“يوم الغدير” في العراق.. هل يثير الحساسية، أم يدعم الروح الوطنية؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/26 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/26 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
بغداد-المصدر:shutterstock

باختصار شديد، يرى الشيعة أن يوم الغدير عيدٌ لهم؛ إذ نصّب الله فيه علي بن أبي طالب، وعلى لسان النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في خطبة الوداع، خليفةً للمسلمين من بعد النبي مباشرةً، فيما يرى السنّة أنها حكاية إشكالية؛ إذ لا تعني الموالاة لعلي في خطبة الوداع تلك إقراراً بخلافته بعد النبي، ولا تقول مطلقا بأن ثمة "وصية" بالولاية/الإمامة لعلي بن أبي طالب أو الولاية/الإمامة لأهل بيته من بعده.

العراق، بتاريخه الغني وتنوعه الفريد، يقف كمثال بارز على التحديات والفرص التي تواجه الدول الوطنية الحديثة. في قلب هذا التنوع، تتجلّى أهمية الدين والطائفة والعرق، والتي تمثل في الوقت ذاته مصدر قوة ونقطة توتر. الواقع يشهد أنه لا توجد دولة، سواء في الشرق أو الغرب، تخلو من التنوع الديني والطائفي والعرقي، الأمر الذي يجعل من الضروري إعادة التفكير في كيفية إدارة هذا التنوع.

إن التحدي الذي يواجه العراق ليس فريداً من نوعه، بل هو جزء من تحدٍ عالمي يتطلب حلولاً مبتكرة ومستدامة. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: كيف يمكن للعراق أن يحول تنوعه العميق إلى عنصر قوة بدلاً من أن يتركه يصبح مصدر ضعف وانقسام؟

في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، عالج المؤسسون الأوائل قصة التنوع هذه، وحوّلوها من ضعف إلى قوة. 

أمريكا دولة علمانية بأغلبية مسيحية بروتستانتية ساهم في صناعتها وتأسيسها الأوروبيون من ألمان وإنجليز بروتستانتيين مع جالية أيرلندية وإيطالية كاثوليكية ضخمة وكبيرة. حتى الآن، عدد البروتستانت مساوٍ أو يفوق قليلاً عدد الكاثوليك. وبين هذين المذهبين المسيحيين، عدة طوائف وكنائس فرعية طبعاً، ولكل منهم مناسباته الدينية التي لا يتفق معها الآخرون بالضرورة. 

كان الحل سهلاً؛ فرضُ عطل رسمية معينة لا يختلف بشأنها أحد، طوال العام. عطل رسمية يجتمع عليها الجميع. أما بالنسبة للمناسبات الدينية الإشكالية والمُختلف عليها، فلم تتبنَّ الدولة وجهة نظر الأغلبية البروتستانية وتفرضها على الآخرين، بحجة أن البروتستانت هم الأغلبية، بل وضعت قانوناً مُلزماً على كل المؤسسات والدوائر الرسمية أن تأخذ في نظر الاعتبار المناسبات والعطل الدينية للأغلبيات والأقليات سويةً بوصفها مناسبات ينبغي احترامها. 

فيصبح من حق الطالب المسلم أن يغيب عن الدرس وألا يُقدِّم واجباته المطلوبة في يوم مقدس بالنسبة له، من حق الموظف في الدوائر الرسمية أيضاً ألا يأتي للدائرة في يوم عطلة أو مناسبة دينية خاصة باعتقاده، بشرط أن يبلّغ مديره قبل أيام،  فلا يُقطع من راتبه ولا يُحاسَب على هذا.

 يرى عالم الاجتماع الأمريكي روبرت بيلا أنه يمكن لدين أن يلعب دوراً محورياً في صناعة الوحدة الوطنية، عن طريق طرح قد وضحه في مقاله "الدين المدني في أمريكا"، وهي نظرية سوسيولوجية تشير إلى وجود عقيدة شبه دينية وغير طائفية داخل الولايات المتحدة لها رموز مقدسة مستمدة من التاريخ الوطني. يتم الاعتماد عليها، ترتكز على مجموعة مشتركة من القيم والمعتقدات والأعياد والطقوس الأساسية، بشكل موازٍ أو مستقل عن دينهم الشخصي، لتعزيز التكامل الاجتماعي والثقافي.

وبالعودة إلى مشروع قانون عطلة يوم الغدير الذي صوّت عليه البرلمان العراقي الحالي، نرى أن السنّة والشيعة في العراق لا يتفقان على هذا اليوم، كما يعرف الجميع. وإقراره في البرلمان يعني فرض رؤية مذهبية أحادية على أخرى في بلد متنوع القوميات والطوائف والأديان. 

يستخدم المؤيدون للقانون حججاً هشّة، من قبيل مثلاً أن هناك يوم نوروز ويوم عيد العمّال الذي يحتفل به جميع العراقيين بلا حسّاسية، فلماذا لا يقبل ولا يحتفل بعض أولئك العراقيين بعطلة الغدير التي تخص الأغلبية السكانية في البلد؟ ينسى أصحاب هذه الحجج أن عيد نوروز وعيد العمال وبعض الأعياد الرسمية الأخرى، وإن كانت أعياد أقليات، ليست مناسبات إشكالية تعمّق الانقسامات الاجتماعية في البلد. أما يوم الغدير، فهو مناسبة إشكالية لا يتفق عليها الجميع في العراق عقائدياً. يوم الغدير واحد من أهم وأبرز الخلافات السنّية الشيعية في العالم الإسلامي برمته، وبالتالي محاولة إقراره عطلة رسمية في البلد تهدّد وحدة العراق الوطنية وتعمّق من انقساماته الطائفية. 

يُمكن لعيد الغدير أن يكون عطلة رسمية "مناطقية" لمَن يؤمن به. لا إشكال في هذا. ولكن لا يمكن فرضه عطلةً وطنية رسمية على كامل التراب العراقي لأنه حينها سيتحوّل ضمنياً من عيد ديني عفوي ووجداني يخص طائفة معينة إلى سياسة هيمنة طائفية على طوائف أخرى. 

بدلاً من استيعاب هذه الطوائف وصهرها في الدولة الوطنية الديمقراطية الواحدة من خلال التركيز على المناسبات الجامعة غير الإشكالية، يعمل البعض على استعدائها واستفزازها كي تتربّص لتغيير موازين القوى هذه، كما حدث في السابق.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عباس ليث
مدون وصحفي عراقي
مدون وصحفي عراقي
تحميل المزيد