كيف تستقيم الحياة في وطن لا مكان فيه للأخلاق؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/28 الساعة 11:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/28 الساعة 11:52 بتوقيت غرينتش

مثقّف بلا أخلاق، شخص بلا ضمير. بإمكان هذا الشخص أن يتنازل عن كل شيء ذي قيمة أخلاقية من أجل المال والشهرة ومصلحة آنية. فهل يصحّ أن نسميه كذلك؟ ولنا في الواقع ما يؤكّد هذا الكلام. واستشهد بقضية من القضايا اليوميّة التي تتطلّب استخدام الضمير؛ مثل قضية محاولة قمع الأصوات الحرّة وسجن أصحاب الرأي الذين يدافعون عن قضايا الأمّة، فهل يصحّ أن يقف شخص نقول عنه مثقّف مع سلطة ظالمة غاشمة؟

"مثقّفون" لكنّهم يقفون مع الجلاّد ويحاولون تبرير أفعاله بشتى الأساليب؛ خوفاً وطمعاً، ومداهنة وتملّقاً… على حساب الأخلاق والضمير. فهل يصحّ أن ننعت هؤلاء الذين باعوا ضمائرهم ومواقفهم وأقلامهم للطغاة والمحتلّين، أرواحهم "للشيطان الرّجيم"، مقابل مصالح شخصية وحظوظ آنية بالمثقّفين؟ دون الخوض في مفهوم الثقافة وما تحمله الكلمة من تشعّبات؛ فهي عند الفلاسفة والمفكرين وعلماء الاجتماع والأنتروبولوجيا، تعني شيئاً آخر، وليس كل متعلّم أو صاحب شهادة بالضّرورة مثقّف.   

وحين نتكلّم عن الأخلاق، ومدى أهميّتها في حياة النّاس، فنحن نريد بذلك العلاقة التي تربطهم ببعضهم. فإن كان الذي بينهم من علاقة تبدو للنّاظرين متينة وصلبة، وهي في حقيقتها شيء آخر، فالمصلحة آيلة للزّوال، وتتفكّك الروابط بعدها لا محالة؛ ونرى أن أوّل من ينقلب على السّلطة ورموزها، ويلعنهم لعناً كبيراً بعد ذهابهم أو إبعادهم، هم من كانوا ذات يوم يدافعون عنها وعن رموزها بشراسة، هم الذين يسمّون أنفسهم "النّخبة".

وكذلك الأمر بالنسبة للدِّين، وفهمنا العقيم له جعلنا نقدّس الشّعائر دون فهم المقصود منها. وحين أُفرغت الشعائر من مفهومها الأخلاقي صارت عبارة عن طقوس تؤدّى لا غير.

الذي يزعم أنّه متديّن وملتزم، بمجرّد أنّه يحمل لحية ويرتدي قميصاً ويصلّي في المسجد ويصوم الأيام البيض ويحج مرّة ومرّتين ويعتمر في كل مرّة وحين، لكنه لا يلقي التحيّة ويخصّ بها فئة معيّنة من أحبابه الذين يحبّهم ويحبّونه وإخوانه الذين ويحترمهم، شخص يكون قد أساء الفهم إلى الدّين أكثر من إساءة ملحد أو مشرك. والدِّين بلا أخلاق، شجر بلا ثمر.

يكفي أن نذكّر أنفسنا بما قاله الرّسول الكريم في الحديث الذي رواه أبو هريرة: ((إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ وفي روايةٍ (صالحَ) الأخلاقِ)).

والانتهازي الذي يحكّم هواه، الحريص على مآربه الشخصية، شخص مراءٍ، مداهن. وكذلك الأمر بالنسبة للشيخ الواعظ الذي يتملّق أصحاب المال والنفوذ. هل يصحّ أن نقول عن هؤلاء شيوخاً "متديّنين"؟ كيف نصف أنفسنا بالمتديّنين ونحن نحكّم أهواءنا في أمور الدنيا والدّين، والله يقول: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾. [الجاثية: 23].

والمسؤول الكذّاب، شخص بلا ضمير؛ الذي وصل إلى المنصب عن طريق المخادعة والكذب، وواصل خداعه وكذبه حتى النهاية لا يسلم منه أحداً؛ "ومن شبّ على شيء شاب عليه" و"الطبع يغلب التطبّع" كما جاء في عديد الحكم والأمثلة المتداولة. لا يستحي ولا يسأم من الخداع والكذب حتى ولو تعرّض لجميع أنواع الإهانة، لأنه قد وضع نصب عينيه مصلحته الشخصية همّه وغايته تحقيق مآربه المتمثّلة في المصلحة التي جاء من أجلها. ولا يعيره ما يصل إلى أذنيه من قدح وذم، وسبّ وشتم، يرضى بالدّنيّة ولسان حاله يقول: "الكلاب تنبح و القافلة تمرّ المثل".

والجار الذي يسيء إلى جاره، ويعتبر نفسه في الوقت ذاته أنّه رجل صالح ومواطن من طراز رفيع. وقد تجده في الصفوف الأولى ووراء الإمام لا يفارق المسجد. وهو يحفظ عن ظهر قلب الحديث الشّريف:- ((واللهِ لا يؤمِنُ واللهِ لا يؤمِنُ واللهِ لا يؤمِنُ قالوا وما ذاكَ يا رسولَ اللهِ قال جارٌ لا يؤمنُ جارُهُ بوائقَهُ قالوا يا رسولَ اللهِ وما بوائقُهُ قال شرُّه)). ولذلك يتردّد كثيراً على الألسنة المثل الشعبي: الجار قبل الدّار. فكم من جار هوّن مسكنه الجميل ورحل فارّاً بعرضه وجلده بسبب جار سوء لا يحترمه ولا يقدّره ولا يقيّمه.

وزوجة تتعامل بغلظة مع زوجها، مستغلّة ضعفه الماديّ أو النفسيّ والدني. كيف نقول عنها امرأة صالحة؟ زوجة بلا أخلاق "ثمرة بلا طعم".

لو صلُح هؤلاء جميعاً لصلُحت الحياة. ولكن الحياة بلا أخلاق جحيم بالنسبة للإنسان العاقل. وهي مرتع خصب لأشباه البهائم الذين لا يفرّقون بين "الغَثِّ والسّمين"، والخبيث والطيّب والرّديء والجيّد.

لذلك ترى شبابنا اليوم كيف يبحثون بكل السبل عن مجتمعات محترمة وراقية الأخلاق عندها هي المؤشّر، والقانون هو السيّد. مجتمعات لا فرق فيها بين مواطن وآخر في الحقوق والواجبات، مهما كانت الفروق الاجتماعية. وليس هذا ولد الوزير الفلاني، وذاك ولد الجنرال العلاّني.

لذلك تراهم يغامرون بأنفسهم؛ يركبون الأمواج يخاطرون بحياتهم، فرار من مجتمع يداهن ويرائي وينافق. مجتمع ظاهره الحب والأيمان، وباطنه الشّر والحسد. مجتمع يصلّي ويصوم ويحجّ كثيرا، لكنه لا يؤمن الفرد فيه بواتق جاره. مجتمع يدرك أن من يحكمه مسئول ضعيف و كذّاب ومع ذلك فهو ينتخب عليه مرّة ومرّتين. مجتمع يحترم الرويبضة ولا يحترم مثقّفاً؛ لأنّه لا يصلّي في المسجد. مجتمع يقدّم أصحاب المال والنفوذ على العالم والفقيه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
رشيد مصباح
كاتب جزائري
كاتب جزائري
تحميل المزيد