في كلمة له في ختام تدريب لفحص جاهزية الجبهة الداخلية المدنية في حيفا (شمال) منذ شهرين، قال وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن حرباً في الشمال ستمثل "تحدياً صعباً" لتل أبيب، لكنها ستكون "مدمرة لحزب الله ولبنان". بينما قال الأمين العام للأمم المتحدة إن الحرب الشاملة بين إسرائيل وحزب الله ستكون "كارثة".
في المقابل، يظهر حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في خطابه الأخير متبنياً نهجاً يوحي بالاستعداد ولكن لا يبدي الرغبة في الحرب، حيث يؤكد أن أي حرب قادمة "ستكون بلا ضوابط ولا قواعد ولا سقوف".
أما المحللون السياسيون فيتباينون في تقديراتهم فيما يخص الحرب بين الحزب والاحتلال، حيث يستبعد البعض فتح الاحتلال لجبهة حرب ثانية، في الوقت الذي يخوض حربه الهمجية في قطاع غزة، بينما يحذر آخرون من تبعات التقديرات الخاطئة لحكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة، التي قد تدفع الأمور إلى اشتباك غير متخيل.
لكنهم أشاروا أيضاً إلى تآكل قوة الردع الإسرائيلي، خاصة مع وجود ضبابية بمكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو حول إمكانية التوصل لاتفاق في غزة بناء على خريطة طريق الرئيس الأمريكي جو بايدن.
في ظل تباين المعطيات والتحليلات، يظل السؤال الذي يحتل تفكير الجميع هو: هل سيستمر التصعيد في الجبهة الشمالية؛ ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة؟ على الرغم من توافر العديد من المعطيات، لا تزال الإجابة على هذا التساؤل ليست سهلة أو قاطعة.
لكن لنحاول الإجابة قدر المستطاع؛ لا يبدو أن لأي من الطرفين، سواء الاحتلال الإسرائيلي أو حزب الله، مصلحة ملحة في التورط بحرب واسعة النطاق. فحزب الله، وعلى لسان قيادته، صرح مراراً بأنه لا يسعى إلى الحرب على الرغم من جاهزيته لها، وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة والانقسامات السياسية العميقة التي تعصف بلبنان. من جهة أخرى، على الرغم من مرور 8 أشهر على بدء العدوان الهمجي في قطاع غزة، لم يحقق الاحتلال الإسرائيلي أهدافه الكبرى التي أعلن عنها مسبقاً، فعجز عن القضاء على المقاومة أو حتى إعادة أسراها، وبدلاً من ذلك قتل الآلاف المدنيين الفلسطينيين وحول القطاع إلى منطقة غير صالحة للعيش.
ورغم أن حزب الله أذل الاحتلال، كما يرى الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي رفيف دروكر، في مقالة له في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إلا أنه لا جدوى من حرب واسعة مع الحزب، لأنها لن تحقق ما لا يمكن تحقيقه عبر الوسائل الدبلوماسية، ومن المحتمل أن يكون الثمن باهظاً بشكل لا يطاق، كما ذكر، لأن للاحتلال أولوية واضحة بإعادة الهدوء والمستوطنين للشمال، وهذا غير ممكن دون وقف التصعيد الذي يعلن حزب الله أنه لن يحصل إلا بوقف العدوان على غزة.
إذ يعتقد الصحفي الاستقصائي أن الوضع الحالي يدفع بإجراء مناورة برية في الشمال، لكن ذلك أيضاً سيكون قراراً سيئاً، وقد يجعل الوضع "صعباً ومهيناً"، حسب تعبيره؛ إذ من المرجح ألا تكتفي هجمات حزب الله على الجبهة الداخلية الإسرائيلية بإلحاق أضرار مؤلمة بل إلى ضربات استراتيجية، قادرة على استهداف كامل أراضي إسرائيل بشكل دقيق، والمنطقة التي ستكون تحت النيران الكثيفة ستكون المنطقة الشمالية بأكملها حتى حيفا.
على الرغم من تعدد التحليلات السياسية والمعطيات المتاحة التي قد توحي أحياناً بعدم ذهاب أي من الأطراف إلى حرب شاملة قريباً، يجب التذكير بأن القرارات السياسية والعسكرية لا تقتصر دائماً على التقديرات المنطقية. في بعض الأحيان، قد تدفع الظروف السياسية والعسكرية الأطراف إلى اتخاذ خطوات غير متوقعة، كما شهدنا في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي المتكرر للحرب، ومع مأزق نتنياهو قد ينظر هو وحكومته المتطرفة إلى ذهاب إلى الحرب في الشمال في لبنان كفرصة إذا توافر الدعم الأمريكي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.