مجموعات المقاومة في المدن الفلسطينية.. طوفان الضفة الرابض

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/29 الساعة 11:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/29 الساعة 11:22 بتوقيت غرينتش
صورة أرشيفية لمقاومون فلسطينيون مسلحون في تشييع أحد الشهداء بمحافظة جنين/ الأناضول

منذ ظهور "كتيبة جنين" في شهر سبتمبر 2021، على إثر عملية "نفق الحرية"، ومن ثمّ انطلاق "عرين الأسود" في 2 سبتمبر 2022، تصاعد حضور مجموعات المقاومة المسلحة في مدن الضفة الغربية المختلفة، واستطاعت هذه المجموعات أن تستكمل مشهد المقاومة المسلحة في مدن الضفة الغربية ومخيماتها وخاصة بعد انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، على الرغم من محاولات الاحتلال المتكررة القضاء عليها واستهداف قادتها، وهو ما انعكس على حجم المعارك التي خاضتها هذه المجموعات، وفشل أذرع الاحتلال المتكرر في القضاء على فاعلية مجموعات المقاومة، وتطور فعلها العسكري والعملياتي.

الانتقال من الدفاع إلى الهجوم

بدأ أداء مجموعات المقاومة يتطور منذ بداية عام 2023، فقد شهدت تلك الفترة نقلة نوعية في أداء مجموعات المقاومة، من خلال انتقالها من الدفاع عن المناطق التي تتحصن فيها، إلى الهجوم باتجاه نقاط الاحتلال، فلم يعد دورها المقاوم مقتصراً على التصدي لاقتحامات جيش الاحتلال، واستطاعت تنفيذ عمليات نوعية خارج أماكن تحصنها، ففي 4/5/2023 نفذت "كتيبة طولكرم – الرد السريع" عملية نوعية استهدفت سيارة لمستوطنين، وأدت إلى مقتل مستوطن وانسحب المنفذون بسلام. إضافة إلى استخدام الصواريخ للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، ففي 24/5/2023 أعلن جيش الاحتلال العثور بقرية نزلة عيسى قرب جنين على قاذفة استخدمت لإطلاق صاروخ استهدف مستوطنة "شاكيد"، وفي 26/6/2023 أعلن جيش الاحتلال أن صاروخاً أُطلق من مدينة جنين باتجاه المستوطنات المحاذية، وفي اليوم نفسه نشرت مجموعة أطلقت على نفسها "مجموعة العياش" مقطعاً مصوراً يُظهر صاروخين من طراز "قسام 1″، معدين للانطلاق في منطقة زراعية، وبجوار أحدهما لافتة كُتب عليها "كتيبة العياش- قصف مغتصبات غلاف جنين، في مرج بن عامر بصواريخ قسام 1، الإثنين 26 يونيو 2023، والقادم أعظم.. الضفة درع القدس".

العبوات واستهداف التدريع الإسرائيلي

وإلى جانب هذه العملية يمكن تسليط الضوء على استخدام العبوات الناسفة في التصدي لاقتحام قوات الاحتلال للمدن الفلسطينية، وبحسب المقاطع المصورة التي تنشرها هذه المجموعات، فقد تطورت صناعة هذه العبوات وآثارها في آليات الاحتلال وجنوده، وأصبحت تتمتع بقوة تدميريّة كبيرة، ففي 31/8/2023 استهدفت "كتيبة نابلس" قوة مشاة راجلة لجيش الاحتلال بعبوة ناسفة، في محيط ما يعرف بمقام يوسف، أسفرت عن إصابة 4 عناصر أمنية، من بينهم ضابط. ومع تصاعد استخدامها للتصدي لقوات الاحتلال، بدأت الأخيرة استخدام الطائرات المسيرة لقصف أماكن تحصن المقاومين، على غرار ما جرى في 17/12/2023، عندما قصفت طائرات مسيّرة إسرائيلية مخيم نور شمس، وهذا ما أدى إلى ارتقاء عددٍ من المقاومين، وهو ما يُشير إلى عجز قوات الاحتلال على تحقيق نتائج عبر اقتحام آلياتها المناطق الفلسطينية.

