوس أعظم ينتظرها وهو فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، ويبدو أن البلد الأكثر رغبةٍ في عدم عودة ترامب للسلطة هي أوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي كيف لا وقد وعد ترامب بحلِّ الأزمة الأوكرانية في يوم واحد حال تسلمه السلطة في أمريكا وهو ما يثير القلق في أوكرانيا بسبب الشكل الغامض الذي سيتعامل به ترامب من أجل إنهاء هذه الحرب المستمرة منذ فبراير/شباط من عام 2022، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لديه علاقات جيدة جداً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
دفء العلاقات بين الدب الروسي وترامب يخيف الأوكرانيين بشكل لا يمكن إخفاؤه وهو ما حذر منه زيلينسكي في أكثر من ظهور له حيث قال إن عودة ترامب للسلطة تعني إيقاف المساعدات المالية والحربية التي تقدمها الولايات المتحدة لأوكرانيا لضمان استمرارها في الحرب وتبعياً ستتوقف أيضاً المساعدات الأوروبية كذلك ما يعني عدم قدرة أوكرانيا على الاستمرار وبالتالي الهزيمة أمام الروس؛ ترامب الذي وصف زيلينسكي باللص الذي يأتي للتسول في أمريكا وأوروبا ويعود بالمليارات بين يديه يؤكد في إشارة واضحة لرغبته في التعامل مع الملف الأوكراني بشكل مختلف جداً عن سلفه جو بايدن وهو ما لا يرغب به زيلينسكي ويدعمه بوتين، لا يمكن التنبؤ بشكل سياسة دونالد ترامب القادمة تجاه الملف الأوكراني ولكن ما يمكن قوله إن ترامب سيتعامل مع القضية كما لو أنها صفقة تجارية كعادته ومن المحتمل أن يتم التنازل عن الكثير من المناطق الأوكرانية وضمها لروسيا مع اعتراف أمريكا بذلك؛ ترامب ليس مهتماً لأمر أوكرانيا فهي لا تتشارك الحدود مع الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى كون ترامب يراها مشكلة أوروبية يجب على أوروبا وحدها أن تدفع الثمن وأمريكا أن تشاهد فقط، وعليه من المؤكد أن نرى خارطة جديدة لأوكرانيا في حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات القادمة، ونقول لفلاديمير بوتين: مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.