وبرز استخدام العبوات ضمن كمائن تستهدف قوات الاحتلال المقتحمة، ففي 19/6/2023 نفذت مجموعات المقاومة في جنين كميناً تضمن تفعيل عبوات ناسفة وإطلاق نار، وهذا ما أدّى إلى إصابة 7 جنود، وتضرر ما بين 5 إلى 7 آليات، وانتظار دعم لسحب عددٍ منها.

وفي 7/1/2024 فجرت المقاومة عبوة ناسفة في وحدة خاصة لجيش الاحتلال، في حي الجابريات بجنين، أسفرت عن مقتل مجندة إضافة إلى إصابة 3 جنود، وفي 8/3/2024 أصيب 4 جنود إسرائيليين، وصفت جراح اثنين منهم بأنها خطيرة، بانفجار عبوة ناسفة وإطلاق نار قرب مستوطنة "حومش" جنوب جنين، وقد تبنت العملية "كتيبة جنين".

وشكلت العملية الأخيرة في 26 يونيو منعطفاً جديداً في أداء مجموعات المقاومة، وتحقيقها إصابة مباشرة في واحدة من أبرز آليات الاحتلال، فقد أعلن جيش الاحتلال في ذلك اليوم عن مقتل قائد وحدة قناصة وإصابة 16 جندياً، على أثر تفجير عبوتين ناسفتين بقوة إسرائيلية اقتحمت مخيم جنين، ومن أبرز الدلالات التي حملتها العملية تنفيذها بشكلٍ مركب، وهو استعادة للعمليات المركبة التي تقوم بها المقاومة في قطاع غزة، وعدم اكتشاف العبوات من قبل فرق الاحتلال الهندسية، فقد كشف موقع "واينت" العبري بأن العبوة انفجرت بمركبة مصفحة، ومع قدوم قوة أخرى للنجدة، انفجرت العبوة الثانية فيهم وأحدثت هذا العدد الكبير من الإصابات، وأشار الموقع إلى أن "قوة هندسية عملت في وقتٍ سابق، على فحص الطرقات، لكنها لم تحدد مكان العبوات، والتي كانت مزروعة بشكلٍ عميق".

معارك وعمليات نوعية

ولم يكن التطور متوقفاً على استخدام العبوات أو العمل على إطلاق الصواريخ، فقد خاضت هذه المجموعات عدداً من المعارك النوعية، تصدت من خلالها لمحاولات الاحتلال اقتحام المدن الفلسطينية والمخيمات، ومنعت الاحتلال من تنفيذ جرائمه من دون تصدٍ، وهو ما رفع كلفة أي عملية عسكرية تقوم بها قوات الاحتلال في مناطق الضفة، وتكبيد قوات الاحتلال خسائر كبيرة، وكانت أولى هذه المعارك في 3/7/2023، فقد أطلقت المقاومة معركة "بأس جنين"، للتصدي للعملية العسكرية التي أطلق عليها الاحتلال "بيت وحديقة" واستهدفت مدينة جنين ومخيمها، وامتدت المعركة لنحو 48 ساعة، وأفشلت المقاومة اقتحام قوات الاحتلال للمخيم، ولم تستطع إنجاز أيّ من أهدافها المتمثلة بتدمير المقاومة وبنيتها التحتية، على الرغم من مشاركة أكثر من ألف جندي من القوات الخاصة، بدعمٍ من سلاحي الجو والمدفعية، وردت المقاومة بالاشتباك مع قوات الاحتلال بالأسلحة والعبوات المتفجرة، وهذا ما أدى إلى مقتل جندي وإصابة آخرين، وإعطاب عدد من الآليات العسكرية المصفحة.

ولم تكن معركة "بأس جنين" هي الوحيدة، ففي 16/9/2023 خاضت "كتيبة جنين" معركة "بأس الأحرار"، تصدت فيها لقوات الاحتلال المتوغلة في المخيم، ونفذت كميناً محكماً أدى إلى إصابة 7 جنود، وإعطاب عدد من آليات الاحتلال. ومنذ ذلك الوقت تتصدى هذه المجموعات لمحاولات الاحتلال القضاء على الوجود المقاوم في الضفة الغربية، ففي 19/10/2023 خاض مقاومون من مختلف فصائل المقاومة في مخيم نور شمس بطولكرم، معركة شرسة مع قوات الاحتلال المتوغلة في المخيم، اشتبكوا خلالها مع قوات الاحتلال، واستهدفوا آلياته بالعبوات الناسفة محلية الصنع، وأسفرت هذه المعركة عن مقتل ضابط وإصابة 9 جنود آخرين، وأعطبت العبوات الناسفة عدداً من آليات الاحتلال وجرافاته العسكرية، وهذا ما أجبر قوات الاحتلال على الانسحاب. وفي 5/5/2024 نفذت قوات الاحتلال عملية عسكرية في بلدة دير الغصون شمال شرق طولكرم، استهدفت خلية تابعة لكتائب القسام، واستمرت الاشتباكات المسلحة نحو 15 ساعة، وأسفرت عن مقتل أحد جنود الاحتلال، وارتقاء 4 مقاومين.

إنجازات نوعية وحضور متنامٍ

وقد شكل صمود هذه المجموعات وما استطاعت تحقيقه، ومن ثم عملية "طوفان الأقصى" صورة راسخة للمقاومة الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية، وعلى الرغم من صعوبة العمل المقاوم في مدن الضفة، إلا أن هذه المجموعات استطاعت أن تحقق حضوراً علنياً تجاوز التنسيق الأمني الذي تتابع فصوله السلطة الفلسطينية، ومحاولات الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة أو التابعة للاحتلال خنق هذه المجموعات، واستهداف قادتها، وهو نجاح إضافيّ يسجل لها، وإلى جانب ما سبق فقد حققت هذه المجموعات جملةً من الإنجازات النوعية يمكن أن نسلط الضوء على أبرزها في هذه النقاط:

تثبيت الوجود العلني للمقاومة الفلسطينية في مدن الضفة الغربية، وتجاوز التنسيق الأمني، وهو ما لا تريده السلطة الفلسطينية، بل تسعى إلى القضاء على هذه المجموعات بالتعاون مع الاحتلال. وتحويل هذا الوجود إلى عنصر قلق للاحتلال، من خلال تنفيذ العمليات النوعية وصد اقتحامات قوات الاحتلال لمناطق وجود هذه المجموعات.

ترسيخ الفعل المقاوم في عمق الضفة الغربية، والتأكيد المستمر أن المقاومة قادرة على تنظيم شؤونها، وتنمية قدراتها، في سياق فعلٍ مقاوم مركزي ومتراكم.

توفير فرصة لمزيد من الانخراط في العمل المقاوم المسلح، وخاصة للفئات الشابة، التي تنضم إلى مجموعات المقاومة، وما يتصل بهذا الانخراط من التدريب والتنظيم وغيرها.

إيجاد المزيد من الجبهات التي تستنزف الاحتلال، وتشغل قدراته الأمنية، وهو دورٌ بالغ الأهمية يتجلى بالتزامن مع العدوان على قطاع غزة، وتحويل الضفة الغربية إلى مساحة مشتعلة في وجه قوات الاحتلال.

توفير الحماية للمناطق الفلسطينية، التي تتحصن فيها هذه المجموعات، فعلى الرغم من استخدام العنف الذي وصل إلى قصف بعض هذه المدن والمناطق بالمسيّرات، فإن وجود هذه المجموعات يمنع قوات الاحتلال من المضي في اعتداءاتها بحق الفلسطينيين، من اعتقال وتصفية وغير ذلك.

تحويل اقتحامات قوات الاحتلال إلى محطات استنزاف مباشرة لها، وتعزيز حالة القلق الوجودي المتنامي، ما يعزز أي حالة عصيان أو ترهل أو تراجع للأداء العسكري على غرار ما يجري بسبب العدوان في القطاع.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي إبراهيم
كاتب فلسطيني
باحث في مؤسسة القدس الدولية
تحميل المزيد